أجرت صحيفة ( القارديان) البريطانية لقاءً مع نعمة الباقر، مراسلة السي إن إن، عقب فوزها بجائزة ( جمعية البث الاذاعي و التلفزيوني الملكية).. و اقتطفت، ضمن ما اقتطفت، جملاً من لقاء نعمة مع صحيفة ( ذي أوبزيرفر) البريطانية حيث تقول نعمة:-
".. لم يشدني لون بشرتي إلى الوراء إطلاقاً..... لا يهمني ما قد تتوقع أن يكون عليه شكل مراسل السي إن إن..... أشعر أحياناً أن مجرد كون مظهري مظهراً طبيعياً ( بدون رتوش) له تأثيره على الناس.. و هذا لا يعني أن المظهر لا يحدث فارقا..."
و تقارن صحيفة ( القارديان) نعمة الباقر بالمراسلة الصحفية الأمريكية الشهيرة كريستيان أمان بور.. و تقول عنها ".. ربما لا تكون نعمة الباقر، مراسلة ( سي إن إن) مشهورة لدى معظم مشاهدي التلفزيون في بريطانيا..، و لكن نعمة الباقر الصحفية السودانية أحدثت ضجة عالمية بتقاريرها الجريئة التي تبعث بها من أفريقيا و الشرق الأوسط، بحيث صارت تُقارن بأمان بور الصحفية المخضرمة التي نالت شهرتها عبر تغطيتها لحروب أفغانستان في الثمانينيات.."
جريدتان من كبريات الصحف البريطانية تجريان لقاءين مع نعمة، و يا لها من نعمة!
هذا و نحن نشاهد، يومياً، في قنواتنا التلفزيونية آنسات و سيدات يمارسن الغش في زمن الغش و التضليل و اللعب بالألوان أسوةً بالنظام القائم الذي يمارس اللعب بالآيات القرآنية و الأحاديث النبوية ( على الهواء مباشرة)، و نجد الواحدة من الآنسات و السيدات سعيدة بجلدها ( المبْيَض) و علامة سعادتها ابتسامات باهتة ينطلق منها كلام مرسل باهت.. في غياب فن صناعة التقارير ذات النفع و اختفاء أبجديات الحوارات التلفزيونية.. و في حقيبتهن المدسوسة تحت الطاولة ( أدوات التجميل) للإغاثة عند اللزوم..
و يمتد تأثير البياض و التبييض السالب من التلفزيون إلى المكاتب و البيوت و ( بنابر) تقديم خدمات الشاي و القهوة في الخرطوم عموم..
و قد التقى شقيقي حسن إحدى النماذج المقلدة ل( نجمات) التلفزيون بعد فراق دام ما يقارب العشرين سنة.. حيَّته فحياها.. لمست فيه شيئاً من فقدان الذاكرة فقالت في استنكار:- " أجي يا عمي حسن ما عرفتني ؟! أنا حلُّوم!" رد عليها في استنكار أشد:- " أعرفك كيف، و إتِّي متخفية وراء اللون الأبيض بالشكل ده؟"..
تلك كانت حكاية حلوم التي وصلت الخرطوم من ( الضهاري) قبل أشهر..
أما نعمة الباقر أحمد عبدالله فسودانية (حربية) متمسكة بسودانيتها بلا تبييض و لا رتوش.. تحدثتُ عنها شيئاً ما في مقال سابق بعد أن شاهدتها في ( اليو تيوب) تخوض الحُفر و مطبات الشوارع الترابية و الغبار يكاد يغطيها و المخاطر تحاصرها و هي تخوض غمار البحث عن الحقيقة على امتداد ( مملكة) الجنجويد المعتصمين و المغاضبين من النظام في عام 2008.. و مملكة الجنجويد هذه قطعة أرض مستقطعة من دارفور الكبرى ( رجالة و حمرة عين).. و لا دخول إليها إلا بتأشيرة من حميدتي أو من ينوب عنه..
ظلت نعمة تعلِّق على المشاهد و الأحداث، طوال الطريق، و سيارتها ترتفع و تنخفض و تتمايل ذات اليمين و ذات اليسار، ( و تجوجل بهم جاي و جاي جوجلان النبق في الطبق!) و ترتفع و تهبط في طريقها لبلوغ ( عرين) حميدتي.. و كنت أحسب نعمة إنجليزية المولد و النشأة و هي تتحدث الانجليزية بفصاحة بنت من بنات كمبريدج أو أكسفورد.. و سرعان ما فاجأتني حين تحدثت إلى بعض الأهالي بلغة بنت من أم درمان.. الله يا أم درمان..! كانت مبهرة! مبهرة حقاَ!
و نعمة الباقر وُلدت في السودان في عام 1978 و حُق لأبيها الاعلامي البارز د. الباقر أحمد عبد الله و لأمها الناشرة الاعلامية البارزة ابتسام عفان حُق لهما أن يفاخرا بأنهما قد وهبا البلد هذه البنت الفلتة..!
و قد تحصلت نعمة على بكالوريوس في الفلسفة من كلية لندن للاقتصاد. و عملت مراسلة صحفية لوكالة رويترز للأنباء في ديسمبر 2002 حيث قامت بتغطية النزاع الدامي في دارفور... و من ثم انضمت للقناة الرابعة في بريطانيا في عام 2005 .. و هي الآن كبيرة المراسلات ( سينيور ريبوتر) بالسي إن إن التي انضمت إليها رسمياً في 31 يناير عام 2011.. و كانت تعمل قبل ذلك مراسلة صحفية حرة Free Lance Writer.
و تقول ( القارديان) أن نعمة ( قادت) مجموعة السي إن إن التي قامت بتغطية أحداث اختطاف ( بوكو حرام) لطالبات المدارس في نيجيريا.. كما أجرت العديد من حوارات ذات قيمة إعلامية عالية قبل و بعد انضمامها للسي إن إن.. و قد كتبت تقارير عن داعش في معاقلهم.. و عن الصيادين، مهربي البشر من دلتا النيل بمصر إلى أوروبا .. وحاورت الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما حول اتهامه بالاغتصاب . و قامت بتغطية الحرب الأهلية في الصومال في يناير 2007.. إنها صحفية المهمات الصعبة..
نالت نعمة الباقر جائزة ( الجمعية الملكية للبث الاذاعي و التلفزيوني) التي تمنح للتقارير المميزة مهنياً.. و كانت على مقربة جداً من نيل جائزة ( صحفي العام)، حسب ما تقول صحيفة ( الأوبزيرفر)، بينما جاء في ( ويكيبيديا) أنها حصلت على جائزة أفضل صحفي في عام 2008..
و يقول استيوارت برفس، رئيس الجمعية الملكية سالفة الذكر و المدير التنفيذي السابق لقناة ( آي تي إن) :- " إنها الفائزة التي أعطتني فجوة عميقة للتفكير.." بينما يتساءل سايمون البوري، رئيس حملة المساواة في البث الاذاعي و التلفزيوني، يتساءل عن لماذا تتولى السي إن إن ( الأمريكية) رعاية نعمة الباقر ( البريطانية) و ليست إحدى محطات البث البريطانية..؟
إن سايمون البوري يغار على مواطنته نعمة ( المبهرة) أن تتولى رعايتها جهة غير بريطانية، طالما نعمة بريطانية الجنسية! ماذا نقول نحن الذين ينتمي أصلها إلينا..؟ إن خشمنا مختوم بشمع ( التمكين) و حمى التبييض في أ درمان و الخرطوم تشوه بيئة المقارنات عندنا.. فكيف نتكلم ؟ و ماذا نقول إذا تكلمنا؟!
فقط علينا أن نتساءل:- هل كانت نعمة ستحوز كل النجاح الذي حققته و السمعة الاعلامية العالمية التي نالتها بكفاءتها و كدها و جسارتها لو كانت في سودان ( الانقاذ)؟
قلتُ ذات يوم من أيام الغربة و كان رفيقي الشجن:- " طائرٌ ضيعَ الوطنْ.. في السُرى.. بل أضاعهُ.. في ذرى شبقٍ الوطن.. وطنٌ يذبحُ الجيادْ.. يفسحُ الدربَ للجرادْ.. كلما الفتى أجادْ.. كالَ فوقه الرمادْ.. و تولاهُ بالمحنْ.. وطني آهِ يا وطنْ!"
و ما نعمة الباقر سوى عينة من عينات الجياد الأصيلة.. و ما الكثيرات اللواتي يستعرضن بياضهن المزَوَر على قنواتنا التلفزيونية سوى عينات من الجراد ساري الليل..
يا أيها السودانيون انتفضوا على الفساد و التزوير في كل مكان داخل السودان.. انتفضوا.. يرحمكم الله!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة