|
نجم لا (يأقل)! هاشم كرار
|
نجم لا (يأقل)! هاشم كرار
لو عاش كل شعراء الدنيا فقراء، لكانت الدنيا قد اتسعت اكثر، بالشعر النبيل.
بين الفقر والإبداع متلازمة.. أحمد فؤاد نجم كتب اجمل واطهر وأنبل أشعاره،
حينما كان يعبش على الخبز الحافي، هو والشيخ إمام، في مايشبه ( البدروم) في
اكثر احياء القاهرة فقرا ومروءة: ( حوش قدم) والتي تحولت باللهجة المصرية إلى
( حوش أدم) ومنها تحولت إلى حوش آدم!
أشعار نجم في ( حوش أدم) تكاد تقسم أنك كتبتها أنت بحر قلبك ونهنهة بكائك ودموع عينيك..
تكاد ترى فيها نفسك، في كل بيت.. وانت- كما نجم- مسجونا، ومعذبا، ومشردا، وفقيرا- في كل الأحوال- والقمر في استدارته، لا يذكرك إلا باستدارة الخبز المُشتهى!
الشاعر الذي لا يكتبني، من الغاوين..
الشاعر الذي يكتبني، هو الشاعر الذي كتبته أنا بمعاناتي وخيبتي وفقري وطموحي واشتهاءاتي وغربتي وحنيني.. حنيني إلى زمان الوصل بالنفس وزمان الوصل بالآخر، وزمان الوصل بالدنيا!
بين أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام متلازمة.. وبينه وبين أمل دنقل هم سياسي، ووجودي، ومسغبة- قبل ان ينتعش الاول ماديا-، والإثنان بهذا الثالوث، كانا معا فتنة الشعر: كلاهما ينافس ذاته وينافس الآخر،.. لكن أمل دنقل ينافس بالفصيح (العامي) ونجم ينافس بالعامية الفصيحة!
أستحضر الآن رواية للدكتور عبد العزيز المقالح: زار دنقل في الغرفة (8) في مستشفى القصر العيني، وكان الشاعر الفتان يأكله السرطان أكلا، وحين هم بالمغادرة دس في يده مبلغا ماليا، فماكان من دنقل إلا أن ابتسم فيما يشبه الرثاء لنفسه، وقال للمقالح قولا عجيبا- بحسب وصف الاخير: "شيل فلوسك ياصديقي. كنتُ اتمنى عُشر هذا المبلغ- ذات سنين- حينما كنتُ أقطع شارع عماد الدين- ذهايا وإيابا- كل يوم، بحثا عن صديق او معرفة، ليشتري لي سندوتش فلافل أو فول! ابتسم ذات الإبتسامة- مرة اخرى- ليقول: " انا الآن، في المستشفى، والمستشفى يقدم لى طعاما شهيا، وبالمجان، لكنني ممنوع منه، والأهم أنني..ماليش نفس!
(كملت اللقمة) ومات دنقل- كما عاش- جائعا، وهو الذي ظل يطعمنا اطعم الشعر، وأشهى الشعر بالفصيحة العامية!
نجم- أيضا- (كمُلت لقمته) غير أنه مات( شبعانا). هو فقير لكنه ارتبط ببيوتات عريقة ومترفة، وتلك واحدة من التناقضات الكثيرة في شخصيته، والتي من بينها أنه (حشاش) لكنه درويش!
لا أعرف. لكني أتصور أن لا أحدا من أصدقائه، دس في يده، وهو في مرضهمبلغا ماليا. لو كان، لكان قد ابتسم- ليس في رثاء لنفسه- ليقول: شكرا، ماعندي يكفيني، وبرضو اللي.. فيني!
حين دسه أحبابه، في شبر من التراب، لم أكن حاضرا.. لو كنتُ، لكنت قد قلتُ- وأنا على حافة وداعه الأخير- هذا (نجم) لا.. لا يأفل.. الشاعر الحق، يظل يتلألأ.. يسطع، كما كل النجوم!
|
|
|
|
|
|