|
نظرة حداثية في نشأة الدين (1) بقلم عبد المؤمن إبراهيم أحمد
|
فكرة المسيحوية والمهدوية هي مرحلة تطورية متقدمة في الفكر الديني. ظهرت هذه الفكرة عندما اتفقت آمال السماويات بأحلام الأرضيات. غير أن الدين مر عبر حقب طويلة وفي أشكال متعددة ليصير لما هو عليه اليوم. اليوم الكل في حالة انتظار لمسيح أو مهدي أو مصلح أو انسان كامل. ولكن قديماً لم يكن الأمر كذلك! وقد جاء في الأثر ان المنتظِر مثل العابد. فالدين قد أنزله الله أطوارا مثلما خلقنا أطوارا وجعل ختام فكرته الوجودية وعداً بيوم القيامة ونهاية التاريخ وبداية العالم الآخر. الدين ليس منشأه الأرض بل نزل من السماء عبر الروح وهي ما سماه القرءان بعملية النفخ الآدمي، وعبر النفخ الآدمي تطور وعي البشر حاملاً معه تلك البذرة النازلة من السماء لتنمو وتترعرع في الأرض حتى صار وكأن الدين منشأه الأرض كما قال الكثير من الماديين. الحي البدائي الأرضي الاول المتولد من اجتماع مواد كيميائية مختلفة ورث من اسلافه الافكار المحفوظة في حافظته. فإن قيل بعدم وجود اولئك الأسلاف فمن اين جاءت الافكار الاولى في تلك اللحظة الاولى (الوعي الأولي)؟ كيف تأتى للمادة ان تصنع الوعي والفكر؟ ان الجنين لا يرث من اسلافه مواد كيماوية فيما يعرف بالجينات المادية فقط وانما يرث معها عنصرها الجامع اللام لها الموجه لها وهو ما يعرف بالوعي. انه يرث مواد كيماوية مرتبة ومنظمة تنظيم حياة واعية وذكية. عليه على العلوم والفلسفة البحث في مجال الحياة. كيف تأتى لما هو مادة جامدة ان تدب فيه الحياة. وكيف اكتسبت الحياة الوعي وهل ظهرت الحياة من العفن بداية بالدود؟ لا بد ان تكون المادة لها عقل ووعي بدرجة ما، اصبح به ممكناً ان يتطور الى درجات اعلى من العقل والوعي. الخلق هو فعل ومعادلة في الزمان والمكان فيها ثابت ومتغير. ولقد تم خلق الانسان عبر اطوار وحقب سحيقة موغلة في القدم من الماء والطين، ثم من اللحم والدم، ثم الى التسوية والروح. فجمع الانسان بين فوقية الروح وتحتية الجسد، وجمع بين المعرفة الباطنة والوجود الظاهر الذي هو واحد عند المصدر كما هو واحد لدى الانسان. فالإنسان يبدو وكأنه مادة صرفة ولكن في حقيقته له بعد روحي. كذلك الوجود الإلهي يبدو وكأنه باطن محض ولكن له ظاهر. خلق الانسان يحاكي نمط الوجود الغيبي مترقياً عبر الابتلاء في الوجود المادي حتى صار مستوياً قابلاً للوجود غير المادي او قل لوجود مادي في مستوى آخر أكبر وأشمل وأوسع وأعمق فيما يعرف في الدين بالروح التي احتوت على اصول المعارف، فصار الانسان جامع لخلق وحق، جامع معارف روحية ومعارف مادية، فصار كوناً مصغراً. لكن هذا الكون المصغر لم يكتمل بعد لما اصابه من حادثات مما استدعى ضرورة اعادة خلقه من جديد. وجود العالم له غايتان عند ابن عربي، غاية وجودية حيث ان الله تعالى يرى نفسه في الوجود، وغاية معرفية حيث ان الله يعرف به نفسه ويُعرف به. منذ أن ظهر الإنسان العاقل ظهر ومعه مشاكله الوجودية ومعه الكثير من التساؤلات التي تبحث عن إجابة. وهذه التساؤلات تدل على جهل عظيم أحاط بوجود الإنسان الأول. ويبدو أن قد تمت الإجابة على هذه التساؤلات في وعي الإنسان من زمن بعيد "وعلم آدم الأسماء كلها"، ولكنا فقدنا كل تلك المعارف بعد أن فارقنا الجنة في فجر التاريخ البشري وصرنا لما نحن عليه اليوم من جهل باطني وجهل ظاهري. تقول الفلسفة الحديثة وتقول العلوم بأن هذا الجهل حالة طبيعية سعى الإنسان للتغلب عليها. ولكن بعض الفلسفة القديمة تقول خلاف ذلك مثل فلسفة افلاطون وكذلك معظم الفلسفة الدينية تقول خلاف ذلك. تقول بعض الفلسفة القديمة وبعض الأديان بأن الإنسان كان عارفاً ولكنه فقد تلك الصفة لأسباب معينة سماها الدين بخروج الإنسان من الجنة والهبوط وهي قصة مركوزة في الكتاب المقدس وفي القرءان الكريم وحتى في بعض المعارف الأخرى. عاش الإنسان منذ فجر تاريخه المسجل في غياهب الجهل وحاول جاهداً عبر تاريخه رفع ذلك الجهل العميق عبر السحر والتنجيم في محاولة للسيطرة على نفسه وتنمية قدراتها للسيطرة على الآخرين وعلى الطبيعة والسيطرة على عالم الروح الذي كان يشعر به في محاولة للسيطرة عليه وتسخيره. الجهل الذي عاش فيه الإنسان عبر تاريخه كان سببا في تحجر الكثير من الأديان القديمة (اديان ما قبل العهد القديم). لقد طمس جهل الإنسان النور الذي جاءت به تلك الأديان في الازمنة السحيقة حتى صارت تغلفها الخرافات والاساطير. وصارعت البشرية صراعاً مريراً ضد الجهل بشتى انواعه. وحتى الأديان الحديثة نوعاً ما لم تسلم من ذلك فقد طالها التغيير في الفهم والانحراف في التفسير والتركيز على نصوص بعينها على درجات متفاوتة. لذلك وبسبب أن الدين، بصورة عامة يشكل عامل أساسي في تشكيل وعي البشر، كان لا بد لنا من مناقشة الدين من منظور كلي شامل بهدف تقديم مقدمة لحلول كلية شاملة للمسألة الدينية. ان الإنسان الموجود اليوم ليس انسان حقيقي وانما مشروع انسان تحت الانشاء. انه انسان غير مكتمل، وسبب ذلك ان النسخة الاولى التي انحدرت منها كل البشرية القائمة اليوم كانت نسخة غير مكتملة. لكن عين هذا الإنسان مودعة فيه الروح والحيوية (منفوخة في وعيه)، لانه مازال هو امل العناية الإلهية ومركز اهتمامها وشأنها بالرغم من كل شيء. ان الإنسان هو الشأن الإلهي وهو مشروع الارادة الكونية التي تعمل لاكتمال الكون الذي لن يتحقق الا باكتمال مشروع الإنسان. وهذا الإكتمال هو ما عبرت عنه لاحقاً أشواق البشر المؤيدة بوحي السماء في فكرة المسيح العائد والمهدي المتظر.
منصات حرة مكتبة بقلم نور الدين محمد عثمان نور الدين
|
|
|
|
|
|