/ 9 ديسمبر 2015م هناك برامج تلفزيونية سودانية يحرص الناسُ بمختلفِ قطاعاتِهم على مشاهدتِها. أقصد تلك التى يُستضاف فيها نجوم السياسة والفن والمجتمع، حيثُ يتم مواجهتهم فيها بما يشبه "الإستجواب" من مقدمِى البرامج. فيقوم الضيف بإقرار الأخطاء، وإفشاء بعض الأسرار التى إحتفظ بها خلال مسيرته المهنية، أو الوظيفية أو السياسية، والإفراج عنها وجعلها مِلكاً عامَّاً.من أهم تلك البرامج ذات "الكرسى الساخِن" فى زمنِنا هذا: برنامج "نادى الإعترافات" الذى يقدِّمُه الإعلامى الأستاذ/عادل سيد أحمد (قناة امدرمان). وبرنامج "بمُنتَهى الصراحة" الذى يقدِّمه الإعلامى الأستاذ/ خالد ساتى (قناة الخرطوم). وبرنامج آخر لا يقلُ قيمة ولا يختلف نوعَاً هو الذى كان يقدِّمَهُ الإعلامى الشاب الأستاذ/ هيثم كابو.والذى أنا بصدَدِه الآن هو "إصلاح المُفردات والمفاهِيم" التى نستخدمها لجِهة تطوير مردُودِنا الإعلامى. خاصّة أنَّ قنواتَنا هذه فضائية، ويشاركنا المشاهدة ليس السودانيون فقط، ولكن كلّ العالم. لذلك يجب علينا أن نكونَ فى حالةِ تطوير وإصلاح مُستمر لبلوغ الكمال. ويجدُر ذكر أنَّ هذا النوع من البرامج "التحقِيقية" عَرّابُها فى السودان هو الأستاذ الكبير/ أحمد البلَّال الطيِّب، منذ برنامجه الشهير" لو كُنتَ المسئول" الذى قدَّمه فى عهدِ الرئيس الراحِل جعفر نميرى، وكان الأفضل، والأكثر جاذبية على الإطلاق.أدخل إلى لُبِّ الموضوع لأقول أنَّ هدف هذه البرامج التلفزيونية هو أنْ يقِرَّ الضيف بخطأ أتاه، أو أن يذيعَ سِرَّاً أخفاه فى صدرِه حيناً، خلال مسيرته. ولكن هذا الهدف لا يمكن تسْمِية السبيل إليه وإستخلاصه (إعترَافاً!). ومُهم جداً إيراد أنَّ جميعَ الذين يقدِّمُون هذه البرامج يستخدمون كلمة"إعتراف" (سِنَّارَةً) لصيدهم الأسرار والإقرارات فى خِزنِ ضيوفِهم، وإستجداءِ التسريب والبوح فى أغوارِ أفئدَتِهم. والخلل الذى ازمعُ إصلاحه هو ذات الكلمة المُفتاحِيَّة التى يستخدمها مقدمى هذه البرامج جميعهم بلا إستثناء وهى كلمة "إعتِرَاف"!.لا يجُوز مُطالبة ضيوف البرامج وهُمّ رجال عُدول وشخصيات عامَّة بـ"الإعتراف"، لأنَّ الإعتراف لا يكون إلا بذنبٍ أو جُرم! وضيوف هذه البرامج ليسوا مجرمين ولا خارجين على القانون. بل هم نساء ورجال أفاضِل من عِليةٍ القوم، وذرْوَةِ سِنامِ مجتمعنا. وأنّ هذه البرامج ليست محاكِم جنائية، ولا مقدِّمِيها قُضاةٌ عُدول.الإعتراف، أفادَكُم الله، لا يكون إلا بإرتكاب ذنبٍ أو جُرمٍ (جِنَايَّة)، ولا يُدْلَى به إلا ضِمن إجراءات جنائية خاصة ودقيقة، تبدأ أمام الشرطة الجنائية، ثمَّ يستوثق منها ومن طوعِيّة الإدلاء به أمام النيابة الجنائية المختصة. ثم يؤخذ الجانى "المُعتَرِف" إلى قاضى الجنايات المُختص ليُدلِى بإعترافه أمامه بعد أنْ يشرحَ له القاضى مآلات ذلك، والتأكد من أنَّ المشتبه به (المُتَّهم) يقومُ بذلك عن طواعيةٍ وإختيار. لأنَّ الإعترافَ سيِّد الأدِلّة، ويمكن أنْ يؤسّسَ عليه الإدانة والعقاب دون إسنادِها بأدِلّةٍ "تعضِيضِيَّة". الهدف من وراءِ تلك البرامج التلفزيونية ليس أن يُدْلِى أولئك الضيوف الكرام بإعترافات عن جرائم إرتكبُوهَا (Confessions)، حاشاهم طبعاً. لكن الغاية هى أن يفرِجَ الضيف الكريم "To release" عمّا حَفَظهُ فى سِرِّه. أو أن يعلنَ عن خطأ أتاه ويريد أن يتوبَ منه، لأنَّ الإنسان كائن غير معصُوم، ويتوافق ذلك مع الحديث الشريف: (كل إبن آدمَ خطّاء، وخيرُ الخطّائين التوَّابُون). إذاً، المطلوب من الضيف الفاضِل أنْ "يرْشَحَ، يسرِّبَ Leak" معلومات أتيحت له بحُكمِ عمله، أو منصبه أو الموقع الذى شغله، أو ما زال يشغله. وغاية هذه البرامج ليس "تجريم" الضيف وجرِّهِ إلى "الإعتراف" بذنبٍ جنَاه. ولكن الغرض هو مؤانسته و(تحرِيضِه) لحَفزِه على "البوحِ" والإفراج، وكشفِ القِناعِ والتسريب ونحوه مما يُسَّلِى الناسَ ويُحفِزهم على الإدلاءِ بمعلوماتٍ و"أسرار" لم تكن معلومة ومملوكة للناسِ. أو ليُقدِّم تبريراً لتصرفٍ او عمل قام به الضيف وقت ولَايتِه لمنصبٍ عام فى الدولةِ أو المجتمع، و رأى من المناسبِ أنْ يجعله مِلكَاً عامّاً "Public Domain".كما لاحَظتُ على الأساتذةِ مُقدِّمِى هذه البرامج أنَّهم يصلون بالبرنامج إلى قِمَّة حرارَتِه عندما يذهبون بالضيف إلى حيث يجب ان يُسجِّلَ "إقراراً" بواقِعة "Admission"، أو الإفراج عن سِر أو البوحِ به. أو تسريب معلومة كانت فى طىِّ الكِتمان، وهو ما ينتظره المشاهد ويحجز مقعَده باكِراً أمام التِلفاز. ولكن، يبقى الخطأ فى تسمِيةِ ذلك"إعترَافاً". خُلاصَة القول أنَّ الإعترافَ لا يكون إلا بجريمة أو ذنب إقترفه جانِى أو مُذنِب. ولا يُدْلَى به إلا لجهة جنائية/ قضائية، ويختص بقبوله وتدوينه قاضى جنايات بعد تبليغ "المُعْتَرِف" بما سيترتَّب على إدلاءِه بالإعتراف. ثم أن الإعتراف يجب أن يُدْلَى به طواعِية، دون إغراءٍ أو إكراه.وهو ذات المعنى الذى جاء فيه قولُ المولى عزَّ وجلَّ فى سورةِ المُلك الآية(11): (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ). إذاً، الإعتراف قرِينُ الذنب، ومصير المُعترِف بالذنب أنّه من أصحابِ السعير. ونربَأ بضيوفِنا الكرام رموزِ مجتمعنا الفاضِل أن يُوْصَمُوا فى هذه البرامج "نادى الإعترافات" و"بمنتهى الصراحة" وغيرها بأنَّهم "مُجرِمُون" يدلون بإعترافاتٍ جنائية. وأنَّهم سيُخرَجُونَ من هذه الدنيا إلى نارِ جهنَّم يصلونها سعِيراً! وإحتِرتُ فى أمرٍ فكّرُت فيه كثيراً: هل لهذهِ القنوات الفضائية السودانية إدارات متخصِّصة تتدَارس هذه المسائل لإجازتِها قبل عرضِها للجمهور وتلقينِهم هذه الدُروس مُختلّة القواعِد؟ مثلاً: قبل أجازة برنامج "نادى الإعترافات" لتقديمه فى (قناة ام درمان) التى يملكها أعلامى كبير بخِبرة عالية هو الأستاذ/ حسين خوجلى، هل تمُرّ هذه البرامج بمعامل فنية لصقِلها؟ و وِرَش عمل قانونية لتقلِيبِها على وُجُوهِها، ثمَّ إجازتِها ؟وهل تتوافر هذه القنوات التلفزيونية الفضائية على إدارات قانونية فى الأساس؟ أم أنها تقدِّم هذه البرامج هكذا لتسُوق الشعوب كالأنعام ضِمن ظُلماتِ مشروع الكيزان(الحضارى)؟. وبالنتيجة، وفق هذه "البرامج"، يكونُ كلَّ "أيقوناتنا" الوطنية فى المجالاتِ المختلفة "مُجرِمين" ومُذنِين؟ ليلعَب معهم مقدمى البرنامج الأساتذة/ عادل سيد أحمد، وخالد ساتى، وهيثم كابو..إلخ دور"مُنكر ونِكير" فى تحقيقاتٍ مُغرِضة، وإستجواباتٍ فَجّة لإنتزاعِ "إعترافات" منهم بشقِّ الأنفس؟.. أمّا الذين يستحقون نزع الإعترافات منهم فيعرِفهم الشعبُ السودانى جيِّدَاً.تَبقّى عرض برنامج آخر من الفضائياتِ السودانية (ليتمّ الناقصة) حول تشيِّيع رُموزِنا الوطنية المُنتزَع منهم (الإعترافات) إلى جهنمَ زُمَراً! فسُحقَاً لأصحابِ السعير؟.أرى أن تُراجعَ مثل هذه المسائل "المفاهِيميَّة"الضرورية لتنقيةِ مواعِيننا التثقيفِيَّة والتنويرية مِمَّا حاقَ بها من شوائِب يجب تصحيحها وتجويدها حتى لا يضحك علينا الناس.(نواصل فى جزءٍ ثانى مواضيع إصلاح مفاهيمِى أخرى) أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة