|
نائب الرئيس السابق ... وممارسة أدب إياك أعني واسمعي يا جارة !! عباس فوراوي
|
بسم الله الرحمن الرحيم
في حوار صحفي أجرته معه صحيفة آخر لحظة ، قال الدكتور الحاج آدم يوسف نائب رئيس الجمهورية السابق أن كثيراً من الصراعات التي حدثت بدارفور قبلية ، وشاركت فيها قوات منتسبة لقوات نظامية ، وهي قوات مفترض أن تكون منضبطة ، وهذه مسألة خطيرة جداً ومؤشر خطير ، أضاف أيضاً : هذه القوات ولولا وجود هذا النوع من العناصر لما استمرت الحرب . عندما سئل سيادته عن الحل قال : الحل يكمن في حسم هؤلاء المتفلتين والحسم يكون للقوات المسلحة ، يعني الأمن في دارفور يمكن أن يستتب اذا صار الأمر كله بيد القوات المسلحة ، وأن تأتمر القوات الموجودة في دارفور بأمر القوات المسلحة ، بما فيها قوات الدعم السريع ، وعند سؤاله عن هل يقصد تسريح هذه القوات ، رد سيادته بالنص ( أنا لا أقول تسريح القوة لكن يجب أن تكون تحت امرة القوات المسلحة ، وأن تنضبط انضباطاً صارماً تحت لواء القوات المسلحة كل القوات ، الأمن ، الشرطة ،، الدعم السريع ، حرس الحدود ، الدفاع الشعبي ) . سؤالنا المباشر ، ما هي الرسالة التي نوى وهمَّ الدكتور الحاج آدم يوسف ، نائب رئيس الجمهورية السابق بايصالها عبر الاعلام لجهات الاختصاص ، أو لمن يهمهم الأمر ، وعجز عن ايصالها عبر القنوات الكثيرة المشرعة أمامه كقيادي غير عادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، ونائب سابق لرئيس الجمهورية ، وفاعل وتارك في السياسة السودانية !!؟ وكما وصفه الأستاذ أسامة عبدالماجد في مقدمة الحوار بالنص ( الرجل من القلائل جداً الملمين بتفاصيل ما يجري في المسرح السياسي الذي بات متقلباً ومتغيراً حاله ، بصورة تخلق حالة من الارتباك ، وأن الرجل واضح جداً ، ولا يشكو من قلة المهام بعد مغادرته القصر الرئاسي ) !!؟ نعم ماهي الرسالة بالضبط ، وهل من مقارنة أو مقاربة لذلك ، بما صرح به الامام الصادق المهدي قبلئذٍ بشأن قوات الدعم السريع حصرياً ؟ الدكتور الحاج آدم يوسف أتى شيئاً قريباً جداً من الذي أتاه الامام الصادق المهدي – حسب اعتقادي – فقد وصم السيد آدم كل القوات شبه النظامية بالقوات المتفلتة ، وغير المنضبطة ، وطالب بحسمها بواسطة القوات المسلحة ، ولعل العسكريين بالتحديد يدركون ما معنى أن تكون هناك قوات تحمل السلاح ، وتمارس التفلت وعدم الانضباط ، الذي هو الفوضى ، وربما العوث في الأرض فساداً وافساداً بالمعنى المخفف للمسألة . من الجانب الآخر فقد رمى الامام الصادق قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم في جنوب كردفان ، وتعرض بسبب ذلك للاعتقال والحبس بتهمٍ ، كادت أن تلف حبل المشنقة حول رقبته ، لولا تدخل بعض المتطوعين في الأرض من الوسطاء ، ومن منا لا يدرك العلاقة ا########دة بين التفلت وعدم الانضباط ، وممارسة الموبقات بارتكاب الجرائم ؟ . من الواضح جداً أن السيد آدم قد أكد - وهو العالم ببواطن الأمور - أن الأمور لن تستوي على سوقها في دارفور ، طالما أن القوات المقاتلة هناك لا تأتمر بأمر القوات المسلحة ، ولا تعمل تحت بصرها وتوجيهاتها ، خاصة قوات الدعم السريع – كما تطوع بالافادة - والتي نعلم جميعاً بأنها قوات مفترعة من جهاز الأمن والمخابرات الوطني ، أي قوات شبه نظامية يقودها نظامي . هذا يقودنا للسؤال الأهم ، وهو لمن تأتمر هذه القوات المساعدة للقوات المسلحة اذن ( الدفاع الشعبي – حرس الحدود ) ان لم تأتمر للقوات المسلحة ، صاحبة الحق الأصيل في ادارة دفة الحروب في البلاد !!؟ . ليت السيد الحاج آدم اكتفى بذلك ، وحصر المعضلة داخل ملكوت قوات الدعم السريع فقط ، واجتهد في المعالجة ، ولكنه أقحم مؤسستين أمنييتين تاريخيتين ، راسختين في مجال العمل الأمني القومي السوداني ، داخل عالم هذه الجوقة المسلحة المكونة من قوات الدفاع الشعبي ، وقوات حرس الحدود ، بجانب قوات الدعم السريع ، مع احترامنا الكامل لعطائها وبذلها الذي يختلف الناس ويأتلفون حوله . أقحم الرجل قصداً جهازي الشرطة السودانية ، والأمن والمخابرات الوطني اقحاماً قسرياً ، بل ساواهما بقوات فرعية ذات أعمار محدودة ، ينتهي مفعولها بانتهاء المهمة التي أوكلت لها ، أو زوال النظام الحاكم الذي يرعى ، ويحتوي شؤونها العامة أيهما سبق الآخر صنوه . هل يا ترى لا يدرك الرجل بأن المؤسستين العريقتين ، تتمتعان بأسباب البقاء القانونية ، والدستورية ، والشرعية التي أقلها بأنهما قوتان نظاميتان ، كاملتا الدسم ، لهما واجباتهما وأهدافهما ، والتزاماتهما الأخلاقية ، والسلوكية الانضباطية الخاصة ، وتشتركان معاً بالأصالة في الاضطلاع بحماية الدستور ، جنباً الى جنب مع الضلع الأمني الوطني الثالث القوات المسلحة ، بل تشترك هذه الأجهزة الثلاثة في تولِّي مسؤولية حفظ أمن الوطن والمواطنين والنظام العام بالتضامن والانفراد ، عبر التنسيق القانوني والأمني ، وليس عبر الدمج العشوائي المخل ، والانقياد الأعمى ، اللذين تحدث عنهما نائب الرئيس السابق . لقد تمنيت والله على الرجل أن يتحدث بكل صراحة ووضوح ،عن الأداء السلبي للقوات المساندة للجيش ، والأمن بدارفور ، مع الحلول الناجعة من داخل أجهزة وآليات اصدار القرارات ، التي منها مجلس الأمن الوطني والمجلس القيادي للحزب الحاكم وليس عبر وسائط الاعلام ، بحسبان أن مثل هذه الأمور من ذوات الألوان والخطوط الحمراء ، القانية اللون . لن يتحرج أحدٌ اطلاقاً من نعت الرجل ، بأنه يحاول أن يلتف على الحقائق ، أو يلمح لحقائق يعلمها وينزوي خلف الحجب والسُّتُر ، تاركاً الآخرين يبحثون عن مواطن الخلل اجتهاداً قد يصيب وقد يخطئ ،. الرجل ومن خلال أبواب المثل السائر القائل ( اياك أعني واسمعي يا جارة ) ، دخل الحلبة مخاطباً حال قوات شبه نظامية حددها بالاسم ، وذكر اسمها ضمن قوات أخرى أصيلة راسخة ، ومعلومة الأغراض والأهداف والواجبات والالتزامات ، في شئ من التعميم المخل ، وهو أدب قديم متعارف عليه منذ عهد صاحبه ، الشاعر سهل بن مالك الفزاري ، الذي عجز خوفاً عن مصارحة شقيقة النعمان - سيد قبائل طي - بحبه وهيامه بها فأنشد ( يا أخت خير البدو والحضارة * اياك أعني واسمعي يا جارة ). لو خصصنا هدفاً معيناً وسألنا الرجل هنا ، ما دخل الشرطة في كل هذا ؟ ما هي الصور غير الانضباطية التي لاحظها على أداء أهل الشرطة في دارفور ؟، وما هي نوعية التفلتات التي بدت من خلال ممارسة أفرادها لعملهم الشائك هناك ، والتي تستدعي جرعة انضباطية ناجعة وصارمة من أهل الجيش !؟ الشرطة هي الشرطة في أي زمان ومكان، لها قوانينها التي تحكم انضباطها ، وأداءها ومهنيتها منذ أكثر من قرن من الزمان ، ولها واجباتها والتزاماتها عند نشوب الحروب الخارجية والداخلية ، ولم نسمع طيلة فترة حرب الجنوب التي جاوزت الخمسين عاماً ، أن الشرطة كانت تعمل تحت امرة القوات المسلحة ، وعبر قوانين القوات المسلحة ، ولكنها كانت تعمل بتناغم وتنسيق تامين معها ، منذ كان جهاز الأمن الوطني جزءً من اداراتها والى الآن ، عبر لجان الأمن العديدة الصاعدة من المحليات ، مروراً بالولايات ، وانتهاءً بمجلس الأمن الوطني الذي يرأسه رئيس البلاد ، الذي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ، والقائد الأعلى للشرطة ، وبالطبع المسؤول الأول عن جهاز الأمن والمخابرات الوطني !! فما الذي استجدَّ الآن !؟ بالرغم من عمومية النص القانوني الوارد في قانون الشرطة ، والغير موجود في قانون القوات المسلحة ، والذي أرجِّح بأن نطاق تطبيقه ينحصر في حالة العدوان الخارجي فقط ، فانَّ من حق رئيس الجمهورية أن يصدر قراراً مصاحباً لاعلان الطوارئ بسبب الحرب ، يقرر بموجبه اخضاع قوات الشرطة للقانون العسكري ، لتصبح جزءً أصيلاً ، وليس تابعاً للقوات المسلحة ، وبنفس الحقوق والواجبات والامتيازات ، ولكن هل يستدعي الأمر الماثل بدارفور الآن كل هذا ، مع افتراض أن جل أسباب الحرب هناك مشاكل قبلية ، وصراع على الماء والكلأ ، وبعض مرارات التهميش ؟ .دون اجابة على هذا السؤال ، فان الواضح أن الدكتور الحاج آدم يجهل كل شئ عن عراقة ومثالية ، ورسوخ أقدام الشرطة السودانية كمؤسسة أمنية واجتماعية وخدمية رائدة ، فالشرطة في مجملها ليست قوات الاحتياطي المركزي ، التي تقاتل بشراسة بجانب القوات المسلحة ،لاستتباب الأمن في تلكم الربوع ، ولكن الشرطة هي عدد ضخم من الادارات والوحدات المدنية ، التي تخدم العباد والبلاد والمجتمع عامة ،عند الحرب وعند السلم ، مثل الجمارك والحياة البرية، والدفاع المدني ، والجوازات والهجرة ، والسجل المدني ، والسجون والاصلاح ، وهي الشرطة الجنائية ، التي بدونها تتعطل أعمال القضاء والنيابة والعدالة ، وتذهب حقوق الناس هدراً ، ونهباً بينهم بالباطل ، والشرطة أخيراً وليس آخراً ،هي مراكز ونقاط الشرطة المنتشرة في كل بقاع السودان وأحراشه ، والتي تسعى وتعمل لحفظ الأمن العام ، والصحة العامة ، والنظام العام حتى وسط المتقاتلين ، والمتحاربين أنفسهم داخل دارفور ، وجنوب كردفان ، وجنوب النيل الأزرق ، وهي التي تتعامل مع المتهمين كمشتبه فيهم قابلين للبراءة والادانة القانونية ، فكيف تتحول الى قوات أخرى تتعامل مع المتهم كأسيرحربٍ ، ومع الأموال المضبوطة كغنائم حربية داخل الوطن الواحد ؟؟ . الدكتور الحاج آدم يوسف – مع تقديرنا له - تدرج في وظائف الانقاذ طيلة ربع قرن من الدهر ، وتقلب في حرير وسرر نعيمها والياً ، ووزيراً اتحادياً ، ونائباً لرئيس الجمهورية ، ولم يكن بعيداً عن قرارات التمكين السوداء ، التي وطدت ورسخت لحكم الانقاذ الشمولي السائد الآن، فلماذا يبدو وكأنه غريب الوجه واليد واللسان ، في ملاعب المنظومة الحاكمة !!؟ عبارات الرجل وتصريحاته وردوده تعبر عن آراء شخصية عاطفية بحتة ، تحكي عن أوجاع مواطن دارفوري عادي ، بعيد عن مراكز القرار والقيادة الفاعلة ، على عكس ما وصفه به محاوره الصحفي في مبتدأ هذا الحوار ، بأنه من القلائل جداً الملمين بتفاصيل ما يجري في المسرح السياسي ، وأنه لا يشكو قلة المهام بعد مغادرته القصر الرئاسي !!! سبحان الله !! اذن ماهو التعريف اللغوي والاصطلاحي لعبارة ( قلة المهام ) ، إن لم يكن ما قام به سيادته ، هو عين ( قلة المهام ) أو بمعنى أدق ( قلة الشَغَلة )!!.
|
|
|
|
|
|