|
هل الاغتراب نعمة أم نقمة كمال أحمد عبدالرحيم – خبير اقتصاد صناعي مقيم قطر
|
ما يدور في العالم فعلا مدهش ... عولمة .. انتقال رؤوس الأموال والأفراد ، الهجرة ، اللجوء ... وغيرها من الوسائل للسعي نحو حياة آمنة كريمة في أرضٍ وبلدٍ جديدة . كل هذه الوسائل لها محاسنها ولها مساؤها ، وذلك عندما يرسو الانسان في موقع جديد في بلد غير بلده وأرض غير أرضه . هل يكون هذا الانتقال نعمة أم نقمة على الانسان ؟ . بدراسة مختصرة وعلى عجالة دون تفاصيل على عينة من : • اللذين هاجروا أو لجأوا الى دول الغرب من الدول الاسلامية والعربية ، نجد أنهم : - سعدوا بالاستقرار ورغد العيش في سنواتهم الأولى . - حاولوا مجتهدين التأقلم مع اسلوب الحياة الجديد من عادات وتقاليد وانفتاح وبتحفظ . - معاناة شديدة وعظيمة في تربية الأبناء بإسلوب الحياة الاسلامي في الوطن الأم . - بعد بلوغ الأولاد والبنات فوق سن العاشرة بدأت فكرة الرجوع للوطن الأم أو اي دولة اسلامية أخرى خوفا عليهم من الانزلاق في الممارسات الخاطئة في مجتمع الغرب . - إذا تمت العودة الى البلد الأم تكون هناك صعوبة في التأقلم مع الوضع الجديد للأسرة بأكملها ، فما توفر في الغرب لا يتوفر في الشرق ( الضمانات العامة من مسكن وعلاج وتعليم ووظيفة ومصاريف اعاشة ، وإهتمام متميز بكبار السن ومتطلباتهم .. وغيرها ) . - تبدأ المعاناة ليعود الوضع الى حالة ما قبل الهجرة من ضيق ويأس وعدم توفر مستوى العيش الكريم . - حتى في حالة العودة للعمل في دولة اسلامية ذات وضع اقتصادي جيد ومستوى حياة كريمة ( حالة الاغتراب ) ، يكون العقد شريعة المتقاعدين ، وتتحكم قوانيين العمل وقانون التعاقد في محدودية الفترة الزمنية التي يعيشها الانسان هناك ، لارتباطها بقانون الاقامة والتي هي في الأصل اقامة مؤقتة تنتهي بانتهاء عقد العمل . ولايطبق في معظم الدول الاسلامية والعربية نظام الكرت الأخضر ، أو نظام استحقاق الجنسية بعد خمس سنوات كما معمول به في الكثير من دول الغرب . - بعد إنتهاء عقد العمل ، لا بد أن يقرر المغترب إما العودة لبلده الأصل للتعايش مع المعاناة والبؤس ، وإما العودة للغرب مرة أخرى ضاربا بعرض الحائط قناعاته الاسلامية له ولأفراد أسرته . يمكننا القول بأن الهجرة أو اللجو كان نعمة لفترة زمنية محددة ، صار بعدها نقمة لرب الأسرة أو لأفرادها مجتمعين . والأمثلة كثيرة للذين سعوا ويسعون للعودة من كندا وأمريكا واستراليا والدول الأوروبية سواء لبلادهم ، أم للدول الاسلامية والعربية الأخرى .
• الذين اغتربوا للعمل بالدول الاسلامية والعربية : يمكن تقسيم الاغتراب الى : - اغتراب عن طريق الاعارة لفترة زمنية محددة غالبا ما تكون أربع سنوات فقط ، أو قابلة للتجديد . - اغتراب بعقد عمل حسب اتفاقيات الدول ومن خلال أوراق رسمية تلتزم بها دولتا الاتفاق ، وربما يكون عقد محدود الفترة الزمنية أو مفتوح حسب رغبة المتعاقد في الاستمرار أو العودة لبلده . - الاغتراب بوسائل غير قانونية ( شراء فيزة عمل بمبلغ طائل ، الحصول على زيارة ثم الهروب داخل البلد المضياف .. وغيرها ) . يكون الاغتراب إن تم بالنظم القانونية من خلال الاعارة أو حسب اتفاقيات الدول في تبادل العمالة والخبرات وبعقود محددة ، وإن كانت قابلة للتجديد ، مؤمنا ولا مشاكل فيه . أما اذا تم بالطرق غير القانونية فيواجه المغترب القانون الذي لا يرحم ، فيجد نفسه مكبلاً بالحديد ومبعداُ الى بلده ، متحملاً خسائر كثيرة ليعود الى وضع أسوأ مما كان عليه قبل الاغتراب . نفترض أن معظم من إغتربوا معهم عقود عمل ووضعهم من الناحية القانونية مؤمن ، ولنتحدث عن واقع الحال لمعظمهم : • يبدأون بتأمين السكن والأثاث ثم السيارة ثم جلب أفراد الأسرة . يبدأ الاستقرار المالي والنفسي ، وربما أيضا يتمكن المغترب من ارسال مصاريف لأهله في البلد ولو بمقدار بسيط . • يتم التفكير في البدء في تحقيق أحلامه ، من بناء مسكن له في بلده ، وربما تجهيزه بالكماليات والأثاث اللازم . • البعض الآخر ربما تكون طموحاته وآماله هو رؤية العالم ، فيخطط اجازاته لزيارة دول أخرى سواء عربية أو غربية، مهملا تأمين أي شيء داخل موطنه الأصل . • تمر السنون ، وسواء حقق المغترب أحلامه أم لم يفعل ، يستمر في الاغتراب عاملاً بمقولة " عش لدنياك كأنك تعيش أبداً " ولا يفكر في العودة لبلده طالما أن الحياة مستمرة بوتيرة وإيقاعات منتظمة و سليمة . • لا يفكر معظم المغتربين في توفير مصدر دخل ببلادهم الأم ، تحسباً من نهاية مفاجأة لعقد العمل ، حيث إن تم ذلك ولم يستطع ايجاد فرص عمل في موقع آخر ، يكون مضطراً للعودة لبلده وكأنه " أبزيد لا غزا لا شاف الغزو " حيث يعود الى نقطة البداية مصحوبا بالألم وضنك العيش . هنا لا أريد التحدث عن من عادوا ثم باعوا مساكنهم لسد الرمق وانتقلوا لمواقع أقل كلفة أو تحولوا الى التأجير . • أيضا لا ننسى مشكلة ً إنفصال الأبناء التام عن بلدهم الأصل وارتباطهم ببلد الاغتراب ، بمفهوم أنها بلدهم الأم التي ترعرعوا وكبروا فيها ، وتكمن مشكلة الآباء في عدم رغبة الأبناء في العودة لبلد والدهم " وليس بلدهم " . نخلص الى أن الاغتراب يكون حيناً نعمة وحيناً آخر نقمة ، وذلك يرتبط بمدى جودة تخطيط المغترب لحياته ليس فقط آنياً ، بل مستقبلاً ، مع الوضع في الاعتبار منذ بداية الاغتراب ما يلي : and#61607; الاستثمار داخل الوطن سواء منفرداً أو ضمن شراكة ، لتأمين اللقمة الكريمة عند العودة ويكون ذلك قبل المسكن . and#61607; الاجتهاد بربط الأبناء بالوطن من خلال الزيارات السنوية . and#61607; الوضع في الاعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين ، حتى لا يعتبر عدم تجديده نكسة أو مأساة للأسرة بأكملها . and#61607; يجد المغترب حينما يصبح كبير السن مشكلة في أين يكمل حياته ، فمن ناحية هي مرتبطة بأولاده الذين يعملون في بلد الأغتراب التي ترعرعوا فيها ، ولا يفكرون في العودة لأن مشوار حياتهم قد بدأ ، فلا يعرف المسن أين يذهب فالعودة دون أولاده غير ممكنه ، وحتى استقراره تحت مسؤوليتهم ودون عمل مأساة له . إن مرحلة ما بعد الستين عاما يجب أن يخطط لها مسبقا وبحذر ، ليعرف المغترب في اي اتجاه سيسير ، وفي أي بلد سيعيش . and#61607; الرضى بالرزق أينما كان لأنه تسخير من الله رب العالمين . نختتم بأسئلة نطرحها على كل مغترب ، هل حققت احلامك من الاغتراب ؟ وهل أمنت ما يسد رمقك في المستقبل ؟ وهل ستفعل شيئاً الآن قبل أن يمضي الزمن لغير صالحك؟ تتطلب الحياة النظرة الى الأمام ، فما هو آت علمه عند ربي .
|
|
|
|
|
|