|
هذا زمان السكوت ... !بقلم :د. عمر بادي
|
mailto:[email protected]@yahoo.com د. عمر بادي عمود : محور اللقيا حال الشعب السوداني صار يذكرني بمقولة الإمام سفيان الثوري : (( هذا زمان السكوت و لزوم البيوت و الرضا بالقوت إلى أن تموت )) ! ستكون مقالتي الحالية كشفا لحال الشعب السوداني , الذي هو كغزية بالنسبة لي و أنا منه , فإن غوى غويت و إن رشد أرشد . اللهم لا شماتة , لكنه الحال المائل بفعل الضربات المتتالية من النظام القائم , حال لا يعجب الحسود قبل الودود , فهل نظل على الردح و العويل أم نسعى لتقويم الميل ؟ الإحصائيات تقول أن السودان قد إحتل المرتبة رقم 171 من مجموع دول العالم ال 187 في تعداد الدول الأفقر في العالم , حسب إحصائية صندوق الأمم المتحدة الإنمائي عن التنمية البشرية لعام 2013 , و أن 85% من سكان السودان يعيشون تحت خط الفقر , و أن السودان قد صار ثاني أكثر الدول الأفريقية فسادا بعد الصومال حسب إحصاء منظمة الشفافية الدولية .... إن ضربات نظام الإنقاذ المتتالية على جسد الشعب السوداني طيلة الخمسة و العشرين عاما الماضية قد أجبرت الشعب السوداني على السكوت و على عدم الرد على الإساءات و أساليب الإذلال و كسر الهمة و الروح المعنوية , فهل حقا تم تدجينه و ترويضه كما الخيول الحرة أو الجمال ؟ لا و الف لا , إنه السكوت الذي على مضض في ظل إرهاب الدولة و لكن من غير إذعان لأنه نتاج إنعدام الحيلة التي باليد مع سطوة الجبروت و بطشه , و لكنه في حقيقته سكوت الجمل على الضيم و على سؤ معاملة صاحبه له فيخزن حقده في جوفه حتى تحين لحظة إظهاره فينقض على صاحبه و يلقيه ارضا و يبرك عليه حتى يهرس اضلاعه ! السكوت هو السمة الظاهرة في حالة الشعب السوداني , و لكنه إلى حين ! أما لزوم البيوت فقد صار إجباريا لأسباب عدة , تتجلى في بدايتها في قانون الطواريء الذي دام عشرين عاما و ظل يعاد مع كل هبة شعبية , فقد حتم عدم الخروج ليلا و حتم إنهاء الحفلات في الساعة الحادية عشرة ليلا و حتم إغلاق المحلات التجارية و الأسواق منذ السابعة مساءً . أيضا تتجلى الأسباب في عدم الأمان عند الخروج خاصة أثناء الليل و ذلك لتكاثر عصابات النهب كإفراز للوضع الإقتصادي المتردي و الحكايات التي تروى عن ذلك كثيرة . أيضا تتجلى أسباب عدم الخروج في عدم توفر تكلفة الخروج سواء للترفيه أم لزيارة الأقارب و الأصدقاء , فتكلفة المواصلات العامة عالية , هذا إذا وجدت , و كذاك تكلفة الوقود لأصحاب السيارات الخاصة , و لذلك فقد قل التواصل الإجتماعي و ربما قد إنحصر في الزيارات القريبة و ردها و بذلك قلت ( الكشكرة ) في الدعوة لتناول العشاء و اكتفى الناس من ( العروض ) بتقديم الماء فقط و الذي يظنه الضيف في أحايين كثيرة أنه ( شربات ) جراء تغيير لونه حتى يتذوقه و ذلك لإنعدام المرسبات الكيماوية ( الروّاق ) في أحواض الترسيب و إنعدام الكلور القاتل للطفيليات في محطات تنقية المياه ! الرضا بالقوت الزهيد هو سمة الزهاد , فهل صار الشعب السوداني زاهدا أم أجبرته الظروف على ذلك ؟ لقد زادت الضغوط الإقتصادية و غلاء الأسعار الذي صار مستفحلا و تخطى أي سقوف محتملة لقدرة المواطن العادي , فهل يعقل أن يصل كيلو اللحمة ثمانين ألف جنيها و الشعب السوداني يعتمد على أكل اللحوم طيلة عصوره فكيف يصير نباتيا ! و كيف يتم توفير لقمة العيش و المرتب إن وجد لا يتعدى صرف الأسبوع الأول من الشهر ؟ لقد صار معظم الناس يأكلون وجبة واحدة في اليوم , تكون عادة عند الغروب , مع ( سندة ) شاي الصباح مع الرغيفة أو القراصة ! ضغوط الحياة في إزدياد و إفرازاتها قد صارت ظاهرة للعيان , و تتجلى في كثرة حالات الطلاق , و في الأمراض النفسية المؤدية للجنون , و في تعاطي المخدرات كهروب من الواقع , و في إزدياد المهاجرين و طالبي الهجرة , و في انعدام الإخلاق و القيم .. لقد صار الإعتماد منصبا على تحويلات المغتربين لأسرهم الصغيرة و لأسرهم الممتدة و صار لا بد من وجود مغترب أو أكثر في كل أسرة و بيت . رغم ذلك أحس الآن أن الحكومة قد نوت على المغتربين ( ببنت العفنة ) في قرارات مؤتمر المغتربين الأخير التي الآن قيد الدراسة عند الأمين العام الجديد . تبقى الحديث عن الموت , و تختلف الأسباب و الموت واحد , فماذا يفعل الناس عندما تصير حياتهم خير منها الموت ؟ عند ذاك ينعدم الخوف , فالموت آت آت و لا يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها , و لذلك خير من القنوع و انتظار الموت أن تذهب إليه , و كما قال المتنبي : إن لم يكن من الموت بد فمن العيب أن تموت ########ا في شهر سبتمبر هذا أترحم على شهداء سبتمبر العام الماضي و على كل الشهداء في الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب , و ستظل ذكراهم خالدة مع المطالبة بالقصاص . أخيرا أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم و هو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك افريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني . إن العودة إلى المكون السوداني القديم تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس !
|
|
|
|
|
|