|
هل أنفض سامر أم جرس ؟
|
مازالت قضية دارفور تراوح مكانها وقد فشلت كل محاولات الحل الأمني والسلمي , في الوقت التي ازدادت الأزمة سوءاً ، وأخر الاتفاقيات التي وقعت وهي اتفاقية الدوحة لم تنفذ منها شئ يذكر مما دعي كثير من الداعمين للاتفاقية للحديث جهراً أن الاتفاقية قد ماتت وشبعت موتاً وفي أحسن الأحوال أنها في غرفة الانعاش !!وقبلها اتفاقيات ذهبت أدراج الرياح وأصبحت نسياً منسياً ، كل هذه الإخفاقات أحبطت أهل دارفور ، ولكن ومع استمرار المأساة لأبد من البحث عن مخرج يعيد لدارفور شئ من الاستقرار والآمن وفي هذا الإطار جاء البحث عن ملتقي في أول أمره كان موجهاً لقبيلة الزغاوة وهي من أكثر قبائل دارفور التي عانت من الأحداث في ولايات دارفور وأنها استهدفت بصورة مباشرة من الحكومة وحلفائها ، فكان ملتقي أم جرس الأول الذي صاحبه سوء تقدير في الإجراءات حيث تم جرجرتنا إلي الملتقي الذي لا يعلم عنه شئ سوى مسئول تنفيذي واحد من أبناء دارفور الذي سعي جاهداً لإقناع الرئيس التشادي بانعقاد هذا الملتقي و لا ندري علي وجه الدقة علاقة حكومة السودان بالملتقي ولكن أغلب الظن أنها ليست بعيدة عن ترتيبات هذا الملتقي , علي أية حال أنعقد الملتقي وخرج بتوصيات ظلت طي الكتمان حسب تقديرات قيادة الآلية التي تمخضت عن الملتقي ولا أدري ما هي المبررات الموضوعية التي تجعل هذه التوصيات سرية مع أن السرية منتفية أصلاً فحضور أكثر من مائة شخص في هذا الملتقي فمن غير المعقول والمتصور إلاّ تتسرب هذه التوصيات !! كان خطأ الملتقي الأكبر هو حصره علي قبيلة واحدة وهي أصلاً محل اتهامات باطلة من جهات كثيرة بعضها عن جهل وعدم معرفة وبعضها عن قصد وسوء نية تحقيقا لأهداف عنصرية!!ومن خلال مشاركتي في هذا الملتقي فأن الزغاوة مارسوا نقداً موضوعياً ذاتياً لأنفسهم خاصة الرئيس دبي الذي كان قاسياً في نقده لبعض ممارسات قبيلته ، محملاً إياهم الجزء الكبير مما يجري في دارفور بحسبان أن معظم قادة الحركات المسلحة من هذه القبيلة ، والمدهش حقاً أن لا أحد من المؤتمرين في هذا الملتقي أن وجه إساءة أو حتى نقداً لأي قبيلة أخري في السودان وهذا وحده يثبت لمن القي السمع وهو شهيد بأن هذه القبيلة لم تستهدف أحداً لإنتماءه القبلي ولم تسعي لأي كسب غير شرعي علي حساب بقية القبائل في دارفور ورغماً عن ذلك ظلت القبيلة تحت قذائف و نيران جهات كثيرة قبلية وغير قبلية مستهدفة حتى وجودها في ولايات دارفور ، فقد تم إجلاء المنتمين لها من مناطق كثيرة في جنوب دارفور وشمال دارفور وهم قد استوطنوا هذه المناطق منذ عشرات السنين وساهموا بصورة فعالة في تحريك الاقتصاد في تلك المناطق كل ذلك لم يشفع لهم ، كل هذه المرارات والمظالم لم تدفعهم إلي مهاجمة الآخرين والإساءة إليهم أو السعي لاستهدافهم ، وكانت خلاصة التوصيات الدعوي لنبذ الحرب وإحلال السلام وتقوية القوات النظامية حتى تتمكن من أداء دورها علي الوجه الصحيح وأن ينحصر حمل السلاح في هذه القوات فقط والتزم المؤتمرون بالسعي الجاد لإقناع حملة السلاح للجنوح للسلام والتحاور مع النظام ، توصية واحدة صدرت من المؤتمرين تخص القبيلة وهي مناشدة رئيس جمهورية السودان لإزالة المظالم الواقعة علي القبيلة من مؤسسات الدولة وكلنا نعلم الاستهداف المصوب لأهل دارفور عامة وهذه القبيلة خاصة حتى المحاربة الاقتصادية الممنهجة جوبهت بها ولكن أرض الله واسعة وفي السماء رزقكم وما توعدون، في راي المتواضع كانت المخرجات تصب مباشرة في مساعدة حلحلة مشكلة دارفور ولكن البعض من أهل دارفور توجسوا خيفة من هذا الملتقي وزاد الأمر سوءاً التناول الإعلامي السلبي فكعادة صحافة الخرطوم عندما تتعلق المسالة ببعض القبائل الطرفية فأنها تقيم الدنيا ولا تقعدها , وتم تدارك الخطأ وبمبادرة من الرئيس دبي بتوسيع دائرة المشاركة في ملتقي أم جرس الثاني الذي ضم كل قبائل دارفور تقريبا وكانت فرصة وسانحة جيدة للحديث المباشر والمواجهة بين أهل دارفور وبالفعل تحدث زعماء القبائل والمثقفين من أبناء دارفور بصراحة وشفافية إلي درجة تجريح بعض القبائل فكان نصيب قبيلة الزغاوة من هذا التجريح كبيرا , كان حضور هذا الملتقي مميزاً رئيسي تشاد والسودان وممثل بعثة الاتحاد الأفريقي وكان حضور الشيخ حسن الترابي إضافة حقيقية للمتلقي كما كان مشاركة موسي هلال الزعيم القبلي المعروف مفاجئا لكثيرين فالرجل لا يعرف منزلته هل هو متمرد وخارج عن النظام فيصنف بزعيم حركة مسلحة متمردة؟ ام انه زعيم قبيلة وعضو المجلس الوطني ومستشار لديوان الحكم الاتحادي وقيادي بالمؤتمر الوطني !! ، لعله في منزلة بين منزلتين و هذه من مفارقات هذه الحكومة التي أذهبت هيئة الدولة وريحها ، خلص المؤتمر إلي توصيات هي ذات التوصيات التي ظلت تتكرر في كل المؤتمرات في الداخل والخارج منذ اندلاع أحداث دارفور ، وستظل هذه التوصيات حبيس الأدارج , فانحياز أهل دارفور للسلام والاستقرار ونبذ الحرب لاخلاف عليه وأن المطالبة بنزع السلاح من الجميع ما عدا القوات النظامية وعدم تجييش القبائل بانتقائية ظلت تتردد باستمرار ولكن لا حياة لمن تنادي وان فرض هيبة الدولة وسيادة القانون تكلم بها اهل دارفور حتى بحت صوتهم واسمعوا ما كان به صمم فكان الرد العملي مزيد من تجييش القبائل تحت مسيمات ما انزل الله بها من سلطان. وكعادة هذا النظام يحشر نفسه في كل صغيرة وكبيرة وغالبا ما يكون تدخله سلبيا فقد حجب أنصار النظام توصيات كانت كفيلة بتحريك قضية دارفور نحو الحل السلمي مثل المطالبة الفورية لوقف إطلاق النار فإقرار مثل هذه التوصية يضع علي عاتق اهل دارفور مسئولية الضغط علي الحركات والحكومة لوقف شامل لإطلاق النار ولكن الحكومة ولشئ في نفسها قررت حجب هذه التوصية ، دفعها إلي ذلك العلميات العسكرية الجارية في ولايات دارفور خاصة شمال دارفور لم تتعلم بعد هذه الحكومة أن الحسم العسكري النهائي بعيد المنال وأن استمرار الحرب يقع ضرره بصورة مباشرة علي المواطن العادي , وتوصية أخري حجبت وهي المطالبة باقالة أمين حسن عمر الممسك التنفيذي لملف دارفور فقد فشل الرجل في أدارة هذا الملف , توصيات أم جرس الثاني تحولت إلي مقررات واجبة النفاذ فقد التزم الرئيسان بذلك أمام شهود عدول فهل نشهد هذه المرة جدية في إنفاذ المقررات وتبعاً لهذا فان دور المؤتمرين قد انتهي بانفضاض سامر الملتقي فقد أكدّ الرئيس السوداني أن هذا الملتقي هو خاتمة الملتقيات، لعل الحكومة قد حققت بعض أهدافها المتعلقة بالمسألة الأمنية فهي أس المسألة ومدار الملتقي فبالرغم من الحديث الواضح ان القوات المسمي بقوات الدعم السريع هي مليشيات قبلية تدعمها الحكومة وهي تفتقر إلي انضباط وخبرة القوات النظامية ، وقد ارتكبت فظائع وانتهاكات لحقوق الإنسان في دارفور وقد شهد المجتمع الدولي بذلك ولكن النظام ذهب مذهباً آخر وهو يشيد بهذه القوات وانها تحت أمرة القوات النظامية ولم يستنكر النظام تصرفات هذه القوات التي لا تخطئها العين. هذا وقد انفض سامر الملتقي وحمل المؤتمرون توصياتهم علي ظهورهم وبها بعض الاوزار , نما إلي علمنا ان صراعاً قد أطل برأسه بين قيادات دارفور فمن يرأس الآلية الجديدة ، نائب الرئيس حسبو يتطلع لرئاسة هذه الآلية وقد المح أكثر من مرة حسب المقربين منه تطلعه لرئاسة الآلية الجديدة ، وبالمقابل فأن رئيس الآلية القديمة مولانا محمد بشارة دوسة لم يبد حتى الآن أي رغبة في التنازل عن رئاسة الآلية لا سيما ان الرئيس إدريس دبي هو الذي رشحه بل عينه علي رأس الآلية منذ الملتقي الأول!! في تقديري أن نائب رئيس الجمهورية ليس هو الشخص المناسب لرئاسة هذه الآلية فبحكم موقعه من السلطة فهو منوط به انفاذ هذه المقررات لا سيما أن رئيس الجمهورية قد التزم بها أمام شهود!! فالآليات الرسمية هي المعنية بانفاذ هذه المقررات وقد سبق لرئيس الجهورية أن جمع كل المبادرات تحت لجنة عليا يرأسها النائب الاول وحسبو عضو في هذه اللجنة هذا من ناحية ومن ناحية اخري فان حسبو ليس مناسبا لرئاسة هذه الآلية بحسبان انه متهم من كثيرين بانه ضالع في الفتنة القبيلة في دارفور وانسحب ذلك علي علاقاته مع الحركات المسلحة فهو متوترة ، فان كانت الآلية معنية بالحوار مع الحركات والتفاوض السلمي فان رئاسة حسبو لهذه الالية تضع عقبة كاداء أمام الحوار والتصالح ، أما وزير العدل فيكيفه مشاكل وزارته في تحقيق العدالة وعدم الافلات من العقاب ومحاربة الفساد وتعديل القوانين لتتوافق مع المرحلة المقبلة فان تفرغه لمهامه في الوزارة أفضل وانفع للدولة ولنفسه من رئاسة آلية لا يعرف أحد مصادر تمويلها وكيفية الصرف البذخي وأسس تعين العاملين فيها ، المبني الفخم المستأجر للآلية والأثاث الفاخر والصرف علي السفريات الداخلية والخارجية وهلمجرا.... هذه الأشياء كلها تفتح بابا للقيل والقال وكثرة الوسوسة فمقام الرجلين يأبي وبطبيعة الحال الولوج في هذا المستنقع .... الأفضل في رأينا ان يضم هذا الملف وهذه التوصيات للملفات التي يمسك بتلابيبها النائب الأول لرئيس الجمهورية فقد لمس الناس فيه الجدية والحسم ، نخشى ان تلحق هذه التوصيات بنظيراتها , توصيات ملتقي ليبيا الأول والثاني وتوصيات ملتقي أهل المصلحة في الدوحة، وتوصيات ملتقي أهل السودان بكنانة وغيرها من الملتقيات التي ذهبت سداً ولم يجني منها سوى إهدار المال العام والجهد وطق الحنك ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم. بارود صندل رجب المحامي
|
|
|
|
|
|