كتب الدكتور محمد وقيع الله مقالا سمجا كدأبه عن الأستاذ محمود والجمهوريين بعنوان "موسم النحيب الجمهورى الكئيب"، فى صحيفة الصيحة السودانية. والمقال فى حد ذاته لا قيمة له ولا يساوى قيمة الحبر والجهد الذى بذله صاحبه فى كتابته وقد ترددت كثيرا فى الرد عليه لأننى أعلم أنه يريد ذلك لتلميع صورته، فهو يعرف أن الجمهوريين لن يترددوا فى الرد عليه. وهو كغيره من كتاباته ملىء بالمغالطات الفجة وسؤ الأدب والحكايات الساذجة والمملة التى تعودنا سماعها منه ومن أضرابه. وهو أيضا مقال لا يليق بمن يزعم أنه يحمل شهادة الدكتوراه فى العلوم السياسية من الجامعات الأمريكية. وهو بعد ذلك وفوق كل ذلك مقال واضح الغرض وصغيره. إذ أن الكاتب بدأ، حينما عاد من ارض الاستكبار فى الولايات المتحدة بكتابات ركيكة فى نقد الفكرة الجمهورية، لا ترقى حتى لمستوى جهلة الفقهاء الذين سبقوه اليها، بغرض الظهور وتلميع نفسه لوظيفة تناسب مقامه المزعوم فى دولة المشروع الحضارى. يقول د. وقيع الله فى افتتاحية مقاله العجيب (عما قريب الجمهوريون واحبائهم من العلمانيين الذين يناصرونهم موسم النواح فى "حولية" شيخهم الذى قضى فى مثل هذا الوقت منذ ثلاثين عاما مضت). هذه الافتتاحية الفجة الساخرة التى لا تعبر عن أى تعاطف أو استنكار لجريمة نكراء هزت الضمير المحلى والعالمى، وكانت الشرارة التى أوقدت نار انتفاضة ابريل المباركة، التى أرسلت النظام المهووس وقضاته المهوسيين الى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه وعليهم، تكشف عن جفاف مشاعر صاحبها. ولكن لماذا ألومه على هذه المشاعر الجافة ونحن لم نألفها قط من أمثاله. ومن المفارقات التى اجترحها الدكتور تنبؤه بأن يصبح الاحتفال بذكرة الاستاذ محمود مناسبة "رجعية" لتمجيد الأستاذ محمود وخلع شتى النعوت الخرافية المزعومة عليه، ونسيان دعوته وجوهرها باعتبارها مبادئ متقادمة لا تناسب القرن الواحد وعشرين. كيف يتحدث هذا الرجل عن الرجعية وهو الذى يعيشها لحما ودما وفكرا وكلاما وحياة. ونبؤته هذه يكذبها الواقع الذى نعيشه هذه الأيام مع ظهور ما يحمله هو من أفكار جاهلة عن الاسلام وتجسيدها عمليا فى ممارسات جماعات الهوس الداعشية والقاعدية وغيرها، ولا اعتقد أن الدكتور يعرف عن الاسلام غير ما تدعوا له تلك الجماعات من تخلف، وكان الاحرى به أن يعرف وهو يحمل درجة الدكتوراه فى العلوم السياسية ألا مخرج للفكر الاسلامى وازمته الراهنة الا بما جاء به الأستاذ محمود ودعى له قبل أكثر من نصف قرن من الزمان. وإهتمامه هو شخصيا واهتمام غيره من المعارضين للفكرة يمثل أبلغ دليل على أنها حية وتؤرق مضاجع معارضيها من أمثاله. أما اصحاب الدعوة وأقطابها – وهو لا يعرفهم- فإنهم لازالوا يحدثون الناس عن الأصول والفروع وتطوير التشريع لا يحيدون عن فكرتهم قيد أنملة. ولن تتحول الفكرة الجمهورية لطائفية كما زعم لأن كل من التزمها التزمها عن اقتناع وفكر، وتمجيد الجمهوريين وتقديسهم للاستاذ – ونحن فعلا نمجده ونقدسه -هو تمجيد لفكرته فى شخصه لأنه يمثل تجسيدا أصيلا مذهلا لها فى تفاصيل حياته اليوميه. فهو ليس مثل شيخك الذى يقول ما لا يفعل مما جعلكم لا تجدون له تمجيدا فى انفسكم فأنصرفتم عنه مع أول سانحة للولوغ فى غنائم السلطة التى سطا عليها اترابك بليل وخديعة. وصدقنى أن الأحداث والقصص التى أوردتها من كتابات أخى عبد الله عثمان والمرحوم الدكتور خليل عثمان هى حكاوى حقيقية ويحكيها عنه معارضيه من أهله قبل مؤيدوه، وقد رأينا نحن منها الكثير، وازيدك منها انه لم يكن يقتل الذباب، ويستحم فى الطشت بصابون الغسيل لأن غالبية السودانيين لا يملكون غيرها، ولا يملك الكثير من الأوانى كما تملكون حتى يتخوف منها على حيطان منزله المبنية من الجالوص. وما قولك فى أن دكتور خليل عثمان خرج من المعتقل ويعتير نفسه جمهوريا، وكان يدفع كل تكاليف الاحتفال بالذكرى الأولى للأستاذ محمود التى أقيمت فى دار أساتذة جامعة الخرطوم وكنت أنا عضوا فى لجنتها. ثم نأتى لكذب الكاتب وإفتيئاته- وهى خصلة "إخوانية" أصيلة- على الاستاذ محمود وقوله عنه بأنه لم يحتج على مقتل خصومه السياسيين على مدى عقد من الزمان متحالفا مع نظام البطش المايوى. أولا لم يكن الجمهوريين متحالفين مع النظام المايوى،كما زعم الكاتب الكذوب، لأنهم لم يستوزروا فيه، ولم يكونوا من متلقى عطاياه وفتات مؤائده، بل ان نميرى طلب أن يعين جمهوريين فى حكومته فرفض الأستاذ محمود أمبررا ذلك بأننا لسنا طلاب سلطة، ولأننا لا نستطيع أن نبرر كل أفعال النظام. أما تأيدنا لمايوفى فترة ما قبل هوسها، وهو تأييد لا نخفيه ولا نخجل منه، فقد كان قائما على مبدأ لانها جاءت حين جاءت فى وقت كانت فيه الطائفية والسلفية الجاهلة، تتأهب للوثوب على السلطة على أجنحة دستور اسلامى مزيف، ولكنها حين حادت مايو عن طريفها ذلك وركبت موجة الهوس السلفى، كان الجمهوريون أول من وقف فى وجهها ودفع الأستاذ محمود روحه فى سبيل ذلك. أما الذين زعمت أن النميرى حصدهم ولم يحتج الأستاذ محمود على قتلهم، فلم يأتوا يحملون اغصان الزيتون ودعوات الحوار، وانما جاءوا يحملون بنادقا لمنازلة نظام عسكرى واجههم بسلاحهم. وغريب امرك يا دكتور وأنت تتحسر على حصد النظام المايوى للأنصار، ولم تذكر زملائك من الاخوان المسلمين، الذين ارسلهم زعيمك وقتها- قبل أن تتنكر له- وزعيمهم للموت، ثم لم يلبثوا أن صالحوا نظامه وجلسوا على مؤائده دون أن يذكروا قتلاهم الذين دفعهوهم للموت دفعا فى سبيل الوصول للسلطة. وأنا أسأل الدكتور هل قام هو أو رصفائه بالاحتجاج على قتل الألاف من أهلنا المسالمين والمسلمين فى دارفور وتشريدهم وإغتصاب نسائهم بواسطة النظام الذى يؤيده الدكتور ويسعى للحصول على منصب من مناصبه؟ ولعل الدكتوريريد أن يوحى، وهو يسخرمن مواقف الأستاذ محمود فى الرفق بالأحياء والأشياء وعدم احتجاجه على قتل البشر، بأنه انما "يمثل" ويتظاهر، ونحن نريد أن نسأله ماذا كان يريد الأستاذ محمود من كل ذلك التظاهر والتمثيل؟ هل سأل نفسه هذا السؤال يا ترى؟ إنه من البديهى أن الذى يغش بالدين، ويتظاهر به، انما يريد الدنيا وزينتها. وقد رصد الكاتب نفسه فى مقال سابق له الحياة الزاهدة البسيطة التى عاشها الأستاذ محمود فى بيته المتواضع، وكان من المأمول أن يقوده ذلك الإكتشاف على الأقل الى طرح السؤال الذى طرحناه عليه هنا " ماذا كان يريد الأستاذ محمود من كل ذلك التظاهر والتمثيل؟"، خاصة وهو يرى شيوخه وزملائه من الاسلامويين وقد اوغلوا فى الإفساد والفساد بكل أنواعه وتكالبوا على الدنيا وكل جيفها، وبدلا من أن يقوده ذلك الإكتشاف الى التساول حول شخصية الأستاذ محمود وأهدافه، فإنه خرج من ذلك الإكتشاف بقوله متسائلا كيف لشخص يعيش مثل هذه الحياة الزاهدة البسيطة أن يزعم أنه الله. عجبى !!! ولماذا العجب فقد قال أصدق قائل "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). هل تريد أن تعرف يا دكتور على من ننتجب؟ إذا إقرأ معى. لقد كتبت انا مقالا قبل وقت قريب بعنوان " يا قادة المعارضة لن تقودوا الشعب حتى تتقدموا صفوفه فى الكريهة"، ولعله من المناسب أن اعيد جزأ منه هنا لأنه يبرز ما نحن بصدده من تقديس ومحبة وتمجيد الجمهوريين للاستاذ محمود (لقد كان الأستاذ محمود نموذجا فريدا فى قيادته لأبنائه الجمهوريين، حيث لم يقدم أبنائه الجمهوريين لكريهة قط ويتأخر عنها. فكان اخر من يأكل، واخر من يشرب، ولا يطلب من أبنائه عملا ثم يتقاصر عنه بدعوى أنه قيادى ومهم لإستمرارية التنظيم والتخطيط. فحينما سجن مع أبنائه فى فترة ما قبل التنفيذ، وقررت الجهات الأمنية اطلاق صراحه اولا قبل أبنائه المعتقلين، رفض قرار الإفراج، وأحتج بأنه المسئؤل عن كل الحركة الجمهورية والأولى أن يطلق سراح أبنائه أولا قبل أن يطلق سراحه هو. واصر ألا يغادر معتقله حتى يفرج عن جميع أبنائه ويحضرونهم له فى معتقله ليخرج معهم من المعتقل. وفى أول سابقة من نوعها، قام جهاز الأمن بنقل جميع الاخوان الجمهوريين من معتقلهم فى كوبر فى بصات الى بيت بونا منوال حيث كان الأستاذ محمود معتقلا. وبعد خروجه من المعتقل لم يلذ بالصمت خوفا، كما فعل اخرون وفلسفوا خوارهم كذكاء لم يسعف الأستاذ، وأصدر الجمهوريين منشورهم المشهور "هذا أو الطوفان"، وكانت كلمته الوجيزة فى محاكمته الغادرة الشرارة التى أطلقت حماس الشعب من عقاله فخرج هادرا حتى انهار النظام. لقد حضرت أنا شخصيا أول اجتماعات التجمع الوطنى انذاك فى نادى اتحاد طلبة جامعة الخرطوم، بعد أن إستأذنت الأستاذ محمود فى ذلك، وأرسل لى وريقة وطلب منى قراتها على المجتمعين، الذين تجمعوا لمعارضة الحكم عليه بالإعدام. وكانت الوريقة تقول للمجتمعين ما معناه (إذا اجتمعتم لتقولوا لنميرى أطلق سراح محمود فلا تقولوا له... جردوا القضية وقولوا أن الفكر ليس مكانه المحاكم). وقد ألهب هذا الموقف المتجرد حماس المجتمعين وكانت زوجة المرحوم عبد الخالق محجوب الأستاذة نعمات مالك قمة فى ذلك الجو الحماسي. لقد هزت كلمة الأستاذ محمود هيبة النظام و لم تكن إنتفاضة أبريل 1984 لتقوم لولا النموذج القيادى الفذ الذى قدمه الأستاذ محمود محمد طه لشعبه بتقدمه له فى يوم الكريهة ذاك. وهذا هو السر، لمن لا يدرى، لمحبة الجمهوريين للاستاذ محمود وثقتهم فيه بل وتقديسه). هل تريد الحق يا د. وقيع الله؟ انت معجب بالأستاذ محمود وفكرته ويسبب لك هذا الإعجاب القسرى ازعاجا نفسيا ويخيفك، ولذلك تحاول طرده من داخلك بهذه الكتابات. وإذا حاولت أن تقرأ الفكرة الجمهورية بعقل مفتوح وقارنتها بما تحمل من فكر اسلامى متخلف فانك لا بد واجد فيها مخرجا لأزمتك وأزمة الفكر المتحجر الذى تحمله.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة