|
هل هناك ما يدعوا لرفض الشريعة الإسلامية في المنطقتين أو السودان ككل؟ بقلم عبد العزيز النور
|
بدءا اقول نعم .. و لكن !!
ضرورة منع و حظر الشريعة الإسلامية يجب أن لا ينحصر على مناطق معينة في السودان.
يجب منع الشريعة الإسلامية في كل السودان وذلك على خلاف ما جاء في طرح الحركة الشعبية – شمال بالمطالبة برفع الشريعة الإسلامية عن منطقتي النيل الأزرق و جنوب كردفان.
الدين أو الإنتماء الديني يجب أن لا يكون مكان تمييز بين مواطني البلد الواحد لأي سبب من الأسباب لأن كل الأديان متساوية في عيون عابديهم.
الحديث عن الشريعة الإسلامية لم تتبناه الا الجماعات التي تسيطر على السلطة، ليس في السودان و حسب و لكن في كل العالم وهذا ما كان قد حدث في بواكير فرض الديانات السياسية، كالمسيحية والإسلام واليهودية.
إستغلال السلطة لفرض دين أو ملحقات دين بعينه، يحرض مواطني البلد الواحد على السعي للإستيلاء على السلطة لنشر دين أو ثقافة بعينها على حساب معتقدات وثقافات الآخرين وهذا ما يولد العنف والعنف المضاد.
الإصرار على تطبيق الشريعة الإسلامية أو المسيحية في دولة مثل السودان يعطي الحق لآخرين من فرض الإيمان والاعتقاد في أديان أخرى مثل الكجور أو غيره في حال الإستيلاء على السلطة.
إذا كان هناك ضرورة لحشر الأديان في السياسة فاعتقد من الضرورة إعطاء الأولوية "للكجور" لأنه الدين المحلي الوحيد بينما كل الأديان الأخرى وافدة و في معظم الأحيان ذو تاريخ تشوبه العديد من المغالطات، و خصوصا أن القيادات الدينية في الإسلام جميعهم ماتوا مقتولين ببعضهم البعض، كما أن نبي المسيحية نفسه مات مقتولا ومصلوبا على لوح من الخشب.
رفض تطبيق الشريعة الإسلامية أو أي شريعة دينية يتاتى من الحرص على السلام وبناء دولة بمجتمع صحي معافى خالي من الإضطرابات العقلية و النفسية و منعا من التعدي على حقوق الآخرين.
بناء دولة مدنية حقيقية يتطلب مساواة مواطنيها أمام القانون، وهذا لا يتأتى إلا بمساواة المرجعية الدينية مع المرجعيات الأخرى، في إطار القانو والعمل العام، فلا يحق لأي من مواطني أي بلد مدني الحديث عن قداسة معتقده في وقت يتعدى فيه على معتقدات الآخرين كما لا يجب لأي دولة مدنية أن تسمح بذلك.
في الدولة الحديثة لا يمكن إعتبار الدين ضمن معايير المواطنة، باي شكل من الأشكال، إذ ما يربط المجتمع فيها – الدولة المدنية – هو القيم الإنسانية النبيلة بما ذلك الحرية و ممارسة الحقوق المتعارف عليها كاملة غير منقوصة، و الحقوق والواجبات المشتركة والمتساوية، بين مواطني البلد الواحد ، كما يجب ان يتأسس القانون العام فيها والقوانين المتخصصة وفقا لواقع البلد المعنى، اي بمعنى آخر يجب ان تنبني فلسفة القانون فيها على الواقع السوداني إذا كان السودان هو الدولة المعنية.
القوى السياسية السودانية مجتمعة تعي الخلل الحقيقي المتسبب في إعاقة نهوض السودان كدولة ولكن معظم قيادة هذه القوى تعتبر الإسلام أو الشريعة الإسلامية رأسمال رمزي يمكنها من التربع على عرش البلد طالما الغالبية فيها يدين بصورة سطحية، و هذا ما هو جلي في ممارسات الصوفية، السنة، الطوائف الدينية المختلفة، فواقع الحال في بيوتات معظم القيادة السياسية و تحديدا في طائفتي الأنصار والختمية تجد أن هؤلاء و لوقت قريب جدا يعيشون في وضعية تتعاطى مع الآخرين – في المجتمع السوداني - في إطار لا يقل وصفه بغير الرق، وهذا ما جعل الإمام الصادق المهدي يعتقد بأن الجزيرة أبا بما فيها وبمن فيها ملك له الأمر الذي جعله ياخذ مقابل التنازل عن ذلك قيمة مالية تقارب 38مليون جنيه سوداني في بداية تسعينات القرن الماضي كما حدث ولا حرج عن العمال في داخل حوش أسرتهم، والشئ نفسه يعتقده محمد عثمان المرغني في ملكية كل شئ في شرق وشمال السودان و دونكم النكتة الشهيرة "لا يمكن طرد التيس الذي يأكل تمر التاجر في بورتسودان لأنه ملك الميرعني" او قصة المزارع الشمالي "الذي حمل الميرغني على كتفته حتى لا تتصادر ارضه عندما تطأها أقدام الميرغني" وهذا ما جعل الطائفتين تعتزم تأسيس دستور إسلامي 1968م للمحافظة على وضعيتها و مصالحها.
القوى الأخرى – التي تصنف نفسها يسار بما فيها الحزب الشيوعي السوداني – عمدا لا ترى في المشكل السوداني غير قضية إقتصادية بحتة، بينما تتواطأ عن قضايا القانون "الدستور" ما لم يمس قضاياها ومصالحها بشكل مباشر.
الحركة الإسلامية في مجملها تعي ما تفعله وما تخطط له كنتاج لممارستها، رغم إدعاءها الظاهري عن قيم الحق والعدل و ما إلى ذلك، وما قامت و تقوم به الجبهة القومية الإسلامية بمؤتمريها "الوطني والشعبي" يمثل الشريعة الإسلامية القحة والإسلام الحقيقي، وهذا ما يتعارض مع واقع السودان تماما.
الحركة الشعبية – شمال في موقفها الأخير – مطالبتها عدم تطبيق الشريعة الإسلامية في المنطقتين - تؤكد بما لايدع مجالا للشك تراجعها الكامل عن الطرح العلماني الذي اعلنته اثناء الحرب الأهلية الثانية في السودان كما سبق و أن فعلت في جنوب السودان حيث اسست لدولة دينية مسيحية على عكس تلك الإسلامية في السودان وهذا ما هو جلي في السلام الجمهوري للبلدين.
الحكومة السودانية "المؤتمر الوطني يستغل جهل الغالبية ويصرخ من خلال وسائل إعلامه عن مطالبة الحركة الشعبية – شمال بعدم تطبيق الشريعة في المنطقتين "كجريمة" وكبيرة لا تغتفر في وقت يحشد الجيوش لمزيد من القتل والدمار و الفوضى والكسب الرخيص بدواعي الإسلام والشريعة الإسلامية والدولة افسلامية التي أعلنها البشير في القضارف إبان أعياد الحصاد في العام 2014م.
ولكن هل هناك ما يدعوا لرفض الشريعة الإسلامية في المنطقتين؟
مبدأ رفض الشريعة الإسلامية في السودان ينبغي ان لا يخضع للتفاوض كما لا يجب أن تشكل القضايا الدينية المواقف التفاوضية او يكون الدين في حد نفسه أحد مهددات بناء الدولة السودانية، وهذا ما يحتاج لطرح قوي و مسئول من جميع المعنيين والمهتمين بالقضايا السودانية السياسية والمجتمعية منها، للحيلولة دون تفتيت ما تبقى من السودان، و بناء دولة مدنية حقيقية، دولة القيم الإنسانية النبيلة، دولة يكون الولاء لها والكرامة لشعبها.
|
|
|
|
|
|