|
نقطة نظام : تجار الفقه و فقهاء الحق: بقلم عمر حيمري
|
نقطة نظام : تجار الفقه و فقهاء الحق: بقلم عمر حيمري
الفقه لغة ، هو الفهم والمعرفة العقلية الشاملة والاطلاع الواسع على معتقد وفكر وأعراف وعادات المجتمع ، وما يدور فيه من أحداث سياسية وتغيرات اجتماعية أو دينية . [ قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز ] (سورة هود آية 91 ) أي لا نعلم ولا نفهم أو نعقل الكثير من كلامك وأقوالك ونصائحك يا شعيب . وما قالوا هذا إلا تهكما وعنادا وجحودا ونكرانا للحق لما جاءهم . وليس جهلا أو قصورا في عقولهم ، فيكون لهم عذر عند ربهم . إنه من العبث ، ومن غير الحكمة ، أن يبعث الله رسولا بغير ما يفهم أو يعقل قومه . لأن المراد من بعثة الرسل هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، وهذه الغاية لا تتم إلا إذا كان هناك توافق في لغة وفكر المرسل والمرسل إليهم ، حتى يحدث التواصل ، فيحصل الفهم والبيان ، ثم الهدي أو الضلال بمشيئة الله وإذنه ، وهذا ما قررته الآية الكريمة [ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم ] ( سورة إبراهيم آية 4 ) .
أما في الاصطلاح الإسلامي فقد ارتبط مفهوم الفقه بمعرفة الأحكام الشرعية العملية المرتبطة بالواقع ، لأن المسلم لا يقبل على أمر ما ، حتى يعلم حكم الشرع فيه . ومن ثم كان تعلم الفقه ضروري ، بل يصبح واجبا عندما يتعلق الأمر بعلم الفرائض ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . فالفقه إذن هو العلم المقرون بالعمل والتطبيق . وقد نسب إلى الإمام علي رضي الله عنه أنه عرف الفقه بقوله : ( الفقيه حق الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ، ولا يؤمنهم من عذاب الله ، ولا يرخص لهم في معاصي الله ،إنه لا خير في عبادة لا علم فيها ، ولا خير في علم لا فهم فيه ، ولا خير في قراءة لا تدبر فيها .) ( نقلا عن مفتاح دار السعادة – علي حسين ) .
وقال مجاهد : ( إنما الفقيه من يخاف الله . )
إن الفقيه هو ضمير الأمة وخزان علومها الشرعية التطبيقية ومرجعيتها في مواجهة النوازل ، بفضل التمكين الإلهي ، وما وهبه الله إليه من عقل راجح وعلم واسع وقدرة على استنباط الأحكام وفق الشريعة الإلهية ، وهو رجل عملي يهتم بكل ما يجري حوله من أحداث سياسية ووقائع اجتماعية ... وكوارث لسر النبوة فتواه تلزم المسلم أين ما كان دون أي اعتبار للحدود الجغرافية أو المكانة الاجتماعية للأفراد والجماعات ، كما تلزم الأمة والحاكم على السواء بالطاعة والانقياد .
انطلاقا من هذا الفهم للفقه كانت مسؤولية الفقهاء عظيمة وأعظم منها الصدع بالحق وتبيانه للناس وعدم كتمانه من أجل عرض الدنيا كالجاه أو المنصب أو المال ، ومن يفعل ذلك يلق آثاما ويضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ويصدق عليه قول الحق سبحانه وتعالى : [ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولائك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ] ( سورة البقرة آية 174 )
على الفقيه باعتباره وارث النبي ، أن يكون مستعدا في كل زمان ومكان للمهمات والمسؤوليات الصعبة والتضحية بما يملك من مال وجاه وأهل وبنفسه التي بين جنبيه خصوصا إذا تعلق الأمر بنجدة المسلم ونصرته ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من امرئ مسلم يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يجب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلما في موضوع ينتقص فيه من عرضه وتنتهك فيه حرمته إلا نصره الله في موضوع يحب فيه نصرته ) ( رواه أبو داود ) .
على وارث النبوة أن يكون مرابطا مجاهدا في سبيل الله ، مواجها للظلم والظالم ، لا يتملق للدكتاتور ، ولا يخاف من غضبه وبطشه أو قطع رزقه أو تشويه سمعته وشيطنته ...فإن لم يستطع لجبن أو ضعف إيمان أصابه أو لنفاق جبل عليه ، فما عليه إلا أن يعلن التخلي أو التنازل عن إرث النبوة وتركتها ويكتفي بخدمة السلطان ، والإفتاء بما يهوى العسكر والطواغيت . حسب الفقيه الماجن أن يغض الطرف عن الفقه الحق وقواعده وأن يتصيد الأحاديث الغريبة والضعيفة ليبني عليها فتواه الشاذة لإرضاء السلطان . كمفتي الجنرالات علي جمعة ، الذي وصف المتظاهرين المسالمين بأنهم خوارج وكلاب جهنم الضالة ، وأفتى للعسكر في كلمة وجهها لجمع من قيادات وضباط الجيش والشرطة جاء فيها : ( اضربوا في المليان وإياكم أن تضحوا بأفرادكم وجنودكم من أجل هؤلاء الخوارج ) ( مفكرة الإسلام فيديو علي جمعة للجيش 8\10\2013) وأضاف : ( طوبى لمن قتلهم ومن قتلوه . من قتلهم كان أولى بالله منهم .. إننا يجب أن نطهر مصر من هؤلاء الأوباش . ودعا الجيش لعدم الخوف والثبات ، لأن الله معهم والدين معهم والشعب معهم حسب إدعائه ) ( المصدر السابق ) .وقد ذهبت به الوقاحة والجرأة على الفتوى والتحريف إلى تشبيه مسجد الفتح الذي قتل فيه العديد من الشهداء والمصلين بمسجد الضرار مسجد المنافقين الذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بحرقه ،.. الشيء الذي أغضب د. القرضاوي ودفعه إلى القول : ( ... حينما عين ( يقصد علي جمعة ) مفتيا أصابه ما أصابه من السعار ، فأفتى بفتاوى شاذة ، لا تصدر عن تحقيق ، ولا علم وثيق ،وقد لامه إخوانه عليها ، مثل النقود الورقية غير شرعية ، وأجاز فيها التعامل بالربا ، وأباح للمسلم بيع الخمر ولحم الخنزير ، وقيل عن الاغتسال باللبن إلى غير هذه الفتاوى الشاذة ) ( نقلا عن مفكرة الإسلام ) .
وبهذا النوع من الفتاوى الشاذة يكون تاجر الفقه قد شرع لسفك الدماء ودافع عن جور السلطان وأخطائه وبرر فضائحه والتمس الأعذار لجرائمه ، وألزم الأمة بالتسليم بإمارة الغالب وإن كان فاجرا
إن فقهاء العسكر في كل زمان لا يفقهون ولا يعلمون أن السكوت عن الحق والوقوف إلى جانب الباطل والتفريط في تركة النبوة مع اتباع الهوى وما يملي الشيطان ، يعرضهم لغضب الله والناس أجمعين وأن الفوز برضا العسكر يعرضهم لسخط الله واحتقار الشعب بعد أن كان يراهم أمراء للأمراء ...
إن سواد الأمة ، لم يعد يحتمل هذا النوع من فقهاء السوء وتجار الفقه ، ولم يعد يؤمن ولا يثق بهم كورثة للأنبياء ، ولا سيما وأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا منهم إذ قال في الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنه : ( إن أناسا من أمتي سيتفقهون في الدين ، ويقرؤون القرآن ، ويقولون نأتي الأمراء ، فنصيب من دنياهم ونعتزلهم بديننا ولا يكون ذلك ، كما لا يجتني من القتادة إلا الشوك لا يجتني من قربهم إلا الخطايا ) ( أخرجه ابن ماجه بسند رواته ثقات ) كما قال عنهم : ( العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان ، فإذا خالطوا السلطان فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم ) ( رواه مالك وأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده والحاكم في تاريخه وأبوا نعيم والعقيلي والديلمي والرافعي في تاريخه )
إن أبواق العسكر الظالم وخدامهم من تجار الفقه الذين يبررون قتل المصلي الصائم الأعزل ، ويحلون سفك دماء الأطفال والنساء لمجرد مناصرتهم للحق ، ويسكتون عن الباطل والفساد وبلطجية العسكر ، وحجتهم في كل ذلك الأحاديث المنكرة والضعيفة ، والتأويلات التعسفية واللاشرعية للآيات القرآنية والأحاديث النبوية . فتبا لتفقههم ، ولعلمهم الذي أضل أعمالهم ، وعن الله أبعدهم ، وإلى العسكر والجحيم قربهم ، وتبا لهم من تجار فقه لا يفقهون ، وويل لهم مما كتبوا ومما كسبوا . وصدق الله العظيم الذي قال في حق فقهاء السوء وعمائم الزور [ فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ] ( سورة البقرة آية 79 ).
إن تجار الفقه أكرمهم الله بالعلم والفقه لينظر كيف يعملون ، فلما انسلخوا مما آتاهم ، أضل أعمالهم ، وأعمى بصائرهم ، وختم على قلوبهم ، وأمضى فيهم حكمه المترتب عن قوله تعالى : [ واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ]
إن الجماهير يا تجار الفقه وفقهاء الجهل والتدليس ، أصبح لها من الوعي ما يكفي للتميز بين تجار الفقه وفقهاء الحق ، ولم تعد تنخدع بنفاق تجار الفقه وأصبحت تطالب فقهاء الحق بمساندة بعضهم بعضا وأن ينبذوا الخلاف فيما بينهم ويوحدوا صفوفهم ليبينوا الحق الذي أوجبه الله عليهم للناس وينصحوا به السلطان حتى لا تنفرد به بطانة السوء ، ويدعموا به ثقة الأمة ويرفعوا به الظلم عن الناس ويجلبوا لهم العدل .
إن الجماهير يا فقهاء الحق تريد منكم التصدي لخلافات ونزاعات حكام وشعوب الأمة الإسلامية فتصلحوا فيما بينهم وأن لا تسمحوا بنقل خلاف الحكام ونزاعاتهم إلى صفوفكم فتنقلبوا إلى أعداء يطعن بعضكم بعضا ويكفر بعضكم بعضا وتناقض فتوى بعضكم البعض ( فتاوى فقهاء العالم الإسلامي المتعلقة بالحرب على العراق نموذجا ) ، فيحار المسلم ويزداد عجبا منكم وازدراء لكم . يا فقهاء الحق فاليكن ولائكم لله ولرسوله ولعامة المومنين ، ولتزنوا الحكام والساسة بميزان التقوى والخوف من الله وأن تعملوا على تطبيق شرع الله و تذودوا عن حماه ، وتدافعوا عن حقوقه ، وأن لا تفرطوا في ثوابت الأمة ، وأن تواجهوا العلمانيين والملحدين وخاصة أولائك الذي يحملون اسم محمد وأحمد وعبد الرحمان ... ثم هم الذين يحاربون شرع الله ويشيعون الفساد وكل أنواع الفاحشة باسم الحرية ( تظاهرة البوس الجماعي أي التقبيل بين الجنسين في الشارع العام بالرباط نموذجا ) بالعلم والحجة والقانون والتخطيط لمحاكمة من يعتدي على حرمات الله ورسوله وينتهك أعراض العلماء الفضلاء المشهود لهم بالتقوى وخوف الله حتى لا يجرأ أعداء الإسلام علي التشهير بالإسلام وعلمائه .
إن الجماهير يا فقهاء الحق لا تريدكم أن لا تنسحبوا من الحياة العامة ، بل تريد رؤيتكم تتصدرون المظاهرات وتحملون اللافتات التي كتب عليها : نريد تطبيق الشريعة ،نريدها دولة إسلامية قرآنية لا شرقية ولا غربية ، في ظل إمارة أمير المؤمنين ، نريد العدل والمساواة ، نريد رفع الظلم عن الناس ومحاربة والفساد ونشر الفاحشة ، نريد محاكمة كل من يطعن في ثوابت الأمة ويدعو إلى الفتنة والتفرقة . يا فقهاء الحق ، إن الجماهير تريد منكم المشاركة الفعالة في السياسة وتدبير الشأن المحلي والمشاركة في الانتخابات ، والترشح للمناصب التي تسمح لكم باتخاذ القرارات المصيرية للأمة كرئاسة الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية والمجالس العلمية والبلدية والقروية والجمعيات المدنية والخيرية ، فأنتم أولى برئاسة هذه المناصب لأنكم ورثة النبوة ، وأهل لثقة الناس ، وفوق هذا تمكنكم من حمل الناس على الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية ، التي هي أساس استقامة أحوالنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
يا فقهاء الحق لا تغيبوا عن الشارع ، و لا تبخلوا بعلمكم وكتاباتكم وبياناتكم عن الصحف والجرائد والوسائل السمعية البصرية والانترنيت والفيسبوك والتوتير ... تعاملوا مع أجهزة الكمبيوتر وفتحوا لأنفسكم حسابات وعناوين إلكترونية ، تقربكم من الناس وخاصة الشباب وتغنيكم عن التنقل والترحال والسفر عبر القارات ، اخترقوا حدود القارات ، استعينوا بأهل الاختصاص في اللغات وبالفيديوهات والأفلام القصيرة ... وإن لم تفعلوا ، فدعاة الفتنة والشذوذ والإلحاد والمجون في كل مكان لا يتركون وسيلة ولا أداة تواصل إلا واستغلوها بالليل والنهار لهدم الإسلام وتشتيت شمل المسلمين وتشكيكهم في معتقداتهم الدينية وهويتهم الإسلامية ... لا تنتظروا مجيء الناس إليكم ، آتوهم في مدا شرهم ، وقراهم ،ومدنهم ، وبيوتهم القصديرية ... قبل أن يداهم خطر العلمانية والملاحدة والمنافقين وتجار الفقه الضالين المضلين المعتقدات ...
يا فقهاء الحق كونوا جمعيات وأحزابا لتسهيل التواصل فيما بينكم وتوحيد صفوفكم لتكون لكم القدرة على مواجهة أعداء الأمة الإسلامية ولتقويتكم على الثبات على الحق والصلاح ، وتكسبكم الشرعية السياسية وتسهل عليكم واجب الإصلاح ومحاربة الظلم والفساد ، وعن طريقها تكتسبون هيبة خصومكم وإسماعهم كلمتكم كما تسهل عليكم مهمة تأطير الناس وتجميعهم حولكم لتبصيرهم بالصواب والخطأ وتبيان النافع من الضار لهم .
يا فقهاء الحق لا تداهنوا العسكر والطغاة ،ولا تخالطوا الأمراء والسلاطين ولا الأعيان الظالمين ، فبقدر ما تأخذون من أموالهم وتطعمون من طعامهم يأخذون من دينكم وينقصون من إيمانكم وقدركم . ولا تحتجبوا عن الحياة العامة للناس فتفقدوا إرثكم النبوي ومكانتكم بين الناس وتعرضوا أنفسكم لغضب الله لكونكم لم تبينوا ما أمركم الله بتبيانه للناس ويصدق عليكم قوله تعالى [ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ] (سورة آل عمران آية 187) وقوله [ إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ] ( سورة البقرة آية 159 ) فإن بينتم وأصلحتم فإني أبشركم بقوله تعالى [ إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فألئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم .
بقلم عمر حيمري
|
|
|
|
|
|