|
نريد قانوناً للرفق بالإنسان..! بقلم يوسف الجلال
|
غالبت خيالي، وصرعته أكثر من مرة، حينما أوهمني أن إحدى عضوات البرلمان قد جاءت إلى جلسة أمس الأول مرتدية معطفاً من الصوف، وسترة واقية من الجليد. بل زجرته تماماً، حينما صوّر لي أنها تحمل على يدها اليسرى كلباً من فصيلة نادرة، يكسوه الصوف، بذات الدرجة الحادثة في المعطف..!
نعم، توهمت كل ذلك، وفوقه الكثير. إذ أن الأخبار القادمة من البرلمان أشارت لإجازة "قانون الرفق بالحيوان" وسط جدل كثيف بين النواب. وربما لهذا تذكرت النائبة والمعطف الصوفي. نعم فالمشهد كله يوحي بأجواء أروبية غائمة، مع أن الأزمة السودانية حاضرة وقائمة.
رائع، فقد تكرمت الحكومة على الحيوان، بالرفق. واستنت قانوناً لضمان رفاهيته، وتفطنت إلى ضرورة تقنين وضعه، بعدما ضمن له القانون خمس حريات تتمثل في "عدم تعريضه للعطش – عدم تعريضه للجوع - حمايته من الخوف - عدم تعريضه لمؤثرات فيزيائية – منحه حرية التعبير عن سلوكه الحيواني". إضافة إلى بنود أخرى خاصة بتحديد عمل ساعات الحيوان. وظني أن هذا امر ممتاز، بل ممتاز جدًا، خاصة في ظل التعديات على الحيوان. أما أجمل من ذلك كله فقد فرض القانون عقوبات ضد منتهكي حقوق الحيوان، تصل إلى السجن والغرامة.
حسناً، فقلب الحكومة قد تملكته "الحنية"، لذا أرادت تثبيت حقوق الحيوان، التي أكدتها التشريعات السماوية. فقد أخبرنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن امرأة دخلت النار بسبب تعذيبها لقطة، وأخبرنا أيضا بأنه "في كل كبد رطب أجر"، وغيرها من الأحاديث الدالّة على الرفق بالحيوان. ويُحسب للحكومة أنها تبدو حادبة على تثبيت هذه الحقوق من خلال قانون ملزم للكافة، بل يعاقب المقصّرين في حق الحيوان، وهذه محمدة. لكن دعونا نُعاير الحقوق التي كفلها القانون الجديد للحيوان، ونرى ما إذا كانت متوفرة للإنسان الذي كرمه الله، أم لا، ولنبدأ بعدم تعريض الحيوان للعطش والجوع. وهنا سنجد أن بعض القاطنين بمحازاة النيل لا يجدون ماء في أكثرية الأوقات، دع عنك من يسكنون فيافي كردفان ودارفور. بل هناك من لا يملك قوت عامه، وهناك من لا يملك قوت يومه، بجانب ذلك، يغالب زمهرير الشتاء عارياً من ثوب يكسوه ولقمة تقيم صلبه.
عفوًا، فنحن لا ندعو لسلب الحيوان حقوقه، لكننا ندعو إلى استنان تشريع يعطي الإنسان مثل هذه الحقوق، التي تقي العطش والجوع وزمهرير الشتاء. أما زبدة القصة كلها، فهو أن القانون كفل للحيوان حق التعبير عن "سلوكه الحيواني". وهو عين ما يحتاجه الإنسان حالياً، للتعبير عن "سلوكه الإنساني"، على نحو ما كفله القانون للحيوان، لدرجة أن البعض – على سبيل الدعابة وغيرها – تمنى لو أنه حيوان غير ناطق، لكي يعبر عن سلوكه، في ظل انتفاء فسحة الحرية.
صدقوني مثل هذه القوانين، يتم سنّها بعد إرساء الحريات كاملة، وبعد تثبيت حقوق الإنسان غير منقوصة. انظروا إلى دول العالم الأول التي شرعنت لمثل هذه القوانين، تجدون أنها أنجزت كرامة الإنسان، وصانتها أولاً. ثم من بعد ذلك اتجهت لضمان حقوق الحيوان.
|
|
|
|
|
|