|
|
 نُوبة كينيا (1-2)
|
06:15 AM Feb, 23 2015
سودانيز أون لاين
سيف اليزل سعد عمر -
مكتبتي في سودانيزاونلاين
(الجزء الأول من المقال)
سمحت لي الظروف بمقابلة أحفاد نوبة كينيا خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع والتعرف عن قرب علي بعض من مأسأة الهجرة القسرية والعيش بدون هوية في أرض أعطيت لهم من قِبل المستعمر البريطانى لكن دون أن تعترف حكومة كينيا بحقهم في إمتلاكها وفي حقهم في أن يكونوا كينيو الهوية.
مايحدث في كِبيرة (بكسر الكاف) يمكن تشبييه بما حدث في العِشش (جنوب موقف البصات السفرية سابقا وغرب الصحافة) أو بما حدث في دُودُوماتا في (شمال حي الدباغة وشمال كبري حنتوب جنوب عترة) أو بماحدث في حي المدنيين في ودمدنى. هناك بالطبع إختلاف كبير بين ما يحدث للنوبة وتأريخهم في كِبيرة وبينما حدث في المناطق الثلاث أعلاه ولكنها محاولة للتقريب والتصوير لواقع قد يكون غير معروف للكثيرين منا. فقضيتهم أو مأسأتهم هي قضية هوية وقضية أرض وقضية ذاكرة وقضية طبقة وقضية بقاء. ولا تنفصل أيضا عما يدور ويحدث الآن ضد النوبة في قراهم وأراضيهم في جنوب كردفان.
فمتى ينعم النوبة بوطن مسالم لا موت فيه ولا نزوح؟
ولماذا كل هذه المعاناة والتهميش والعنصرية للنوبة أينما وجودوا؟
فنوبة الجبال تقتلهم طائرات الإنتنوف وتحرق قراهم ونوبة كينيا يقتلهم المرض والفقر والجهل في كِبيرة أحد افقر احياء العاصمة الكينية نايروبي؟ لماذا كل تلك المعاناة ولم يتعدي النوبة علي حقوق غيرهم بل عاشوا مسالمين كادحين لتوفير لقمة شريفة لهم ولأبنائهم. لا بل أكثر من ذلك فقد وهب النوبة أرواحهم دفاعا عن السودان وكونوا النواة الأولي لقوة دفاعا السودان. تركوا أهلهم وقراهم ومزارعهم وحاربوا بجانب المستعمر البريطانى في شرق وشمال إفريقيا في موازنة صعبة ربما تكون قد لعبت دورا مهما في أن ينال السودان أستقلاله.
إختار نوبة كينيا البقاء في إفريقيا بدلا عن خيار الجواز البريطانى الذي طرحته حكومة جلالة الملكة بعد إستقلال كينيا. فضلوا البقاء في نايروبي وأختاروا أرضا داخل الغابة أطلقوا عليها إسم كِبرا. قطعوا من الأشجار ما يسمح لهم بزراعة الذرة الشامية والفاصوليا وبناء مساكن بسيطة. وقعتَ كبرا بإعتبارها غابة ضمن قانون الأراضي الأساسية والذي كانت تحت سيطرة حكومة جلالة ملكة بريطانيا. ورثت حكومة كينيا ذلك القانون ووضعته تحت تصرف الرئاسة تمنح الأرض لمن تشاء.اليوم يملك الرئيس الكينى السابق دانيال أراب موي أرضا واسعة إقتطعها من كِبيرة وبنى عليها منزلا ضخما يبعد بضع أمتار من عشش كِبيرة ومن قطعة ارض تم إقتطاعها من كبيرة لتصبح كوشة لتجميع نفايات مدينة نايروبي. ثم إقتطعت الحكومة أرضا من كبيرة وأعطتها للحكومة الفرنسية لتنبنى عليها مسكنا للسفير الفرنسي عليها. إقُتطعتَ من أرض كِبيرة ميادين لرياضة الفروسية والدراجات النارية والجولف. قررت حكومة كينيا عدم تجنيس النوبة وحرمتهم من حق الحصول علي الهوية الكينية بإعتبارهم قبيلة وافدة ليست لها جذور في كينيا. فكينيا تعترف بوجود إثنان وأربعون قبيلة تم توزيعهم إداريا علي إثنان وأربعون وحدة إدارية ليس من بينهم نوبة كينيا وليس من بينهم نايروبي بإعتبار أن النوبة من أوائل المؤسسين او المستوطنين في نايروبي. يعانى نوبة كينيا تهميشا بسبب هويتهم وإنتمائهم بل حتى بسبب ديانتهم. حدثنى جمعة خميس وهو يجلس أمامي بجلابية بنية اللون وهو يحمل طفلته ذات الإثنى عشرة شهرا في حضنه قائلا:
"لقد واجهتُ صعوبةً بالغة في الحصول علي الهوية الكينية ومن غير هوية أنت لا تسوي شيئا في هذا البلد. في حين أن مقدم الطلب الكينى لا يطلب منه سوي شهادة ميلاد وهوية والديه أما نحن النوبة فيطلب منا هوية جدودنا والحضور بشهودين وبعد ذلك كله يرفض طلبنا. العديد من أطفال كبيرة لم يتم قبولهم بالمدارس الإبتدائية الحكومية بسبب صعوبة حصولهم علي شهادات ميلاد كينية لا لسبب إلا لأنهم نوبة هاجروا من السودان. جمعة خميس في ريعان شبابه لكنه ملم بنواحي ووثائق تاريخية عديدة سلمها ولقنها لها النوبة المحاربون الأوائل وسكان كبيرة الأصليين. وهو يقود الملتقي الحقوقي (للنوبيين).
وكما ان الفرق معروف لدينا بين النوبة والنوبيين إلا أنه يحمل مدلولات أخري في كينيا.فمصتلح النوبيين أصبح ليس مقتصرا علي النوبة وحدهم بل شمل أيضا قبائل سودانية أخري من دارفور والإستوائية وأعالي النيل هاجرت إلي كينيا. أما نوبة كينيا فقد حافظوا علي عاداتهم وتقاليدهم المروثة وحصروا علاقاتهم في حدود غابة كبرا (كبيرة). قليلا ما تتداخلوا مع القبائل الكينية وإحتفظوا بعاداتهم في الزواج ودفنوا موتاهم في حدود كبيرة. تميزوا بإقاعاتهم وآلاتهم الموسيقية مثل النقارة والدلوكة وطبخوا البامية والملوخية والعصيدة. وبما ان غالبيتهم كانوا ضباطا وجنودا تحكمهم أوامر الجيش الصارمة فقد أثر ذلك علي أسلوبهم المعاشي والذي ايضا خضع لأوامر رب الأسرة.
قضية نوبة كينيا هي قضية الإلتصاق والإرتباط بأرض كبيرة والتى تتعرض للتغول بسبب مماطلة الحكومة الكينية في الوصول لتسوية مع نوبة كينيا حول ملكية الأرض وتصنيفها كأرض جماعية كما قبيلة الماساي وبعض القبائل الأخري. النوبة الذين هاجروا من كِبيرة وأختلطوا بالكينين والتنزانيبن، أستطاعوا أن يوفقوا أوضاعهم بالحصول علي الهوية والأرض. فمجموعة النوبة الذين إستقروا في كِسِيُمُو وفي العديد من المدن الأخري خاصة الواقعة في طريق أفريقيا العظيم كأروشا وكُوندُوا ودودوما أصبحوا مواطنيين يتمتعمون بحق الهوية وتملك الأرض. واحدة من أسباب العنف التى إجتاحت كينيا عقب إنتخابات 2007 يرجع الي الطريقة التى تم بها توزيع الأراضي بين أكبر القبائل الكينية الكُوكُويو والكالِينج. تعرض نوبة كينيا لأحداثا مشابهة في عام 1997 وفي 2001. مصدر الخلاف يرجع الي تغول بعض قبائل اللُّوا علي أراضي كِبيرة. فالنوبة يرون انهم أصحاب الأرض الحقيقين وأية قبيلة أخري في كبيرة ليس لهم حق الملكية. ما زاد الطين بلة أن الحكومة الكينية لا تعترف بالنوبة كاوحدة من ضمن قبائلها بالرغم من تعاقب الأجيال جيل بعد جيل والذي بلغ أربعة أجيال منذ هجرة النوبة وإستقرارهم في كبيرة وإنشائها في عام 1912. لقد تقلصت أرض كبيرة من 4790 فدان (إيكر) إلي 600 فدان فقط.
سيف اليزل سعد عمر
|
|
 
|
|
|
|
سيف اليزل سعد عمر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست