|
نكبة النوبيين المصريين في أسوان
|
* علاء الدين أبومدين
يتعرض النوبيين في مصر لتهميش منهجي ومنظم حسب عدة آراء لعدد من المصريين من مشارب ومناطق مصرية مختلفة. يأتي الكاتب النوبي/ حجاج أدول، على رأس هؤلاء النشطاء فيما يتصل بالتعريف بقضية النوبيين المصريين؛ ومن هنا جاء اتفاق النوبيين المصريين عليه واختلافهم على الآخرين، بما في ذلك التوافق عليه لتمثيلهم في لجنة الخمسين لإعداد دستور 2013 بعد عزل الرئيس السابق (محمد مرسي). حسب معلوماتي فإن أول اعتراف من مصري مؤثر، من خارج قومية السكان الأصليين Indigenous People من النوبيين المصريين، حول تهميش النوبيين، قد جاء من طرف د. جابر عصفور، في يوم 16 يناير من عام 2010 قبل خلع الرئيس الأسبق (حسني مبارك) من الحكم، وذلك في الصفحة الأولى من صحيفة "المصري اليوم" العدد 2043 حين قال "مصر فيها النوبة وفيها سيناء وهما في أطراف مصر، وإذا عاملنا أبناء النوبة أو بدو سيناء على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية فهذا تمييز ومن الطبيعي أن ينفجروا في يوم من الأيام لأننا بهذه المعاملة نزرع الكراهية في نفوسهم" مضيفاً "إذا كانت مصلحة هذا الوطن تهمنا، فينبغي علينا أن نسرع بحل مشكلة النوبة لأنه من بين النوبيين من يطالب بانفصال النوبة عن مصر" واستشهد بالتجربة الأوربية والأمريكية قائلاً "فرنسا جعلت الجزائريين مواطنين لهم نفس الحقوق، وبها وزراء من أصول عربية، وفي إنجلترا جنسيات متعددة دخلت في التنوع البشري الخلاق، ولولا وجود هذا التنوع لما شاهدنا رجلا أسود في البيت الأبيض"... إنتهى. تحتشد المواقع الإلكترونية للنوبة المصريين هذه الأيام بهاشتاجات من نوع "مجزرة أسوان، مذبحة أسوان" في إشارة لمقتل عدد من نوبة مصر من قرية (الدابودية) على أيدي عناصر من قبيلة الهلايلة العربية على بعد حوالي 35 كيلومتراً من مدينة أسوان- جنوب مصر. لكن الشاهد العملي على طبيعة واشتداد هذا الإحساس بالتهميش والانتهاكات ضدهم كنوبيين مصريين هو ظهور حركة (كتالة النوبية المسلحة) في أسوان، التي حدث أن نادت بالعمل المسلح والانفصال عن مصر والانضمام للسودان كما ظهر في بعض وسائل الإعلام. تجربتي الخاصة في التعامل مع النوبيين المصريين، تظهر امتعاضهم ######طهم على المسئولين السودانيين (من النوبيين) الذين يعرفون أسمائهم وأسماء مناطقهم الأصلية في النوبة السودانية، مقابل مواقفهم السلبية منهم وعدم سؤالهم عنهم أو الاهتمام بقضاياهم، لكأن هؤلاء الوزراء (من النوبيين السودانيين) يعيرون انتباهاً أصلاً لقضايا من هذا النوع داخل السودان. الأمر تحتاج معه للحكي والتوضيح ريثما تستبين الصورة لديهم. في ذلك، فالنوبيون المصريون كانوا يبثون شكاواهم للسودانيين حينما يشعرون بالثقة تجاههم وحيثما التقوهم، مع إبداء اعجابهم بالدور الذي يقوم به الناشط/ حجاج أدول. تطور الأمر لاحقاً عقب ثورة 25 يناير لمطالب برفع التهميش والتعويضات وإعادة التوطين حول بحيرة السد العالي، بديلاً لجلب مواطنين آخرين من مناطق أخرى وتشريد النوبيين (المزارعين بالفطرة) إلى مناطق جبلية جرداء. ظهرت بعض تلك المطالب في لجنة الدستور أيام الرئيس المعزول (محمد مرسي) ففاجأت الكثير من المصريين من أقصى اليمين لأقصى اليسار، كما لم تجد منهم آذاناً صاغية أو أي تجاوب إيجابي مما مهد الطريق لاحقاً لظهور حركة (كتالة النوبية المسلحة). جوهر القضية االذي عبَّر عنه د. جابر عصفور، صحيح في وصفه للقضية ونوع المعالجات المطلوبة، كما يتسق تماماً مع رؤية الكاتب والناشط النوبي حجاج أدول، الذي طالب بتفعيل المادة 236 من دستور 2013 دون انتظار لقوانين مرتقبة من البرلمان القادم، ونص المادة هو: "تكفل الدولة وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية المحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها في مشروعات التنمية وفي أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلي، خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وذلك على النحو الذي ينظمه الدستور. وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون."... إنتهى.
في الواقع فإن كل مايمس النوبيين المصريين يمس السودانيين المتواجدين بمصر. فقد بُحَّ صوت النوبيين المصريين في الأكمنة المصرية وهم يحاولون بلا جدوى أن يشرحوا أنهم مواطنين مصريين وليسوا سودانيين، وذلك عقب محاولة اغتيال حسني مبارك في أثيوبيا على أيدي إسلاميين مصريين بمساعدة لوجستية من الإسلاميين السودانيين. المضايقات حينها شملت الجالية السودانية بمصر والمواطنين السودانيين الزائرين لمصر لأغراض السياحة العلاجية والترفيهية والتجارة، كما طالت أيضاً المعارضة السودانية بمصر، ولم تستثني النوبيين المصريين الذين أودع بعضهم السجون لحين التأكد من هوياتهم. لم يتوقف ذلك إلا بعد مسيرة سودانية مؤيدة لمبارك قادها بعض زعماء المعارضة من (التجمع الوطني الديمقراطي) لمقر الرئيس المخلوع (حسني مبارك) في تسعينيات القرن الماضي، قام التلفزيون المصري وقتها بنقل وقائعها على الملأ. ولوقائع لا تختلف عن سابقاتها، تتصل هذه المرة بتأييد السودانيين حكومةً ومعارضة لمشروع "سد النهضة" الأثيوبي، يتعرض اليوم مواطنين سودانيين أبرياء لتلك المضايقات. في ذلك لا يبدو أن السلطات المصرية قادرة على ايجاد فروقات حقيقية بين المواطنين السودانيين المنكوبين بنظام البشير وبين بعض الإسلامويين السودانيين المناصرين له، لا بل ايجاد فروقات جدية بين النوبيين المصريين والسودانيين الشماليين. من واقع المساواة في النكبات يأتي اهتمامي (كسوداني لاجئ بمصر) بأوضاع النوبيين المصريين، فالمصائب تجمع المصابينا، حسب القول المأثور. وهكذا فإنني أدرك عن مُعايشة أن التمييز العنصري ضد السودانيين بمصر، هو الوجه الآخر من عملة التمييز العنصري ضد السكان الأصليين من النوبيين المصريين. بالتأكيد فإن التمييز العنصري والانتهاكات ضد السودانيين، (مثل رش السودانيين القادمين من السودان والطائرة التي قدموا بها بالمبيدات الكيماوية قبل السماح لهم بدخول مصر) تزداد في أوقات الأزمات بين البلدين الجارين، وتصبح أشد وطأة من التمييز العنصري ضد النوبيين المصريين لأسباب تتصل بالأطماع الاستعمارية المستمرة للدولة المصرية في أراضي وموارد الدولة السودانية. دور الإعلام المصري (الرسمي) في تأجيج المشاعر السلبية ضد النوبيين المصريين وضد السودان شعباً ودولة لا تخطئه عين منصفة. كما أن ضعف حكومة الإسلامويين وانكسارها المُخزي أمام انتهاكات الدولة المصرية لسيادة السودان على أراضيه وموارده، تُعد أسباباً تحفيزية لمزيدٍ من الانتهاكات حسب الثقافة المصرية السائدة والسمات العامة للشخصية القومية المصرية... وهذا مبحث آخر مطلوب. توجد قطعاً علاقة تناسب طردي Direct Proportion بين تأزم العلاقات بين البلدين والانتهاكات ضد السودانيين من جانب، وتوجد نفس العلاقة بين التنميط العنصري للنوبي المصري في هذا الإعلام (الرسمي) وما يتعرض له النوبيين المصريين من تهميش وانتهاكات، دع عنك تطور الدراما المصرية باتجاه تنميط عنصري مُباشِّر ضد السودانيين.
مربط الفرس هو انعكاس ما يحدث للنوبيين المصريين على أرض مصر على السودانيين، لا سيما الشماليين منهم. نكبة النوبيين المصريين في أسوان التي بدأت يوم الجمعة 4 أبريل 2014 وأدت لمقتل أكثر من 20 شخصاً من النوبيين المصريين حسب عدة مواقع مصرية، تأتي في سياق تراكمات التراتب الاجتماعي بمصر وطبيعة التركيبة الطبقية والعنصرية لهذا التراتب الاجتماعي الذي يتواجد في درجته السُفلى النوبيين المصريين وقبلهم مباشرة طبقة الغجر المصريين في صعيد مصر. لذلك فإن أي مقاربات approaches أو أي معالجات solutions لا تخاطب الجذور الاجتماعية (الاقتصادية) والسياسية لمشكلة النوبيين في مصر محكومٌ عليها بالفشل. أسامة فاروق، القيادي بحركة (كتالة النوبية) في أسوان ذكر في حديث لقناة (سكاي نيوز) أن " هناك أطراف في السلطة تريد استمرار الأزمة لهدف وحيد هو معرفة توازن القوى في المنطقة لدراستها سياسياً". من جانب آخر أوضح اللواء/ عبد الفتاح عثمان، مساعد وزير الداخلية للإعلام والعلاقات العامة في اتصال مع قناة (CBC) المصرية، بأن الأمر بدأ بنزاع بين طلبة من النوبيين وقبيلة الهلايلة في مدرسة صناعية، ثم تطور لرسائل محمول وكتابات مسيئة على الجدران وتراشق بالحجارة، انتهى إلى تراشق بالسلاح. ونفى اللواء انسحاب الشرطة والأمن من منطقة النزاع. وقد طالب (حزب التجمع) "في بيان له، رئيس الوزراء ووزير الداخلية وحكومة المهندس إبراهيم محلب، بسرعة التدخل لإنهاء المذبحة وحملها مسؤولية سقوط الضحايا من أبناء ومواطني أسوان واتهم وزارة الداخلية ومدير أمن أسوان بتعمد إبعاد رجال الأمن عن مدينة أسوان فور انتهاء زيارة رئيس الوزراء"، وذلك حسب صحيفة المصري اليوم في خبر بعنوان "الأحزاب تتهم أجهزة الأمن بالتقاعس في أحداث أسوان". وورد في خبر آخر بنفس الصحيفة تحت عنوان ( نادي النوبة: يحمل قوى الفساد بالحكومة مسؤولية {مذبحة أسوان}، "حمل نادي النوبة العام، الأحد، مسؤولية أحداث أسوان لما سماه قوى الفساد في مختلف الوزارات، وطالب بالقصاص العادل وإعادة نشر الأمن والعمل الفوري على إخلاء محافظة أسوان من الأسلحة، وإعلان الحقائق أمام الشعب، والبدء في حل جميع مشاكل الجنوب، والابتعاد عن ثقافة الحل الأمني". وطالبت وقفة لنوبيين مصريين أمام قصر عابدين أمس الأحد الموافق 6 أبريل بـ " أولا: اقالة وزير الداخلية ثانيا: اقالة محافظ اسوان والقيادات التنفيذية بالمحافظة ثالث: اقالة مدير أمن اسوان ونائبه وجميع القيادات الامنية بالمحافظة واحالتهم الى التحقيق رابعا: تكليف وزير العدل بسرعة ندب قاضى تحقيق من القاهرة للتحقيق الفورى والعاجل فى ماحدث من قتل وأصابة خامسا: العمل الفورى على سحب جميع الاسلحة بكافة انوأعها من الجميع سادسا: فرض كردون أمنى على المنطقة مع تكثيف التواجد الامنى بصفة مستمرة حتى انتهاء التحقيقات" ... انتهى.
فهل تتجه الأوضاع في مصر نحو عودة الأجهزة الأمنية لخلق الفتنة بين المواطنين متبنية سياسة "فرِّق تسُد" مثلما كان يحدث أيام الرئيس المخلوع (حسني مبارك) مستبدلةً عنصري المسلمين والأقباط، بالعرب والنوبيين المصريين؟ وهل قد يؤدي ذلك إلى دارفور مصرية حسب الصرخات التنبيهية لبعض النشطاء المصريين، أم أن الأمر مجرد خطأ وسوء تقدير للموقف يمكن معالجته بما يفتح الطريق لتطبيق المادة 236 من دستور لجنة الخمسين لسنة 2013 كأفضل ما توصل له نوبة مصر حتى الآن؟
* علاء الدين علي أبومدين محمد، كاتب ولاجئ سوداني بمصر
|
|
|
|
|
|