|
هل انتهت متاعب الحركة الشعبية ... أم بدأت ؟
|
محمد أحمد إبراهيم الرياض – السعودية [email protected]
بعد التوقيع النهائي لاتفاق نيفاشا ودخول الحركة الشعبية إلى مسرح الحياة السياسية السودانية كلاعب سياسي جديد ، ستجد الحركة نفسها في مواجهة عدد من التحديات فرضها واقع الحال يتعين عليها مواجهتها والتعاطي معها ، و ليس لديها الخيار في ذلك . هذه التحديات تتمثل في : تحول الحركة من تنظيم عسكري قتالي إلى حزب سياسي يمارس الديمقراطية ، مواجهة القوى الجنوبية الداخلية والخارجية غير المنضوية تحت لواء الحركة وفتح منافذ للحوار معها ، متابعة تنفيذ بنود الاتفاقية مع الحكومة المركزية ، ممارسة الحكم بصورة مباشرة في الجنوب ، بالإضافة إلى قيادة إعادة الإعمار في الجنوب .
من أكبر التحديات التي ستواجه الحركة هي مسألة تحولها من تنظيم عسكري أمضى فترة ليست بالقليلة في المعارك ، إلى حزب سياسي يسعى إلى ضم أكبر عدد من المؤيدين الشماليين والجنوبيين استعدادا لفترة انتخابية قادمة ، مما سيحتم عليها استبدال أدواتها القتالية بأدوات تتناسب والخطاب السياسي الجديد ، ويستوجب ذلك تناسي كونها حركة عسكرية اعتادت على أن تأمر فتطاع وأن توطّن نفسها على قبول الرأي والرأي الآخر وتقبل النقد وممارسة الديمقراطية التي طالما تحدثت عنها.
لن يكون هذا التحول المفصلي للحركة سهلاً و "مستساغاً" خاصةً وأنه يتطلب إجراء جراحة عميقة وقاسية في تكوين الحركة "العسكري" ربما أدت إلى إقصاء بعض القيادات والقيادات الوسيطة ذات الطابع العسكري ، وتقريب قيادات أخرى ذات قدرات سياسية جاذبة تستطيع التحرك بسلاسة لتنفيذ برنامجها السياسي الموعود .
من التحديات الكبيرة أيضا التي تنتظر الحركة ، التعامل مع قطاع كبير لا يمكن تجاهله من الجنوبيين غير المنضوين تحت لوائها والذين أصبحوا تحت مسئوليتها المباشرة بعد توقيع اتفاق نيفاشا ، وكيفية فتح حوار مباشر معهم في الفترة الانتقالية (الست سنوات) ، وهل ستعاملهم كشركاء لها في الحكم عبر وسائل ديمقراطية وتشاطرهم "الكيكة" ، أم ستنظر إليهم " كعملاء" تعايشوا مع الحكومات الشمالية المتعاقبة وأكلوا من موائدها ولم يشاركوهم مرارة الكفاح المسلح طوال السنوات الماضية . القطاع الجنوبي العريض الذي ستجد الحركة نفسها في مواجهته ينقسم إجمالا إلى ثلاث فئات رئيسية :
- فئة (مؤدلجة) انخرطت في العمل السياسي الحزبي أو التنظيمي مع أحزاب سياسية ، شمالية كانت أم جنوبية ، مسجلة أو غير مسجلة ، وتمارس عملها السياسي في الساحة السودانية . - فئة لا تنتمي لأي حزب أو تنظيم . - فئة مقيمة خارج السودان (ما يعرف بجنوبيي المهجر) .
الفئة الأولى التي تمثل الجنوبيين العاملين في الأحزاب السياسية وقادة العمل السياسي الجنوبي في المركز هي الفئة الأكثر تأثيرا على الساحة السياسية بحكم عراقة قادتها في العمل السياسي وهم كذلك الأكثر تخوفا من ردة فعل الحركة الشعبية عند استلامها زمام الأمور ، وكأن قادتها استشعروا مسبقا – أو هكذا خيّل لهم – النية المبيتة من الحركة لإقصائهم وتحدثوا عن هذه "المخاوف" صراحة مع وفد الحركة الشعبية الزائر بقيادة باقان أموم وحذروه من مغبة استحواذ الحركة على الوضع في الجنوب منفردة وأن أي محاولة لإقصائهم أو تهميشهم ستؤدي إلى انهيار كامل في البنيان السياسي والأمني للجنوب وبالتالي إجهاض الاتفاق وتحدثت هذه المجموعة عن ضرورة فتح حوار جنوبي / جنوبي يزيل هذه المخاوف بين قيادات لم يلتقي بعضها البعض لأكثر من خمسين عاما .. ! أما الفئة الثانية من الجنوبيين غير المنضوين تحت أي حزب أو تنظيم والذين أجبرتهم ظروف الحرب إلى النزوح شمالا بحثا عن مصادر للرزق ، فهم فئة ذات عدد مقدر ويمثلون الأغلبية الجنوبية وقد استقر بهم الحال في مدن السودان المختلفة ووطّنوا نفسهم على حياتهم الجديدة التي يمارسونها بشكل اعتيادي ، وهناك جيل كامل منهم لم يرى الجنوب أصلا وعاش وترعرع في الشمال ، فهل تنجح الحركة في إقناع هؤلاء بالعودة إلى الجنوب والمشاركة في إعماره ... والتخلي عن حياتهم الحالية التي اعتادوها لسنين طويلة .. خاصة وأنهم سيعودون في ظل أوضاع مأساوية وبنية تحتية مدمرة بسبب الحرب ... وما هي الأسس التي ستتم معاملتهم بها عند عودتهم ؟ هل سيعاملون كأفراد الحركة الشعبية أم لهم وضع مختلف ؟ ... أم ستترك لهم الحركة حرية الاختيار بين العودة الطوعية لمناطقهم في الجنوب وبين البقاء خارج الجنوب.
فوق هذا وذاك .. فالحركة ستكون منشغلة بمراقبة تنفيذ بنود اتفاقها مع الحكومة المركزية وبحصولها على النسب المقررة لها في الاتفاق بالإضافة إلى انشغالها بأمر حكومة الجنوب وما يتطلبه ذلك من توفير كوادر قادرة على قيادة العمل الحكومي وتصريف شؤون المواطنين وتوفير احتياجاتهم العاجلة . يضاف إلى ذلك كله مهمة إعمار الجنوب وبناء البنية التحتية المدمرة وإعادة توطين النازحين . كل ذلك يجعلنا نقول : إن تضحيات السلام وتحدياته الكبيرة تفوق بكثير تحديات الحرب ، والكرة ستكون في ملعب الحركة الشعبية لتثبت للجميع أنها قدر هذا التحدي ... أو تثبت العكس ..
|
|
|
|
|
|