السؤال هنا هو : "هل هناك حوجة لمحاسبة الذين أرتكبوا جرائم أنسانية لأقرار مصالحة وطنية شاملة في السودان؟"، والأجابة المنطقية بالطبع هي نعم. وذلك لان طبيعة هذة الجرائم التي أرتكبت في السودان بدارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وبعض المناطق الأخري، أرتكبت بشكل ممنهج وعلي نطاق واسع ومنتظم، وهذا يجعل لا بد من محاسبة هؤلاء الذين أرتكبوا هذة الجرائم تجاه الانسانية وعلى نطاق واسع أو منتظم بتلك المناطق، وهي شرط إساسي للمصالحة الوطنية القائمة علي تحقيق العدالة الأنتقالية في فترة أنتقالية ومؤسسات أنتقالية. إن إقرار المصالحة الوطنية، و التعويض و جبر الضرر الفردي و الجماعي ليست إلا آليات من بين آليات الإنتقال الديمقراطي، و تظل محاكمة الجناة ركن أساسي لتحقيق أنتقاال ديمقراطي ناجح. لأن المتضرر يصعب عليه رؤية الجاني يتجول حرا دون عقاب وقد أثبت ذلك علم النفس. كما أن بقاء الجاني حرا يضع كل القوانين و المؤسسات و يجعلها بدون مصداقية، وذلك يتطلب وضع مفهوم وفلسفة العدالة الانتقالية كاساس للتحول الديمقراطي في خط واحد مع ضرورة محاكمة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم ضد الانسانية لإقرار المصالحة الوطنية.
يشكّل التحقيق في الجرائم ذات الصبغة الدولية والمحاكمة عليها بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب مكوّناً أساسياً للعدالة الإنتقالية المفضية الي أقرار المصالحة الوطنية، ويجد هذا الواقع جذوره في الموجبات القانونية الدولية التي تعود إلى محاكمات نورمبرج، وقد استُكملت مع المحاكم الجنائية الدولية الخاصّة بيوغوسلافيا السابقة وبرواندا، وهناك عدة وقائع قانونية في ذلك كما في يوغسلافيا ورواندا، حيث ساعد التحقيقات مع القادة ذوي النفوذ (إن سياسيين أو عسكريين) ومحاكمتهم على حدّ سواء في تقوية سيادة القانون فيما بعد واصبحت واحدة من الأدوات الاساسية لإقرار المصالحة الوطنية، وبعثت برسالة قوية مفادها أنّ الجرائم من هذا النوع لن يُسمح بها مطلقًا في مجتمع يحترم الحقوق وشرطاً أساسياً للمصالحة الوطنية.
كجزء من الإحتياجات الاساسية لإقرار المصالحة الوطنية أستناداً علي العدالة الانتقالية تكون المحاكمات مطلباً رئيسياً للضحايا وعامل رئيسي في التسوية السياسية والتصالح بين مكونات المجتمع السوداني، ومتى تمّت بأساليب تعكس حاجات الضحايا وتوقّعاتهم، كما بأمكنها أن تضطلع بدور حيويّ في إعادة كرامتهم وتحقيق العدالة، وعلينا أن ندرك أيضاً أنّ الملاحقات القضائية وحدها لا يمكنها تحقيق العدالة بمعزل عن تدابير أخرى مطلوبة بقوة. فالطبيعة الواسعة النطاق للجرائم التي أرتكبت في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق تُظهر أنه غالباً ما يتعذّر معالجة هذه الأخيرة عبر نظام العدالة الجنائية العادي (القوانيين الجنائية القائمة الان لتوافر ما يمكن أن نطلق عليه "ثغرة الإفلات من العقاب"، لانه غالباً ما تركّز استراتيجيات الملاحقة الفاعلة الخاصّة بالجرائم الواسعة النطاق على المخططين للجرائم ومنظمّيها، أكثر منه على ذوي المراكز الأقلّ شأناً أو مسؤولية، ويمكن أن يساهم تطبيق استراتيجيات الملاحقة القضائية إلى جانب مبادرات أخرى – مثل برامج جبر الضرر، وإصلاح المؤسسات، والبحث عن الحقيقة – في سدّ "ثغرة الإفلات من العقاب"، بملاحقة الجرائم التي تشمل عدداً كبيراً من الضحايا والمرتكبين.
أذاً تتطلب المصالحة الوطنية المستندة علي مبدأ العدالة الانتقالية توفير المساعدة والكفأة والتحاليل والنصح إلى المؤسسات المختلفة التي يتم أقرارها وأجهزة الحكومات الأنتقالية الجديدة بعد سنوات الصراع، وكذلك الي المجتمع المدني والأفراد أو المؤسسات المعنية بمجال العدالة والتثقيف المدني والحقوقي، وهذا لأيتاتي الإ بشاركة الدروس المستخلصة والممارسات الفضلى من مبادرات العدالة الجنائية حول العالم التي طبقت في دول عانت من صراعات عنيفة وجرائم كبيرة كما حدث في السودان، ولابد من الاستعانة بمؤسسات دولية لها خبرة خاصة في كيفية تكيّف الأنظمة القانونية المحلية للتحقيق في الجرائم الواسعة النطاق أو المنتظمة مثل جرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية، والملاحقة عليها، وتحليل الصراع لوضع أستراتيجيات وطنية وخطط قابلة للتنفيذ خلال الفترة الانتقالية لتحقيق المصالحة الوطنية.
فالمجتمع المدني المتشكل في مرحلة ما بعد الصراع يجب أن يلعب دور كبير في في تحليل الطرق التي تتيح تعزيز الملاحقات المحلية، ويقدّم الدعم القانوني إلى المعنيين في مجال العدالة وإلى ممثلي الضحايا في الإجراءات الجنائية ضدّ الأعضاء السابقين في المجموعات العسكرية غير الحكومية والحكومية، وذلك يجب أن يضمن في لجان المصالحة والحقيقية ولجان توثيق جرائم الحرب والجرائم ضد الأنسانية التي تمت في سنوات الحرب والصراع لأثرها الكبير على عملية مراحل الإنتقال من الصراع الي المصالحة الوطنية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة