|
هيا نلعن (أبرهة) السودان في هذا العيد ! عبد المنعم سليمان
|
(قرأت الإنجيل منذ مدة قصيرة ، وفيه يقول السيد المسيح (اغفروا حتى لأعدائكم) . قرأت كلمات السيد المسيح هذه جيداً ، ومع ذلك لن أغفر له ، فالكلمات الأخيرة التي نطقت بها أمي قبل فقدانها القدرة على الكلام ثم مفارقتها الحياة ، كانت (انني ألعنه) ، قل له (إنني ألعنه) ، لا ألعنه من أجلي وحدي بل من أجل أمي).
هذه التحفة الإنسانية المثخنة بالألم والجراح والمعاناة - اعلاه - كتبتها الطفلة (نيللي) ذات الثمانية أعوام ، وهي تخاطب والدها في رواية (مذلون مهانون) للكاتب الكبير ديستوفسكي.
أتخيّل ذات الكلمات وهي تكاد تقفز من صدور أطفالنا عند كل غسق وشفق ! اتخيلها خارجة من أفواه الأطفال بجبال النوبة وهم يقفون بصدور عارية جريحة لإستقبال (يوم العيد) وطائرات الانتنوف ترمي أثقالها على رؤوسهم ، فتبقر بطون أمهاتهم وتتركهم كسيرون يجابهون في وحدة قاسية ما لا طاقة لهم به ! أتخيلهم وهم يقفون صفا واحدا يوم هذا العيد ليقولوا لعمر البشير : (نحن نلعنك ولن نغفر لك ، لا نلعنك بسبب طفولتنا التي دمرتها ، بل من أجل أمهاتنا).
وحتماً سيلعنه الأطفال بدارفور وهم يقضون عيدهم بمعسكرات النزوح واللجوء والتشرد ، ، وسيلعنه الأطفال بالنيل الأزرق وشرق السودان وشماله وغربه حتى الخرطوم ، ستلاحقه اللعنات في هذا العيد حيثما أدار وجهه الممتلئ خسة وعاراً ، وكيفما حرك كتفيه المائلين من الخزي ومساوئ الأفعال وأينما وضع يداه الملطختان بدماء الأبرياء.
اما نحن فبلا شك سنواصل عادتنا التي نشأنا عليها ، مكرسين هذا اليوم لإرسال الأماني الكئيبة المعادة ، وتلقي التبريكات المستعادة ، ولكن تسليماً مني بضعفي وعجزي وقلة حيلتي قررت ان أكسر ذلك الروتين الرتيب مخصصاً جزءاً من يوم هذا العيد لإرسال اللعنات ، وهي السلاح الوحيد المتاح لي الآن ، خاشعاً لله وداعياً بأن يمنحني سلاحاً أفضل فاعلية ، ورئيساً أكثر ديمقراطية ! وسأُلحق الدعوات باللعنات ، وأنا أضم خارطة بلادي المبتورة متضرعاً أن يحمي ربي بقية أهل السودان من عمر البشير وجنجويده ، تماماً كما فعل عبد المطلب بن هاشم قبل الإسلام ، عندما دعى (وهو يضم باب الكعبة) ان يحمي رب البيت بيته من أبرهة الأشرم وأفياله !.
وفي القصة المعروفة انه عندما أراد أبرهة الأشرم مهاجمة الكعبة ، وفشلت العرب في منعه لكثرة جيشة وأفياله ، طلب عبد المطلب بن هاشم جد الرسول الأكرم (ص) مقابلته لكي يسترد (الإبل) التي نهبها جيش أبرهة والتي كان يخصصها لخدمة الكعبة الشريفة ، ولما تقابل معه سأله أبرهه عن مراده ، فقال : لي إبلاً أخذها جيشك وأريد إستردادها ، رد أبرهة هازئاً : كيف تسأل عن الإبل ولا تهتم بالكعبة التي ساهدمها وهي مكان عبادتك وعبادة أهلك ؟ فرد عبد المطلب : أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربٌ يحميه . ثم عاد راجعاً وأمسك بباب الكعبة وأخذ ينشد : اللهم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك / إن تتركه وما يريدون فأمر ما بدا لك . مكث ينشد هكذا حتى أتته من الله نجدة طير الأبابيل التي دمرت أبرهة (الحبشي) وأفياله !.
لن أكتفي باللعنات والدعوات والصلوات في هذا العيد ، بل سأجاري قصيد عبد المطلب بن هاشم حتى يهلك أبرهة السوداني وجنجويده ، وسازيد نشيده بيتاً ، قائلاً :
اللهم ان العبد يمنع رحله فامنع رحالك / إن تتركه وما يريدون فأمر ما بدا لك
ان جنجويده في دارفور إغتصبوا نساءك / ومرتزقته بجبال النوبة قتلوا أطفالك
ان معارضتنا المسلحة نامت فاستنفر شبابك / ومعارضتنا المدنية خافت نرجو جلالك
هذه ليست دعوة للمؤانسة والهزؤ ، وإنما محاولة لإستفزاز وإستنهاض الهمم لمجتمع أصيب بحالة إنفصام شخصية (حادة) ، وبات يردد أساطيراً (قديمة) و(مكرورة) و(سخيفة) عن شجاعة أجداده ، بينما يحيا واقعاً ########اً ، أليماً ومخزياً . مجتمعٌ يعفي نفسه من المسؤولية بنسخ أقاويل ميتافيزيقية مبهمة وغير واضحة ، معلقاً كل فشله في واجباته على شماعة القدر ! مع ان المفكر الإسلامي العالمي والشاعر محمد إقبال ، فنّد هذا الزعم المُقعد بنضالات الأمم قبل حوالي مائة عاماً ، قائلاً : (المؤمن الضعيف هو من يتعلل بالقضاء والقدر ، اما المؤمن القوي فهو قضاء الله وقدره على الأرض).
انتظرُ (كغيري) لأعرف قضاء الله وقدره على أرض بلادنا ، وحتى ذلك الحين ستواصل (أوصالي) لعن عمر البشير ، منادياً مع (نيللي) : (إنني ألعنه ، لا ألعنه من أجلي وحدي بل من أجل أطفال جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق والشرق وكل أطفال السودان).
[email protected]
|
|
|
|
|
|