حتى ثورة سبتمبر بدمائها الغالية الممهورة، وشجاعة رجالها ونسائها واطفالها، وعزم شعبها الأبي، لم تطرق شأن هذا العصيان المارد حتى قبل أن يحدث ولا يحتاج المرء للكرة البلورية ولا لضاربي الرمل ليرى ذلك النور الوضّاء الذي انبثق من شمس الحرية الذي يبشّر به ولن يعمينا الدم المسفوح ولا الدموع الهادرة بحجب زفير نار الجموع التي رآها منا من هم على آلاف الأميال دعك عمّن تنفث تحت أنفاسهم هذا التلاحم الذي ما تخلّف عنه إلا المجرمون الذين يئنّون تحت لهيب غضبِهِ الطاهر هذه الثورة التي لم تسبقها ثورة عقلانية حضارية رفيعة الهدف والوسيلة في العالم قاطبةً، يؤمها ويقودها الحق في شخص كل من شارك فيها ونادى لها عن طريق كل وسائل التواصل والإيمان، ولا يطالها عشم المجرمين ولا سحر عبدة الشيطان هذه الثورة تمّت بالفعل بهذا العزم الذي وحّد هذا الشعب العظيم وأطلق نداءات الحق من أفواه كل أفراده تمّت وهي تزين كل مواقع الصحافة في الشبكة العنكبوتية والصحافة الورقية والمرسلة عبر الأثير، ووسائل الاتصال الاجتماعي تمّت فالتحمت الأفئدة وصَفت الرؤيا فاعتدل الزحف والثبات واهتز تحتها المهاتر والمنافق وعرش البغاة، وانعزلوا جميعهم وسط جيوش الظلام التي تتوجس مصيرها المشئوم. إن هذا العصيان المهنّدَ بعزمٍ قويٍّ راسخِ الجذور، قد بدأ فعلاً بإبطاله فعل تخدير ونفاق ساسته، وبدأ في بتر مصاصاتهم التي غًرسوها في شرايين الأمة، وبدأ العد التنازلي لعرش الموت هذا. أول نفاقٍ لهم لإجهاض عزيمة الشعب هي نداءاتهم بأن الثورة داخل السودان من تحريض وصناعة المعارضة المغتربة، مرة بوصفها عملاء مرتزقة، ومرة بمعارضة ال "خمس نجوم" من المتسولين في أوروبا، وأن لجماعات الإخوان اتفاقات مع عدة دول غربية لتبادل المعلومات التي تسمح لتلك الدول بتسليمهم "الخونة" و"المنافقين". في تحرّش مثل ذلك، لم يكذب هؤلاء فقط في حق الدول الغربية ومقياس الخلق لديها والذي لا يبلغون مثقال ذرة من سُموِّه، ولم يفضحوا أمرهم فقط لتلك المعارضة بأنها تعلم مقياس ذلك الخلق لهذه الدول المضيفة لها، إنما عكسوا للعالم أجمع عن ضعف أخلاقياتهم لخيانة العهود التي تبجحوا بتلويحها دليلاً على أنهم لا وازع أخلاقي لهم في كل شيء، تماماً كما وصفناهم مراراً وتكراراً ببائعي أسس المبادئ السامية عن طريق النظرية ال "لا أخلاقية" (الغاية تبرر الوسيلة) ل "نيكولا ماكيافيلي". أمثلة لتلك العقليات تحوم في: أنظمة التواصل الاجتماعي وفي المواجهات الشخصية وفي كثيرٍ من الإذاعات العربية والإسلامية – انتقي من كلٍّ من هذي مثالاً واحداً لسطحية المروّج لها: - فقد أرسل لي في أحد سبل التواصل الاجتماعي صديق تسجيلاً لشاب سوداني يسب فيه المعارضة ويعتبر أفرادها متسولين وأن حكومته تعرف كيف تصلهم يدها بعملياتٍ بسيطة بالاتفاق مع تلك الدول، مشيراً لأمريكا وبريطانيا وفرنسا وحتى دول الخليج! - وعن المواجهة الشخصية، فقد أوردتُ مثالاً لمواجهة مع أحد أقطاب الجبهة الشعبية عند اتفاقها مع الإنقاذ، في حفل وداعه للرجوع للسودان وزيراً (تفاصيل القصة ومن حضرها نشرتها في مقالٍ لي بعنوان "السلاح والعسكرية ما بين الثورة والديمقراطية) أنه في سؤالي له كيف سيوائم رسالته من أجل تحرير الشمال ضد النظام بعد رجوعه للتعامل مع النظام في صلح الجنوب معه: هل رسالته طوال كل ذلك الوقت كانت لحل مشكلة الجنوب فقط؟ وهل يثق بأنه وصل لها ولا يحتاج لشعب الشمال؟ ردّ بأنه وصل ذلك بفوهة بندقيته، ومن يرغب في الالتحاق بالركب فليفعل نفس الشيء. - والمثال الثالث شاهدته في حديثٍ تلفزيوني في قناة "ميمري" (قناة مؤسسة أبحاث الشرق الأوسط التلفزيونية) كان لشخصٍ يتندر على المسلمين في دول الغرب بأنهم يدّعون أنهم هاربين من الاضطهاد في أوطانهم، فيمارسون جمع المال الحرام بالشحاذة من أموال الدولة التي يدفعها دافع الضرائب، ويتلاعبون على قوانين الدولة الإنسانية فيطلّق الفرد زوجته بقانونهم الوضعي وتظل زوجته بالقانون الإسلامي، فيُمنح كلٌّ منهما منزلاً لوحده، فيسكنان في أحدهما ويؤجران الثاني، وأنهم ينضمون لنفس الإرهاب الذي يدّعون أنهم هاربون منه، وتعجّب كيف يتوقّع هؤلاء أن يتقبّلهم المجتمع الأوروبي بالترحاب والاحترام. هذا الرجل يسئ إلى الإسلام وهو يعتقد أنه يوبّخ المسيئين للإسلام، فهو لا يدري كيف تسير عمليات الإعانة وحقوق الانسان في تلك الدول، ولا يدري أين المآسي الحقيقية، ولو كلّف نفسه ببعض التثقف عن تلك المجتمعات لوجد أنه يجرح دينه وأمته بما لا يغتفر فحديثه عن الشحاذة هو نفس حديث العنصريين هنا واعداء الإسلام أيضاً، فالعنصرية في هذه البلاد لا زالت حية ولم يمضِ زمنٌ كافٍ منذ تأسيس حقوق الانسان لمحوها، ولو نظر حوله لوجدها أسوأ في بلاده التي تشربت طويلاً بأخلاقيات الإسلام. الدولة في أوروبا تسعى بشدة لعلاج ذلك الفصل العنصري والديني من غير أن تنتحر سياسياً برغبة الغالبية، فمعروفٌ لديها كيف أن الأعراق الأخرى لا تحظى بنفس حظ القوم المحليين، وأنهم لا يواصلون الإقامة في كبرهم، ولا تتقاعد نساؤهم بحجة خدمة البيت أو عطلة النفاس ولا كبر السن، ويرمون بكل مساوئ حياتهم على الأجانب. ولكن الأجنبي الذي يسعى لأهدافٍ سامية من أجل وطنه أو لتشرده قسراً، لن تثنيه هذه المعاملات القاسية، ويقبل العيش على عطاء الدولة التي تعلم مأساته، وهناك من يتحمّل وهناك من لا يتحمّل، ولكنه لا يعني أنه لا يسخط، وهذا الأخير قد يسمح لنفسه بمخادعة النظام الذي يظلمه، ولا تعتقد أن الدولة لا تحس بذلك، ولا تقل أن الدولة تعلم بأن بعض الأطباء والضباط الاجتماعيين يساعدون هؤلاء في مسعاهم للحصول على المساعدات، ولكنها تغمض عينيها لتخفيف السخط والظلم. أما مسألة الخداع في الزواج والطلاق تقدر عليه الدولة كثيراً، ولكن ما لا تقدر عليه هو التحريف الديني الذي ينشره الشيوخ في إدارة شئون الزواج والطلاق بالطريقة الإسلامية وفي سلوك المسلمين الذي يزيد من عزلهم من تلك المجتمعات. إن المغرّبين منهم من هرب من اضطهادٍ سياسي، أو من فسادٍ رفض السكوت عنه، وكلاهما هرب لإنقاذ نفسه وأسرته، وآخرون ضاق بهم العيش في مجتمع السودان الظالم أو المحاربة المنظمة للعقول التي لا تنتمي لنفس الجماعة وفي غربتهم تلك من حارب باليد، ومنهم من حارب بالكلمة ومنهم من امتنع بقلبه بسلبية تجاه ذلك الحكم الغاشم، وهي السبل الثلاث التي أمر بها الإسلام لمقاومة السوء. لا أظن ذلك يفوت على من له مثقال ذرة من العقل، إذن لماذا يقوم هؤلاء بكل حماسةٍ واستلهام للمصداقية بنشر ذلك القذف البذيء في المعارضين في الهجرة؟ ولكن ثقافة العصيان اليوم سبرت غور ذلك السرطان الخبيث وانكشف هؤلاء وأكثرهم من تنظيمٍ رسمي للدولة لضعضعة النضال والثبات، ولهذا جاء هذا العصيان المدني بقوة الوحدة وهمة الجادة فانفضح فيها تأمر تلك الطغمة التي طالما احترفت النيل من الشعب وإبطال حقيقة أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه فالنصر للعصيان المدني والمجد للشعب السوداني الأبي والوقوف إجلالاً للصحف العنكبوتية والورقية المناضلة ولنشطاء التواصل الاجتماعي والخزي والعار لسدنة النظام المخزي وزبانيته ومأجوريه
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة