|
هل بدا البشير بالتنحى فعلا لحالته الصحية ؟/اكرم محمد زكى
|
اصبح متداولا الان بقوة انه فى حكم المؤكد ان الحالة الصحية للرئيس عمر حسن البشير رئيس جمهورية السودان ورئيس حزب المؤتمر الوطنى الحاكم والقائد الاعلى للقوات المسلحة لا تساعده على الاستمرار فى القيام بمهامه الوظيفية الاساسية حتى والروتينية منها حيث اصبح الرئيس يواجه صعوبة حقيقية فى الكلام وهو الذى اشتهر باعتماده على الخطابات الحماسية فى مخاطبة الجماهير مباشرة والاعلام المحلى والخارجى فيما يشكل مصدر اساسيا لمعلوماتهم واخبارهم عن تحركات وخطط الحكومة وكشف حساب معتمد لانجازات الحكومة وادائها والعلاقات الخارجية ومسارها حتى العمليات العسكرية على الارض والعلاقة مع المعارضة وكل مستجدات الحرب والسلام
ان اطلاع الرئيس شخصيا بكل هذه المهام الحساسة كل هذه المدة فى ممارسة رسخت هيمنة الرجل الواحد جعل من المستحيل معه تحمل ان يدير الامور بالاشارة فى ظل عدم القدرة على الكلام او حتى استعمال الهاتف كما انه لم يهيئ من ينوب عنه وذلك بالتخويل والتفويض المناسب للصلاحيات حيث ظل الرجل قابضا على كل مقاليد الحكم وصنع القرار بقبضة من حديد جاعلا كل من عداه مجرد مكملين للصورة يؤدون ادوار الكومبارس بخوف وارتعاش متحاشين غضب الرئيس عليهم وفقدانهم لمناصبهم الامرالذى يترتب عليه فقدان مصدر الثروة والجاه والاهم من ذللك هو فقدان ما يقدمه المنصب من حماية وترتيبات امنية تكفل سلامتهم واسرهم من بطش معارضين متربصين او جماهير تحمل لهم الكثير من الغضب والثار
بدا استقبال هذا الواقع الجديد بحالة من الانكار تنقل خلالها الرئيس بين عدة اخصائيين ومستشفيات حيث ووجه بنفس التشخيص وكانت اخر محاولاته اليائسة هى الوصول الى الولايات المتحدة حيث قد يوجد العلاج المتقدم لحالته ولكن يبدو ان امريكا ولسوء حظه كانت مشغولة جدا فى انهاء خلافاتها ومع من مع ايران التى ايضا فضلت اخذ مسافة منه فى هذا التوقيت لحساسية الموقف
كل هذا يحدث تحت ضغط كبير يحدثه تراكم العمل وتكدس الملفات على مكتب الرئيس وتاخر وتاجيل اتخاذ القرارات فى امور لاتحتمل التاخير فبدا معه عقد السيطرة فى الانفراط وتسيير امور البلاد فى الانحراف عن مسارها منذرة بكارثة وشيكة
والان عندما بدا وان الرئيس اصبح يدرك انه امام خيارات محدودة منها ان يسلم نفسه لمحكمة الجنايات الدولية اذا اراد اللحاق بما يمكن لحاقه من علاج لحالته فى اوروبا او امريكا وحتى الخيارات الاخري تقوده حتما لتسليم السلطة والتنحى عن الحكم يبدو وكانه بدا يستسلم للامر ويحول اولوياته من الحكم الى الثروة حيث نشطت حركة تدل انه يعد خزانته لفترة ما بعد الحكم والتى مهما اختلف المكان الذى سيختاره كمنفى تحتاج الى اموال طائلة لتغطية تكاليف الحماية الامنية ناهيك عن مصاريف العلاج والمعيشة ويبدو هنا ان من سبل استمرار ضخ الاموال الى حساباته هو تمكين اشقائه واقاربه من منابع المال فى الدولة وتسليمها وتمكينها لهم من ضمن اتفاقية وترتيبات نقل السلطة للحاكم الجديد
يبدو ان الامر شكل بجانب الصدمة الكبرى للبشير وهى صدمة المرض شكل صدمة اكبر وافظع عليه وعلى جميع مساعديه ومعاونيه على الحكم حينما اكتشفوا ان ذهاب البشير هو النهاية الحتمية للانقاذ وربما زوال حكم الاسلام السياسى الذى حكم بقبضة البشير الحديدية طوال ربع قرن من الزمان فادرك الجميع عدم وجود اى خليفة او تنظيم او تحالفات او خطط بديلة تسد فراغ خروج البشير وبدا الصراع الخفى بين المتنافسين يطل بوجهه القبيح منذرا بعدم اعترافه باية مواثيق او بيعة وبدات حالة من الرعب والهستيريا تنتقل لتصيب البعض والبعض الاخر بدات تداعبه احلام السلطة مما انتج المشهد الحالى من دعاة القفز من القارب فى شكل اصلاحيين او الذين اختاروا الاجراءات الاحترازية ومحاولة التهرب من اية مسئولية وتعريةالاخرين كما نشاهده من خلال التلفاز او من المقالات الصحفية والاعترافات الاعلامية وتغيير المواقف المتصاعدة وتيرتها بجنون هذه الايام
وعلى صعيد الحزبين الكبيرين الامة والاتحادى يبدو ان السيدين المهدى والميرغنى على علم بادق تفاصيل الامر ويبدو ان ذلك تم باخطار من الرئيس مباشرة طمعا منه فى ان يتفهم الاثنين الوضع وربما ليتعاطفوا معه ويدعون له وربما يسامحوه لكن الاهم هو ان يستعدوا ويعيدوا ترتيب حساباتهم تحسبا لما هو قادم فى اجراء اشبه برد الامانة التى استولى عليها فى يونيو 1989وهذا يجعلنا نفهم ردود افعال السيدين التى كان ومازال الشارع يراها خذلانا وعدم تفاعل مع ثورته بينما السيدين فى حال اشبه باسدين يستعدان للقفز على عدو شرس صعب المراس بدا وان قواه بدات تخور وبدا الانهاك عليه وهو على وشك ان ينهار ويستسلم لمخالبهم وانيابهم لتعمل فى جسده وتنال منه ما تنال كما ان الامر فيما يبدو قد تسرب لبعض اطياف المعارضة الاخرى
حالة التريث هذه سادت ايضا اللاعبين الدوليين مثل امريكا والصين وايران وحتى المملكة العربية السعودية فاصبح كل رد فعلهم هو انتظار شيء ما وحتى شركات الطيران الاجنبية فضلت التحجج لتعليق رحلاتها للخرطوم انتظارا لهذا الشيء
حالة عدم الانضباط التى تسود الحالة السودانية عموما والسياسية والعسكرية على وجه الخصوص وما بدا يشوبها من هرج ومرج هى تشبه فيما تشبه حالة الذعر التى تنتاب الحيوانات قبل وقوع الزلازل
اللهم الطف بنا وبجميع اهلنا وبالسودان واقدر لنا الخير كله
اكرم محمد زكى
|
|
|
|
|
|