|
وحدة "الأمة" ووحدة حزب الأمة
|
بسم الله الرحمن الرحيم وحدة "الأمة" ووحدة حزب الأمة ابوهريرة زين العابدين عبدالحليم [email protected]
قرأت كغيري بيان حسن النوايا الصادر من حزب الأمة "الإصلاح والتجديد"، لقد افتتح البيان بآية تدعو للاعتصام بحبل الله المتين واختتم بآية تؤكد ان العزة لله جميعاً وما بين الآيتين هنالك كلام كثير يحتاج الى تعليق. ولكن لماذا هذا البيان وفي هذا التوقيت بالذات وبرغم ان منطوق البيان هو استجابة لأشواق الناس في الوحدة وقد كانت اشواق الناس هو نفسها اشواق الناس عند سوبا وما بعد سوبا. لقد تحدثت باكراً وبكل وضوح وشجاعة بأن الوحدة بالنسبة لي "تابو" مقدس وما زلت عند رأيي ولكن لابد من الخوض في الامر بمزيد من التفاصيل والشفافية وعسى ان نفعل خيرا لاهلنا الميامين والبلد جميعاً في اجواء سلام ووئام وحالة وحدة للامة جمعاء فما بالك بوحدة حزب الأمة. اعتمدت تجربة الاصلاح على انه لابد من التجديد والاصلاح وان لديهم رغبة اكيدة في ذلك وفعلوا فعلتهم وحاولوا ان يقفزوا فوق الواقع المجتمعي والواقع التاريخي وبرؤية عاطفية لا تاريخية مفوتة ومضللة وغير مطابقة للواقع الذي نعيشه، وحاولوا الهرب من الواقع الى مدن فاضلة في الوهم والخيال السياسي اللامتناهي فغرقوا في بحر لجي تتلاطم امواجه ومدحوا ذاتهم وضخموها وقالوا انهم سوف يبدلوا هذا الواقع بواقع جديد تتحقق فيه مدينة الاصلاح والتجديد الفاضلة وبدون ان يرجعوا حتى لصاحب المدينة الفاضلة وافكاره. لقد قلت انه لابد من رؤية وفكرة وتخطيط استراتيجي لاي شيء وردوا انه قد انتهى عصر الايديولوجيات والافكار وان النظرة السياسية السريعة المتهافتة تكفي لانجاز حزب وبرنامج سياسي وايديولوجية كاملة تحول حلم مساكين الانصار الى فردوس في ارض الله. وكنت ايضا قد قلت لهم قديماً إن محاولة الاصلاح بهذا الشكل هي كمن يحاول ان يمتطي صهوة فأر جامح، وبعد ان ركبوا الفأر يبدو انه آن الآوان لكي يترجلوا من على ظهر هذا الفأر وعلينا ان نساعدهم ونلجم هذا الفأر ونقيده من ارجله ونلعن الشيطان لا أن نغلق الابواب عليهم . تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم لننظر ماذا انجز لنرى ان كانت هنالك رؤية واضحة تحكم هذا الامر ام مجرد انفعال، والله الذي لا اله غيره لست بشامت ولا شاتم ولا مادح ولكنني احاول ما امكن ان اقدم رؤية ابستمولوجية نقدية علمية وحتى نصلح ونفيد. لقد بدأت تجربة الاصلاح بان قال زعيم حزب الامة "الاصلاح والتجديد" السيد مبارك المهدي بأن الجلباب الحزبي قد ضاق عليه وانه يسعى لكي يلبس جلباباً قومياً اكبر واوسع ولا ضير في ذلك اذا كانت هذه قناعته حينها، وبعد ذلك توالت الاحداث وحتى تحول القطاع السياسي بحزب الامة والذي كان يقود التفاوض مع الحكومة الى حزب وبين ليلة وضحاها. لقد رجعت إلى تاريخ عدد من الأحزاب السودانية والغير سودانية ولم اجد أن هناك اي حزب صار حزبا حقيقياً وبهذا التهافت والسرعة، فالأحزاب دائماً عند نشأتها تعتمد على شرعية تحرير بعد حرب طويلة، أواحزاب استقلال نشأت لخوض غمار النضال ضد المستعمر، او احزاب الايدولوجيات من اليسار واليمين، اي ان قيام حزب يجب ان يعتمد على شيء حقيقي وفكرة ببرنامج واضح ويستند على تفكير متنأن طويل. لقد كانوا دائماً يرددون ان الإمام الصادق المهدي قد فعل نفس الشيء في الستينات واقول انه فعل ذلك واكتشف خطأ الأمر ورجع ووحد الحزب وبسرعة وقاده بافكار وبرامج إلى ان وصل الحزب الى شكله المعاصر والذي كانوا جزء منه، ولا ادري لماذا يعتمدون على ان التاريخ سوف يكرر نفسه واذا كرر التاريخ نفسه يصبح الامر مهزلة كما يقولون وحتى لو كان ذلك كذلك لماذا يصرون على ارتكاب نفس الخطأ. لو كانت هناك جدية في الاصلاح لكان ينبغي أن يبدأ الأمر بصورة متأنية وبدراسات موضوعية وورش وندوات وكتيبات وصحف ونقاش يبدأ من اسفل الى اعلى، من القاعدة الى القمة ويتسرب وحتى تكون هناك قناعة كبيرة به وسط كادر الحزب وجماهيره، اما ان يكون الاصلاح بشكل فوقي يصب من اعلى الى اسفل ويعتمد على ما يسمى بالبرنامج الوطني والشراكة مع النظام وانهم سوف يشاركوا في السلطة لكي يخدموا جماهير الانصار الكادحة واعتقد هذا هو سبب الانشقاق اي المشاركة في السلطة اولاً ثم فتشوا عن تبرير لذلك وكانت اقرب شماعة جاهزة هي الاصلاح وان الفرصة للشباب ليتولوا المسؤولية وهي بلا شك دعوى فوضوية لم اجد لها مثيل في التاريخ. ذكر في البيان ان لديهم ثلاثين شابا يتولون مناصب دستورية ولكن هؤلاء الثلاثون موزعون وزير تربية في ولاية جنوب كردفان، ووالي في الشمالية، ومستشار في القصر اي جزر معزولة عن بعضها البعض وبشكل مقصود من النظام وحتى لا يتيح لهم اي فرصة لاي نوع من التأثير، واذكر هنا نصيحة رياك مشار ولام اكول لجون قرنق حيث قالوا له نحن نعرف هذا النظام وانت تعرفه لا تدخل معهم في شراكة فهي تعني التفكيك للحركة ولا تترك جيشك، وهذا ما حدث بعد مشكلة د. نهار واستاذ مسار ود. تاج الدين لقد فككهم النظام في رابعة الضحى. لذلك فالواضح ان التطورات الاخيرة فيما يتعلق بالسلام، وزيارة وفد الحركة للخرطوم والمشاركة في ندوة مفتوحة في دار حزب الامة، ولقاء الرئيس البشير مع الامام الصادق المهدي والاتفاق على لجان عمل مشتركة وقوله ان حزب الامة رقم لا يمكن تجاوزه، وابعاد غازي صلاح الدين من منصبه وما ادراك ما غازي صلاح الدين قل هو مهندس الاتفاق مع الاصلاح، وموقف الحكومة من المنشقين من تيار الاصلاح والمساندة التي وجدها هؤلاء المنشقين، كل هذه الاشياء جعلتهم يفكروا بطريقة مختلفة ويجب ان نحمد لهم ذلك ونحثهم على المزيد ولكن ما نختلف معهم فيه هو الآتي: - مبدأ التجديد والتطور وانتقال المسؤولية لجيل الشباب واعادة صياغة دور المخضرمين: لا يمكن أن ننظر إلى الناس باعمارهم فالناس ليسوا بهائهم، ينبغي أن نقيم الناس بما يفعلوا ولم اجد اي حزب سياسي في الدنيا يقيم الاداء الحزبي بعمر الفرد، فاذا كان هناك فرد ما قادر على العطاء وانجاز المهام فما المشكلة، وكل من يقرأ البيان يتضح له ان هناك جلباب مفصل بالضبط لبعض الاشياء والتي لا يمكن ان تتأتى بهذا الشكل. - الفصل ما بين القيادة الدينية والسياسية: لماذا الفصل، ما المشكلة، وهل هي دعوة لعلمانية، اي فصل الدين عن القيادة اذا صح التعبير، اي ان يكون دين بلا قيادة وقيادة بلا دين ام ماذا، وكما نعلم لا يوجد في الدين الاسلامي مثل هذا الفصل، فهذه دعوى جاءتنا من بلدان يختلف امرها وامر ديانتها وان هذا الفصل جاء نتيجة لملابسات تاريخية وما حدث ما بين السيد المسيح وقيصر ومحاولة توريطة في بعض القضايا وكان رد السيد المسيح عليه بدهاء حيث اخرج عملة وسألهم صورة من هذه فقالوا صورة قيصر وقال لهم اسم من هذا فقالوا اسم قيصر فقال لهم " ما لله لله وما لقيصر لقيصر" وما تبع ذلك من صراع ما بين الكنيسة والدولة في القرون الوسطى وليس المجال للاسترسال في ذلك هنا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس في الصلاة ويخوض المعارك ويقود المفاوضات السياسية والصحابة من بعده فعلوا نفس الامر، وحتى الامام المهدي كان قائداً للجيش ومفكراً وسياسياً ارسل الرسل والرسائل ووضع لبنة ايدلوجيته وشربها للناس وتجمع الناس حوله نتيجة لهذه الافكار والايديولوجية المضادة للمستعمر وحتى حرر السودان وطرد المستعمر. أما السيد عبدالرحمن فلم يكن يتولى الجانب الديني فقط بل قاد المفاوضات وشارك في السياسة والاقتصاد ورفع شعار السودان للسودانيين وجمع المثقفين بل اسس حزب الامة نفسه ولا يمكن ان نقول ان تأسيس حزب الامة عمل ديني وغير سياسي فهذه دعوى مردودة وان كان الامام عبدالرحمن لم يتولى منصب تنفيذي مباشر وقد صاغ دوره حسب الظرف التاريخي وفي ذاك الوقت ولا يمكن ان نستدعي التاريخ ونلبسه لباس الحاضر ونصر على ذلك. - اعتماد البرنامج الوطني والتحالف القائم بينهم والنظام: هذه هي المشكلة الاساسية التي ادت الى الطلاق فكيف يستقيم عقلاً ان تأتي بشيء وهو سبب المشكلة، اذن لماذا الخلاف. ما نريده الآن هو الشفافية ينبغى عليهم ان يقيموا تجربتهم مع النظام كما فعل رياك مشار و لام اكول وان يقيموا تجربتهم في الاصلاح وان يضعوا دراسات بحجم انجازاتهم واخفاقاتهم وبكل شجاعة وبدون كبرياء وان العزة لله ويرجعوا لحزبهم، وحتى المؤتمر العام الاخير لم يفصلهم، وكان امام الانصار قد قال فيما يتعلق بامرهم بان يدينوا مؤتمر سوبا ويعترفوا بالشرعية وان حزبهم سوف ينظر في امرهم، ويجب ان يتم ذلك ولا توجد اي مشكلة في الرجوع عن الخطأ وهو اجتهاد سياسي لم ينجح وعلى "حزبهم" كما قال الامام وقيادات حزب الامة ان تولي هذا الموضوع الاهمية المطلوبة ولا ينبغي اغلاق الباب ويجب دراسة الامر بتأني ولكن طبعاً ليست بالنقاط الخمسة واعتقد انها مجرد افكار عامة وضعت كسقف اعلى للتفاوض ويمكن الاتفاق على الوحدة بالآتي: - الاعتراف بانهم اجتهدوا سياسياً في مؤتمر سوبا واكتشفوا خطأ الامر. - على الحزب ان ينظر في الأمر اذا اكدوا النقطة اعلاه على حسب كلام الامام في خطبة العيد. - بالنسبة للمشاركة في البرنامج الوطني، الواضح ولكل من القى السمع وهو شهيد ان الامر سوف يتغير وبعد التوقيع على اتفاق السلام النهائي وفي غضون ايام لذلك لا اهمية لهذه النقطة لانه حتماً سوف تكون هناك حكومة جديدة وبرنامج جديد. - بالنسبة للفصل ما بين القيادة السياسية والدينية كما قلت سابقاً لا يوجد فصل بهذه الطريقة الفوضوية. - الخط السياسي العام والمتفاعل مع الواقع السياسي فإن حزب الامة القومي هو الجهة الاكثر تقديماً للمبادرات والاكثر تفاعلاً مع الواقع السياسي واذا كان لديهم شيء مكتوب فيمكن دراسته. - اذا جاءت تأكيدات منهم بهذه المعاني على الحزب ان ينظر في كيفية استيعابهم في الاجهزة والجهة المنتخبة والمسؤولة هي المكتب السياسي واذا تعثر الامر على المكتب السياسي يمكن ان تجتمع اللجنة المركزية وتقرر في الامر. اعلم ان هناك مياه كثيرة جرت تحت الجسر ومرارات ولكن من اجل وحدة حزبنا ووحدة جماهيرنا ومن اجل المرحلة في انها مرحلة وئام وسلام شامل وضع فيه الجميع السلاح، ينبغي ان نضع نحن في حزب الامة سلاح الكلمات وحربها جانباً، وان نسموا ونعلوا فوق جراحاتنا ومن اجل جماهيرنا المسحوقة في دارفور والانقسنا وابيي وجبال النوبة والذين ينتظروننا ان نقوم بدور ما لحل مشاكلهم ينبغي ان نلم الشمل وبشكل موضوعي لا عاطفي ولا فوضوي. هنالك بعض التيارات في الجانبين والتي لديها مصلحة في بقاء الوضع كما هو عليه سوف تقاوم اي خطوة من هذا القبيل ولكن وبنظرة سريعة لتاريخنا وحاضرنا واستقراء مستقبلنا ينبغي ان نسرع الخطى تلقاء وحدة حزب الامة وكفانا مرارات وشتائم وكما جاء في اول البيان تاكيداً لمعنى الآية في انه ينبغي ان نعتصم بحبل الله المتين والا نتفرق وفي آخر البيان في معنى الآية ان العزة لله جميعاً ولا كبرياء ولا احد يعلوا فوق الحقيقة فالحقيقة هي الوحدة.
|
|
|
|
|
|