الجيش السوداني حَمل أوزار الساسة والسياسة في السُّودان منذ ما قبل الاستقلال، من لحظة اندلاع التمرد في أغسطس 1955، وظل يخوض حرباً طويلة في أحراش الجنوب إلى أن وضعت أوزارها باتفاق السلام في نيروبي عام 2005م. لكنه لم ينعم بالراحة، قدر الله أن يندلع حريق دارفور ثم المنطقتين ليستمر حمل الواجب المقدس من أجل الحفاظ على أمن البلاد وسلامتها.. فكأني بالجيش السوداني خاض حرباً امتدت حتى الآن (62) سنة مُتواصلة. الآن في ظل الحاجة الماسة لإعادة هيكلة الدولة السودانية، نطرح السؤال المصيري، عن العلاقة (الدستورية) بين الجيش والسلطة، أي البحث في مُعادلة تحفظ للمؤسسة العسكرية وضعاً دستورياً معترفاً به ومتفقاً عليه. هذا السؤال لا يبدو مهماً حالياً لأن رمزية الرئيس البشير العسكرية توفر إجابة عملية.. وكذلك الحال في كل العهود السياسية التي كان لأحد أبناء المؤسسة العسكرية شرف تسنم قيادة البلاد، بالتحديد المشير جعفر محمد نميري والفريق إبراهيم عبود. لكن في حال أسند في المستقبل لشخصية مدنية قيادة البلاد فما هو الوضع الدستوري للمؤسسة العسكرية في القرار السياسي والسيادي؟ الأمثلة إقليمياً ودولياً متوفرة ومتنوعة، لكني أرى أن يؤسس الدستور جسماً سيادياً أعلى يضم الجيش والقوات النظامية الأخرى بجانب ممثلي السلطات الثلاث، التنفيذية ممثلةً في القيادة المدنية المنتخبة للبلاد والتشريعية والقضائية، لتكوين مؤسسة قادرة على توسيع قاعدة القرار الوطني في القضايا المصيرية الكبرى. الدستور سيوضح تفاصيل السلطات والقرارات التي تخضع لهذه المؤسسة السيادية العليا وغالباً لن تخرج عن المدى الذي يوفر قراراً وطنياً متماسكاً ومتفقاً عليه عند كل القوى الفاعلة.. مثل إعلان الحرب، والطوارئ، والكوارث الطبيعية (السيول والفيضانات مثلاً) أو المصنوعة (المجاعات أو الاضطرابات الأمنية مثلاً)، وتصادم السلطات الثلاث (التنفيذية – التشريعية - القضائية)، الملفات الاستراتيجية مثل السياسات الخارجية، والخطط الاستراتيجية، وملفات المياه والهجرة وغيرها.. عانت البلاد كثيراً من تعاقب دورات الحكم العسكري والمدني، والحيثيات التي ذكرت في كل البيانات العسكرية (البيان رقم واحد) لجميع الانقلابات العسكرية الناجحة والفاشلة كانت تتركز في الفشل السياسي وانزلاق البلاد إلى هاوية سحيقة بفعل العبث السياسي واضمحلال الرؤية السديدة عند القيادة السيادية المدنية.. ووصل الأمر في فترة تاريخية أن طلبت القيادة السياسية وألحت على القوات المسلحة أن تتدخل لحسم الصراع السياسي الخطير الذي جعل البلاد على شفا جرف هار (انقلاب الرئيس إبراهيم عبود). من الحكمة أن نؤسس لمستقبل مستقر سياسياً باستيعاب كل القوى الفاعلة في مُعادلة الحكم والقرار الوطني.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة