نِدَاء الوطن: في الذكرى 59 للاستقلال/ ~ بَلّة البكري

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-19-2024, 05:38 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-28-2014, 02:48 AM

بَلّة البكري
<aبَلّة البكري
تاريخ التسجيل: 08-06-2014
مجموع المشاركات: 57

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نِدَاء الوطن: في الذكرى 59 للاستقلال/ ~ بَلّة البكري

    نِدَاء الوطن: في الذكرى 59 للاستقلال

    بلّة البكري
    mailto:[email protected]@gmail.com
    (1)
    بحثتُ، لأول مرة، في قواميس اللغة العربية الفصحى عن كلمة "استقلال" وماذا تعني بالظبط. صحيح أن الكلمة كمصطلح تشير للحكم الوطني بديلا لحكم المستعمر. هذا واضح ومفهوم. وأهمية يوم اعلان الاستقلال كيوم خاص في تاريخ الأمة ايضا واضحة ومعلومة. فقد قال شاعر وطني يومذاك: "اليوم نرفع راية استقلالنا ** ويسطِّر التاريخُ مولد شعبنا". ودعا اخوته أن يغنوا لنا: "يا إخوتي غنّوا لنا اليوم". وعلى الرغم من أن هذه القصيدة جاءت بعد ذلك اليوم بحوالي الثلاتة أعوام إلا أن وقعها وكلماتها ولحنها جعلتها وكأنها تطابقت مع يوم رفع العلم. فلابد أن الحدث الذي ترفع له الرايات ويسطّر التاريخ فيه مولد شعب ويغني له الأخوة هو حدثٌ سعيدٌ وهام. خاصة وقد انهمرت دموع الفرح والعزّة من مآقي وطنية شتى في ذلك اليوم المشهود. فلماذا لا أحس السعادة باقتراب ذكرى هذا اليوم؟ وإذا كنت مثلي، أكرمك الله، وقد بدأت تعتريك سحابة حزنٌ دفينة في هذه الذكرى فدعنا ننظر معا في هذا الأمر الذي ربما قَدَح في وطنيتنا..
    (2)
    فماذا تعني كلمة "استقلال" في فصيح اللغة؟ هيا بنا الى المعاجم إذاً لنرى. جاء في لسان العرب في باب "قلل" (.. وأَقَلَّ الشيء: صادَفه قَليلاً و(استقلَّه) رآه قَليلاً. يقال: تَقَلَّل الشيءَ و(استقلَّه) وتَقالَّه إِذا رآه قَليلاً..). ولأنه لا يمكن أن نتحدث عن رفع رايات أمة وعن مولد شعب ونحن نقلل من شأنه أو شأن استقلاله فدعنا نتخطى هذا المعنى إلى ما هو أنسب خاصة ولغة الضاد غنية في معانيها. فهذه "اللغة الشريفة" كما سماها الأستاذ الطيب صالح بحرٌ ذاخرٌ في أحشائه درٌّ كامن. جاء في لسان العرب في باب "نَزَر": ( .. نَزَرَ الرجلَ: احتقَره و(استقلَّه)؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد: قد كنتُ لا أُنزَرُ في يوم النَّهَلْ، ولا تَخُونُ قُوَّتي أَن أُبْتَذَلْ، حتى تَوَشَّى فيَّ وَضَّاحٌ وَقَلْ يقول: كنتُ لا (أُسْتَقَلّ) ولا أُحتقَرُ حتى كَبِرت). يا ساتر يا رب! فنحن قطعا نبحث عن معانى أخر ليس من بينها "الاحتقار". فماذا هناك؟ ولعلك تشاركني الدهشة عزيزي القارئ لو قلت لك أن "الوثوب" من معاني الكلمة أيضا. أي والله. فقد جاء تحت باب "وَفَز" في نفس المصدر: (..في حديث عليّ، كرم الله تعالى وجهه: كونوا منها على أَوْفازٍ، الوَفَزُ: العَجَلة. الليث: الوَفَزَةُ أَن تَرَى الإِنسانَ مُسْتَوْفِزاً قد(اسْتَقَلَّ) على رجليه ولما يستو قائماً وقد تهيأَ للأَفْزِ و(الوُثُوبِ) والمُضِيِّ. يقال له: اطْمَئِنَّ فإِني أَراك مُسْتَوْفِزاً..). انتهى والأقواس حول كلمة (استقل) و(الوثوب) من عندي.

    كل هذا لا يفي بالمعنى المطلوب فلنبحث أكثر. فقد جاء في موضع آخر من نفس المصدر – لسان العرب: (.. و(استقلَّ) القوم: ذهبوا واحتملوا سارِين وارتحلوا؛ قال الله عز وجل: حتى إِذا أَقَلَّتْ سحاباً ثِقالاً؛ أَي حَمَلت.و(استقلَّت) السماء: ارتفعت. وفي الحديث: حتى تَقالَّت الشمس أَي )استقلَّت( في السماء وارتفعت وتعالَتْ). هذا معنىً أفضل بكثير. فقد وجدنا أخيرا من معاني الكلمة إذاً ما يشير الى (الارتفاع) و(العلو). وقد أكد هذا المعنى معجمٌ آخر هو قاموس الصحاح في اللغة: (.. استقلَّهُ عدَّهُ قليلاً. و(استقلّت) السماء: ارتفعت.و(استقلّ)َ القومُ مَضَوا وارتحلوا...). فدعنا نتمسك بكلمة "الارتفاع" هذه ونترك التقليل والارتحال جانبا فليس في مبتغانا التقليل من شأن أحد أو مطالبة أحد بالارتحال والذهاب من حيث أتى، خاصة وفي النية البناء وليس الهدم الذي هو أسهل من البناء بما لايقاس. فنحن قومُ بناءٍ من لدن أجدادنا في أرض النوبة الأوائل بناة الإهرامات، نحسن البناء كصنعة ونؤمن أن الوطن للجميع. كل هذا الغنى في المعاني يدفعنا دفعا أن نتمسك ب(الارتفاع) و(العلو) فقد وردا في المعجم هكذا. وكيف للاستقلال أن يكون شيئا آخر غير الارتفاع والعلو بالأمة الوليدة التي رفعت رايات استقلالها وامتلأت مآقي أبنائها وبناتها بالدموع وهم يرون علم بلادهم بألوانه الثلاثة الزاهية يرفرف في الأفق بين أعلام الشعوب الحرة.

    إنه (الارتفاع) و(العلو) وليس سواه كحد أدنى على مستوى المعني على الأقل. خاصة وقد حدث ذلك في زمان كانت فيه كل أفريقيا تقريبا ترزح تحت حكم المستعمر. فلم يسبقنا الى هذا الشرف الباذخ في عالم المستعمرات البريطانية في دول العالم النامي كلها سوى دولتي الهند وسيلون (سيريلانكا لاحقا) وبأعوام تقل عن العشرة. بل نحن أول دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، باستثناء ليبيريا وجنوب أفريقيا، تحصل على استقلالها. فهل حدث لنا كأمة وشعب سوداني أن "ارتفعنا" و"علا" شأننا بين الأمم بنيلنا الاستقلال أم حدث لنا شيئٌ آخر. هذا هو السؤال يا سادتي؛ فأربطوا الأحزمة وتعالوا معي، فالوطن ينادينا..

    (3)
    (..ليس أسعد في تاريخ السودان وشعبه من اليوم الذي تتم فيه حريته ويستكمل فيه استقلاله وتهيأ له جميع مقومات الدولة ذات السيادة ففي هذه اللحظة الساعة التاسعة تماماً من اليوم الموافق أول يناير 1956م...نعلن مولد جمهورية السودان الأولى الديمقراطية المستقلة ويرتفع علمها المثلث الألوان ليخفق على رقعته وليكون رمزاً لسيادته وعزته) انتهى الاقتباس. تلك كانت كلمات الزعيم اسماعيل الأزهري في الساعة التاسعة من صباح الأحد أول يناير 1956 وهو يرفع علم السودان الى أعلى السارية في قصر الحاكم العام في الخرطوم. في تلك اللحظة التاريخية المائزة لم أكن وجيلي قد أتينا الى هذه الدنيا بعد. ولم نصل عمرا نستطيع فيه أن "نقلب الهُوبة" احتفاء بهذا الحدث الجلل الا بعد حوالي العقد من ذلك التاريخ. فحدثٌ بقامة ميلاد أمّة ترفع له الرايات وتنبهل فيه دموع الفرح من أعين نفر كريم من الوطنيين يستحق قلب الهوبة. والشكر لمن هداني لاستخدام هذا التعبير الرشيق فقد وجدت فيه نجاعة أغنتني عن البحث في قاموس اللغة الغميس الذي فيه كل شئ على ما يبدو! فمن أين نبدأ؟

    دعنا نبدأ بوصف مختصر لما تركه لنا المستعمر. استلمنا بلدا من المستعمر فيه خدمة وطنية تعمل بل ويعتد بها يقوم عليها اداريون وفنيون أكفاء مدربون تدريبا شهدت به أمم في الجزيرة العربية بنت نهضتها على أكتاف هؤلاء؛ ومؤسسات وطنية رابحة وعاملة ونظام تعليم وصحة وإن يكن محدودا. بلد فيه نهر من أطول الأنهار في العالم وأكبر مشروع زراعي ناجح يروى انسيابيا في العالم وفيه ثاني أطول خطوط للسكك الحديدية في أفريقيا بعد دولة جنوب أفريقيا تعمل بدقة. وفيه ثروة مائية هائلة وناقل بحري يجوب بحار ومحيطات العالم. وفيه قوات نظامية على قدر معقول من التدريب والتأهيل مما جعلها معلمة لبعض دول الجوار في هذا الصدد. بلدٌ تساوي مساحته كل مساحة دول أوربا الغربية بل تفوقها. بلدٌ به من الموارد الطبيعية ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر. بلد فيه عملة وطنية ثابتة وذات قيمة تفوق قيمة الدولار الأمريكي وقتها. بلد مكتمل الأطراف فيه مثلث حلايب والذي هو أكبر مساحة من مساحة خمسة دول مجتمعة تشمل قطر وسنغافورة وهونق كونق والبحرين ولكسمبورغ. بلدٌ مساحة شماله فقط، باستثناء السودان الجنوبي الذي كان جزءا لا يتجزأ منه، والتي هي 1.886 مليون كيلومتر مربع، تقترب من مساحة خمس دول كبرى مجتمعة. نعم مجتمعه. هي المملكة المتحدة وفرنسا والمانيا وايطاليا واليابان. بل لعل السودان أغنى من أيٍّ منها مواردا في سطح الارض وفي جوفها بخيراته في البوادي من أرض شاسعة خصبة وبحارٍ صالحة ومالحة. فما هو حصاد حكمنا الوطني حتى الآن؟
    (4)
    نقترب كشعب الآن من ستين عاما من حكمنا الوطني. فدعنا نقارن ما استلمنا من المستعمر بما صار عليه أمرنا الآن. في البدء اندلعت الحرب في الجنوب بين أبناء الوطن الواحد على مشارف الاستقلال مباشرة لتصبح أطول حرب أهلية في أفريقيا. ورغم الهدنة القصيرة نسبيا عقب اتفاقية السلام في اديس أبابا في عام 1972 اندلعت حرب أخر ى امتدادا للأولى زهاء العشرين عاما لتنتهي بانشطار القطر الى قطرين في التاسع من يوليو 2011 عقب الاستفتاء الشهير في فبراير من ذلك العام. وعلى الرغم من أن بذرة الخلاف ربما بذرت قبل خروج المستعمر لأسباب يطول الخوض فيها في هذه العجالة إلا أن مسلك قادتنا الوطنيون، بلا استثناء، قد زاد من شقة هذا الخلاف بدلا من رأب الصدع. فسياسات الحكومات الوطنية المتعاقبة فيما يخص الجنوب ومسلكها التفرقي كانت حجر عثرة على الدوام في طريق تقريب الشقة بين أبناء الوطن الواحد. فقد تجاهلوا مطالب أهل الجنوب في الحكم بل وظلموهم في التنمية والوظائف وفرقوا بينهم. ثم شنوا عليهم في النهاية حروبا دينية يقوم عليها فلاسفة اسلاميون حركيون يغسلون أدمغة البسطاء بحكاوي عرس الشهيد الذي حولوه في أخريات أيامهم الى فطيس، هكذا بفقه الضرورة. وكنتيجة مباشرة لهذا الخبل مات وتشرد الملايين من الأبرياء وانشطر جزءٌ عزيز من الوطن وذهب معه قومٌ كرماء شجعان فيهم نقاء وبهاء وجمال فى خلقهم وأخلاقهم؛ يشبهوننا ونشبههم في كل شئ بل هم لحمنا ودمنا وإن كره العنصريون!
    (5)
    ولم يقف الدمار عند ذلك فقد ذهبت الفشقة ومثلث حلايب قبل ذهاب الجنوب. واندلعت حرب أهلية في غرب البلاد هذه المرة في دارفور ولا زالت تستعر لما يفوق العقد من الزمان وليس هناك حلٌ في الأفق. وقد تفتقت عبقرية حكامنا "الوطنيون" عن وقود من نوع آخر لهذه الحرب الجديدة لكون الدين واحد والرب واحد هذه المرة ولا يمكن استغلالهما كوقود. فباتوا يلعبون على أنغام الجهوية وسياسة فرّق تسد. مات مئات الآلاف وتشرد الملايين ما بين نزوح داخلي وخارجي وعمّت االفوضى وانعدام الأمن والطمأنينة كل أرجاء غرب السودان، زاحفة الآن على كردفان الكبرى. وكأن هذا لا يكفي فقد ترك جرح الجنوب النازف جروحا أخرى نازفة ايضا في جنوب كردفان والنيل الأزرق وحرب ودمار من نوع آخر لا زالت تستعر ويتفشر زبانيتها بصيف حارق. هذا حصاد حكامنا الوطنيون منذ الاستقلال في باب واحد فقط - الأمن القومي. أما حصادهم في المجالات الأخرى فلا يقل قصورا وقد عددنا أوجه قصوره في مقالات سابقة منشورة يمكن مراجعتها في موضعها نلخص منها فقط أدناه. وقد حصرنا أوجه القصور في حكومة اليوم والتي بقي عليها في دست الحكم أكثر من ربع قرن من الزمان ونضجت في عهدها وبفعلها أو عجزها كل بلاوي البلاد قديمها وحديثها. ولا زالت ترنو للمزيد من الوقت بشتى الوسائل والألاعيب لتكتب لنفسها عمرا جديدا. فهيا بنا الى حصادهم في المجالات الأخرى وكشف الحساب.
    (6)
    حصاد الحكم الوطني في المجالات الأخرى منذ الاستقلال يمكن تلخيصه في الآتي والماثل أمامنا اليوم:
    (أ) اقتصاد منهار لغياب التخطيط السليم. وإهدار بلايين الدولارات من أموال النفط وشح موارد الدولة الآن وسوء استخدام القليل الموجود منها بسبب الفساد المستشري علي كل المستويات، بشهادة المراجع العام.
    (ب‌) الغياب التام للتخطيط الأستراتيجي في بلد من أغنى دول العالم في موارده الطبيعية. وقد أدي هذا الغياب الي انعدام التنميّة المستدامة. وأنهيار تام للمشاريع القومية الكبري التي استلمناها من المستعمر وهى تعمل بنجاح، مثل السكك الحديدية ومشروع الجزيرة والخطوط البحرية وقطاع الخدمات الأساسية عامة مثل الصحّة والرعاية الأجتماعيّة.
    (ت‌) تدني المستوى العام في التعليم بكل أفرعه اكاديمي ومهني وصناعي مما يهدد بفقدان المقدرة على المنافسة في سوق العمل المحلي والعالمي. والتعليم من مدخلات الأنتاج الرئيسيّة ولن تقوم لأي دولة قائمة دون أصلاحه ليواكب المستوي المطلوب في سوق العمل العالمي.
    (ث‌) سياسة تكميم الأفواه التي ثبت فشلها في عصر العولمة. وأمثلة هذه كثيرة منها تسلط جهاز الأمن ومنع النشر وحجب مواقع التواصل الأجتماعي أحيانا ومنع الندوات الفكرية وإغلاق مراكز الأشعاع الثقافي والتضييق على الأحزاب السياسية والأعتقالات التعسفية لمنسوبيها ومصادرة الحريات العامة والتعدي علي حريات النساء والناشطين السياسيين مثل ما حدث مؤخرا للأستاذ فاروق أبوعيسى ود. أمين مكي مدني من اعتقال تعسفي لمجرد اشتراكهما في توقيع نداء السودان بهدف جمع شمل المعارضة للخروج من مأزق الوطن المعزول اقليميا وعالميا.
    (ج‌) حصارٌ دبلوماسي عالمي علي البلد مبعثه سجل الدولة المتطرّف والنظرة المريبة لنشاطها في المحيط الدبلوماسي المحلي والعالمي. يضاف الي هذا ضعف البنية القانونية والإدارية، ما يجعل القطر بأكمله طارداً لرأس المال الأجنبي النظيف ومنفراً للمستثمر العالمي الجاد.
    (ح‌) مراوغة الحكومة في أمر الحوار الشامل والذي تقول أنها اعدت له العدة "وثوبا" واستعدت له وحشدت له منسوبيها من أحزابها الصديقة في قاعة الصداقة في يناير الماضي لتلقي علي مسامعهم خطابا مبهما في لغته ومقاصده احتار سامعوه فيما هم فاعلون بعد سماعه. خاصة ولم يفتح الله علي أيّ منهم لأن يثب من مقعده الوثير قائلا لفخامته ان ما سمعناه للتو لا يعدو أن يكون كلام طير في باقير فما هي الخطوات الجادة للخروج بالوطن من هذا المأزق؟ لا أحد. وقد بان سريعا عنصر المراوغة في هذا الخطاب الكذوب الذي تحول الى دعوة واعداد لأنتخابات معروفة النتائج سلفا.
    (خ‌) سياسة "التمكين" والتي هي عمل مؤسسي كاملٌ متكامل. وتعني في حدها الأدنى التفضيل للموالين سياسيا على المستوى الاقتصادي مما يؤسّس للتفرقة ويمس بأمر الحقوق الأساسية للآخرين. هذه السياسة في عهد الانقاذ هي تفرقة خفية ذات طيّات متداخلة يختلط فيها المذهب الديني والولاء السياسي مع الثقل الجهوي والأقتصادي أيضا، مكونا منظمومة شديدة التعقيد. هذا عمل مؤسسي بامتياز. فاذا تضرر نفرٌ من الناس من عدم حياد دولتهم في أمر الحقوق الأساسية من حريّة ومساواة في الفرص كما هو منصوص عليه في القانون الأساسي في الدستور وفي مواثيق حقوق الأنسان العالمية فليس هناك مستقبل يرجى من هذه الدولة لهؤلاء النفر من الناس على الأقل. وأذا كان المتضررون من هذه التفرقة في سياسات الدولة هم الغالبية العظمى من أهل تلك البلاد كما هو الحال الآن في سودان اليوم فعلى هذه الدولة المزعومة السلام طال الزمن أم قصر.
    (د‌) التمادى في المسلك "التفرقي" لحماية مصالح القلة الاقتصادية القابضة. وقد قاد هذا الأمر الى مخالفات صارخة في أبسط قواعد المساواة بين أبناء البلد الواحد. والناظر لعدد السودانيين المؤهلين الذين اضطروا للهجرة الى أوربا وأمريكا واستراليا وغيرها من بلاد العالم بسبب الصالح العام والذي هو صالح "خاص" لمصلحة قلّة والناظر للأحصائيات المختلفة في الوظائف العليا في الدولة السودانية اليوم وفي القوى النظامية وفي مجالات شتى ذات طبيعة قومية يجد ما يكفي من دليل على هذا الحيف والظلم الذي طال غالبية أهل السودان كلهم من اي إقليم جاءوا.
    (ذ‌) أضف الى ذلك الغياب التام لحسن النيّة لدى الحكومة في كل تعاملاتها مع الأزمة الوطنية ولدى بعض منسوبي المعارضة ايضا الذين أجادوا اللعب علي حبلين ظنا منهم أن مثل هذه الفهلوة السياسية ستنطلي علي أحد. فمرة هم من أشرس المعارضين والآن نجدهم يرقصون علي أنغام دف الحكومة والتي تلقي لهم بالعطايا وتوعدهم بوراثتها. فقد صار شعارهم المعلن: "فشلنا في هزيمتهم فقررنا أن ننضم إليهم"!
    (ر‌) كل ذلك ولنا رئيس مطلوب بواسطة محكمة الجنايات الدولية (آي.سي.سي) في لاهاي للإجابة علي تهمٍ بجرائم حرب في دار فور منذ عام 2009 ظل فيها غير قادر على ممارسة مهامه السيادية بحرية كما ينبغي. ويصر حزبه الآن على ترشيحه لدورة رئاسية جديدة بسند دستوري ضعيف بل عليه اختلاف كبير. ودون أي اعتبار الى أن هذا الرجل قضى في حكمنا ربع قرن من الزمان حصيلتها الفشل التام على كل الأصعدة. وأنه مكبّلٌ بأمر القبض المسنود دوليا حتى ولو كان بريئا، ولا يمكنه أداء دوره كرئيس بفعالية. وقد رأينا كيف غاب الرجل من حضور محافل عالمية في غاية الأهمية بل هرع تاركا مقعده شاغرا من بعضها تحت دهشة الحضور في لحظات كان اسمه واسم بلده يردد في المنصة! هذا فضلا عن أن الرجل على وشك أن يضع رجله في بداية عقده الثامن من العمر ويعاني صحيا من علل ألزمته سرير المشفى مؤخرا أكثر من مرة.
    (7)
    عطفا على ما سبق وبالنظر الى الحيثيات أعلاه فهل جلب استقلالنا من المستعمر رفعةً وعُلُواً لنا كشعب كما ينبغي للاستقلال أن يكون؟ الإجابة قطعا بالنفي نظرا لحصادنا الوطني من حروب وتشرذم ونذر مزيد منه، والفشل الذي منينا به في كل المناحي مع الخراب الأقتصادي التام. فما هو المخرج؟ خاصة والمستعمر، فيما أرى، ليس له الرغبة في إعادة استعمارنا حتى ولو طلبنا منه ذلك!
    ما هو المخرج؟ هذا هو السؤال وهذا هو "نداء الوطن" الذي ينتظر من الكل أن يلبيه. هذا النداء هو ما يخيف من حبسوا الأستاذ فاروق أبوعيسى ود. أمين مكي مدني تعسفا لمجرد أنهما ورفاقهم خطوا خطوات جادة في سبيل توحيد الصف الوطني والذي بدونه لا يمكن لأي حل أن يكون شاملا دع عنك ناجعا. فالحل الشامل هو المخرج وما ينبغي البحث عنه ولا يمكن له أن يكون ناجعا الا بوحدة الصف التامة. فالوطن الآن على شفا حفرة ليس لها من قرار. وقد نادى أبناءه بأكثر من لغة حتى بح صوته. وكل ما أفلحوا في فعله حتى الآن يماثل تغطية شروخ انشائية في مبنى متهاوي بورق الحائط والتظاهر بأن المشكلة قد حُلّت! فهل من مستجيب؟!!























                  

12-31-2014, 03:36 AM

بَلّة البكري
<aبَلّة البكري
تاريخ التسجيل: 08-06-2014
مجموع المشاركات: 57

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نِدَاء الوطن: في الذكرى 59 للاستقلال/ ~ بَلّة البكري (Re: بَلّة البكري)

    وصلتني ردودٌ على المقال؛ أجبرني أحدها من قارئ مهموم ب"نداء الوطن" أن اشرك القراء في محتوى رده المعبّر لما فيه من مختصرٍ مفيد:
    Quote: "فالحل الشامل هو المخرج وما ينبغي البحث عنه ولا يمكن له أن يكون ناجعا الا بوحدة الصف التامة. فالوطن الآن على شفا حفرة ليس لها من قرار. وقد نادى أبناءه بأكثر من لغة حتى بح صوته. وكل ما أفلحوا في فعله حتى الآن يماثل تغطية شروخ انشائية في مبنى متهاوي بورق الحائط والتظاهر بأن المشكلة قد حُلّت! فهل من مستجيب؟!!

    لقد أسمعت لو ناديت حياً!!
    كان بودي أن أودع السنة، التي تتساقط آخر اوراقها، بشئِ من الثناء .. لكنني مثلك لم أجد لذلك سبيلاً!! تسعٌ وخمسون عاماً من العجز الفشل هو نتاج تلك السلالة من الساسة التي ملكت زمام الأمور في بلادنا .. لم تعرف تلك السلالة من علم الحساب كله غير القسمة فقط، حتى لو كان المقسوم هو الدم والدمع ومصير وطن!!
    لكن حذار من اليأس يا صديقي .. فهناك على الدوام ثمة أمل يقبع في جوف المستقبل، ومهما كانت خيبات الماضي وقسوة الحاضر، فستظل هناك بقيةٌ من رحيق في انتظار نحل دؤوب.
                  

01-02-2015, 05:04 AM

عبدالحافظ عثمان
<aعبدالحافظ عثمان
تاريخ التسجيل: 08-12-2009
مجموع المشاركات: 161

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نِدَاء الوطن: في الذكرى 59 للاستقلال/ ~ بَلّة البكري (Re: بَلّة البكري)

    59 عاما ولاذلنا نتلمس كيف الطريق الى
    الامن والحريه والديمقراطيه والوحده والاستقرار والتنميه...
                  

12-31-2014, 06:46 AM

الكاتب السوداني / عمر عيسى


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نِدَاء الوطن: في الذكرى 59 للاستقلال/ ~ بَلّة البكري (Re: بَلّة البكري)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    زرعنـا السـنوات الطويلة وكان الحصاد هـو الهــواء !!

    المعضلة الكبرى في هذا الوطن منذ أول يوم في الاستقلال أن خطوات الوفاق بين أهلها بدأت هشة ضعيفة التماسك .. فكان ذلك التناحر بين الفئات السياسية التي كانت تتنافس بضراوة فيما بينها .. في الوقت الذي فيه هي كانت تكافح وتناضل ضد المستعر .. فهنالك تلك النزاعات والأصوات التي كانت تنادي بالاتجاهات المتفرقة .. فالبعض كان ينادي بالسودان للسودانيين بالخارطة القائمة .. والبعض الآخر كان ينادي بشعار السودان بمعية الوحدة مع الشمال المصري .. وللبعض كانت أجندات أخرى فكرية أو عقائدية .. ولحظة الاستقلال جاءت وتلك الخلافات على أشدها .. وبالرغم من أن تلك الخلافات الجوهرية قد حسمت من داخل البرلمان يوم أن طغى شعار ( السودان للسودانيين ) ثم ذلك العلم الذي رفرف عالياَ فوق السارية السودانية إلا أن تلك الخلافات لم تنتهي أبداَ في مسار السودان الطويل .. بل مع الأسف الشديد ظلت تلك الخلافات تنحر كالسوس في جسد الوطن السوداني متخطياَ مفهوم الوطن الواحد .. ليكون الإخلاص بين أبناء السودان لتك الانتماءات الجهوية والفئوية والطائفية .. وأولى ويلات تلك الأخطاء الخلافية جرت يوم أن انتقمت الأحزاب الكبيرة من بعضها بتسليم زمام الدولة لزمرة عسكرية انتقاماَ للخصم المتنافس .. ومن تلك اللحظات بدأت في السيرة طرف جديد وهو الطرف العسكري في المسار .. فأصبح السجال فيما بعد بين الحكومات العسكرية المتسلطة وبين الحكومات الحزبية الباهتة الضعيفة الهزيلة .. ورب ضارة نافعة فإذا جاز لنا أن نقر بالقليل من الانجازات التي تمت في السنوات الطويلة بعد الاستقلال فانها تمت في ظلال العسكر ولا نجد أثراَ يذكر في ظلال تلك الأحزاب التي تسببت في تدخل العسكر .. ومع ذلك فالحكم هنا ليس للتفاضل بين هؤلاء وهؤلاء .. فلو جاز لنا أن نحكم في ذلك لقلنا ( حريقة في هؤلاء وحريقة في هؤلاء ) .. فلم يجد الشعب السوداني نعمة الأحوال في أي ظل من الظلال .. بل تراجع السودان في كل المسارات بذلك المنوال المخزي كما جاء في مقالكم .. ونال الشعب السوداني الويلات تلو الويلات في كل زوايا الأحوال .

    ............................... ثم نعود لسيرة الإخفاقات التي لازمت السودان بعد الاستقلال .. كان يفترض أن تنتهي تلك الخلافات الهامشية بين أبناء السودان بعد تقرير المصير مباشرة في ظل خارطة السودان الجديد .. كما كان يفترض أن تقوم مشورة قومية عامة لجميع مناطق ( السودان الجديد ) لتحديد مسار الدولة الجديدة .. بموجب دستور يحدد الهوية ويحدد الكيفية الانتمائية للأقاليم المتفرقة والكيفية الإدارية والإنمائية والاقتصادية .. ولكن بدلاَ من ذلك جرت الأمور بطريقة عفوية سودانية بحتة لا تقوم على أسس واضحة .. وتلك العفوية في المسار هي التي جلبت الإخفاقات تلو الإخفاقات .. وطوال سنوات ما بعد الاستقلال الكل يحس بالمظلمة في شأنه وشأن منطقته ثم يرمي الآخرين بالسيطرة والمنفعة .. وتلك فرية كاذبة ظالمة .. لأن الحقيقة العارية تؤكد أن جميع مناطق السودان بدون استثناء تواجه التخلف والتأخر في كل المسارات .. وأبناء السودان اليوم في حاجة شديدة إلى جلسة هادئة ومراجعة خط السير في المستقبل بمنتهى الروية والهدوء بالقدر الذي يفتح الأبواب على مصارعيه ويفتح الصدور دون غل أو مشاحنات .. وكمثال هنالك النمط الأثيوبي الذي يخير كل المناطق أن تقرر بما تريد صراحةَ .. دون ذلك التشنج ودون ذلك التعصب ودون تلك المشاحنات .. وفي النهاية فإن مصالح الأطراف سوف تلتقي عند منتصف الطريق بإذن الله .. وبذلك القدر الذي يطال الجميع .. ويجب أن يتوقف الجميع عن تلك المهاترات التي تجرح ولا تفيد أحداَ .. بل هي تضر بالقدر الذي تؤجج الأحقاد .
                  

12-31-2014, 04:09 PM

بَلّة البكري
<aبَلّة البكري
تاريخ التسجيل: 08-06-2014
مجموع المشاركات: 57

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نِدَاء الوطن: في الذكرى 59 للاستقلال/ ~ بَلّة البكري (Re: الكاتب السوداني / عمر عيسى)

    شكرا يا أخ عمر عيسى على رفع المقال عاليا ورفع معنوياتي أنا أيضاّ.
    فقد ظننت للحظة أنني أؤذن في كافوري!
    سأعود الى حديثك ببعض تفصيل.
    فأنا مضيوف اليوم ببعض
    الأصدقاء والذين ما دروا أن في الفؤاد
    ثقلٌ يمنعني من الحبور
    بقدوم العام الجديد..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de