|
مُجَمَّعٌ سياسي بلباسٍ فقهي بقلم / نوري حمدون – الأبيض - السودان
|
مُجَمَّعٌ سياسي بلباسٍ فقهي بقلم / نوري حمدون – الأبيض - السودان
= جاء في الأخبار 23/11/2013 : ((اختتم مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي اجتماعة الذي عقد في جامعة محمد بن سعود الاسلامية باصدار بيان اكد فيه حرمة تكفير أي فئة من المسلمين. )) . = و بزيارة موقع هذا المجلس على الشبكة العنكبوتية نجد أنه {{ تأسس مجمع الفقه الإسلامي الدولي تنفيذا للقرار الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث "دورة فلسطين والقدس" المنعقد في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية في 28 يناير 1981م . و أعضاؤه من الفقهاء والعلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لدراسة مشكلات الحياة المعاصرة بهدف تقديم الحلول النابعة من التراث الإسلامي . و يبلغ عدد الدول المشاركة بالمجمع ثلاث وأربعون دولة من بين سبع وخمسين دولة }} = و بهذا يتضح الأمر الأول و هو أن مجمع الفقه الإسلامي الدولي هو منظمة سياسية تتبع للمملكة العربية السعودية و لكن بلباس فقهي . و نستطيع أن نتخيل المنطلق الفكري و الأرضية الفقهية للمجمع و هو الفكر السني عموما و الوهابي على وجه الخصوص . و واضح أن الدول التي لم تنضوى تحته لغاية الآن هي ما يمكن تسميته دول الهلال الشيعي . فالمجمع إذن واحدة من الأدوات المستعملة في الصراع الدائر الآن بين الطائفة السنية و الطائفة الشيعية . الأبعاد المذكورة أعلاه تفسر بجلاء لماذا جاء البيان ( محل البحث ) مليئا بالمفارقات الفكرية و الفقهية . = يقول البيان أنه ((أكد على حرمة تكفير أي فئة من المسلمين)) . إن أصحاب العقيدة الواحدة أو الفكر الواحد لا يتهمون أو يقتلون بعضهم البعض .. هذه بدهية لا أحد بمنكر لها . لكن , العبارة الدقيقة في إعتقادنا هي أن المجمع (( أكد على كراهة تكفير أي مسلم )) . حيث أن النصوص القطعية للإسلام تخلو من الإشارة الى هذه الحرمة المزعومة . النصوص لم تأمر بالتكفير و لم تنهي عنه و لم تنسبه للمسلم لا من قريب و لا من بعيد . و كل ما تقوله هذه النصوص القطعية أن التكفير من خصائص المولي عز و جل لأنه يعلم السر و أخفى . أما قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً )) (النساء:94. فمتعلق بحالة حرب المشركين المعتدين و ضرورة التثبت عند قتالهم . و يدعم هذا الإتجاه أن بعض النصوص الظنية من القرآن و السنة تشير الى أن تكفير المسلم من المكروهات . حيث أن الدليل إذا كان ظنيا كان الحكم المستنبط منه هو (المكروه) أو (المندوب) . بينما التحريم أو الفرض , بحسب أصول الفقه لا يتم إلا بدليل قطعي الثبوت و الدلالة معا من القرآن أو السنة . و أرجو أن أحيل القارئ هنا الى أي كتاب في (أصول الفقه) . = و يمضي البيان الى القول : ففي موضوع الحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية، اتخذ المجمع عددا من القرارات منها، تحريم تكفير أي فئة من المسلمين تؤمن بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وتؤمن بأركان الإسلام، وأركان الإيمان، ولا تنكر معلوما من الدين بالضرورة ، وحرمة دماء المسلمين باختلاف طوائفهم، وتحريم الاقتتال بينهم مطلقا. = فنفهم أن سبب حرمة التكفير ليس (الإسلام) فقط , و إنما أيضا عدم إنكار معلوما من الدين بالضرورة . و الكل يعلم ما هي أركان الإسلام و ما هي أركان الإيمان . أما المعلوم من الدين بالضرورة فهذا مصطلح فقهي تم إستغلاله من قبل السلاطين و الخلفاء للبطش بمخالفيهم مثل أبن حنبل و أبن المقفع و غيرهم . و معلوم أن الشيعة لا يعترفون بالخلافة – و هي من المعلوم من الدين عند السنة بالضرورة – و ينادون بدلا عنها بولاية الفقيه التي تعد عند الشيعة من المعلوم من الدين بالضرورة . و قد ذكر كثير من العلماء و منهم فضيلة الشيخ/ د. أحمد النقيب (في موقع ملتقى أهل الحديث) أن {{ المعلوم من الدين بالضرورة يختلف ويتفاوت باختلاف الأزمنة والأمكنة والطوائف}} . و رغم أن النص أعلاه في ظاهره يحرم التكفير إلا أنه يجيز تكفير من ينكر معلوما من الدين بالضرورة . و هذا هو المقصود (سياسيا) من صياغة البيان . فالبيان يقول أن التكفير الجائز هو تكفير المنكر للمعلوم من الدين بالضرورة . و كان المفكر السوداني محمود محمد طه قد أعدم بتهمة الردة و إنكار معلوم من الدين بالضرورة في 18 يناير 1985 . = و يدعو البيان الى : حرمة دماء المسلمين باختلاف طوائفهم، وتحريم الاقتتال بينهم مطلقا. = و أعضاء المجمع قطعا يريدون منع القتل بدون سبب . لأن الإسلام يمنع القتل بغير سبب , و لكن الإسلام من ناحية أخرى يبيح العدوان على الظالمين لوقفهم و ردعهم . جاء في سورة البقرة {{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىand#1648; لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ and#1750; فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ and#1754; فَمَنِ اعْتَدَىand#1648; عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىand#1648; عَلَيْكُمْ and#1754; وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}} كما ان القرآن يأمر بقتال الفئة الباغية بين فئتين من المسلمين إقتتلا حتى تفئ الفئة الباغية الى أمر الله . فقد جاء في سورة الحجرات :{{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }} . ليس في الإسلام تحريم مطلق للإقتتال . و هذا ما جعل الصحابة يقتتلون في الخلافة الراشدة فيما عرف بالفتنة الكبرى قتالا دمويا شديدا تزعمه من ناحية على ابن أبي طالب (رض) و من ناحية أخرى السيدة عائشة (رض) . و هذا هو أيضا ما جعل السعودية في العصر الحديث تقاتل الحوثيين عند حدودها الجنوبية و جعل كافة دول الخليج تحرك (درع الخليج) للقضاء على الربيع العربي في دولة البحرين . ثم نجد صدى كل ذلك في الإقتتال الجارى الآن في سوريا بين طوائف الوهابيين و الأخوان المسلمين من ناحية و طوائف العلويين و حزب الله من ناحية أخرى ؟ = ثم يمضي البيان الى القول : كما اكد المجمع على وجوب احترام أمهات المؤمنين والصحابة وآل البيت من جميع أتباع المذاهب الإسلامية، وعدم الإساءة لهم وانتقاصهم بطعن أو تجريح. = المسلمون كافة في مشارق الأرض و مغاربها يحترمون أمهات المؤمنين و الصحابة و آل البيت أشد الإحترام , و لا يشذ عن ذلك إلا بعض طوائف الشيعة المتطرفة . و نحن نعتقد أن مثل هذه الطوائف الشاذة لا تواجه بمثل هذه القرارات . إنها على الأصح تواجه بالرد العلمي و المناقشة الفكرية المفتوحة و الصبورة في نفس الوقت تأسيا بالرسول (ص) في محاوراته مع المشركين و أهل الكتاب . و هذا يجعلنا نخشى من أن مراد البيان ليس طلب الإحترام و إنما منع مناقشة التراث و ما ورد فيه من حقائق لم يكن أيا من سكان الكرة الأرضية اليوم طرفا فيها . فنحن نعتقد إن الإشارة للحقائق ليس إساءة . و الحديث عن الأخطاء ليس إنتقاصا . و مناقشة التجارب الإنسانية الفاشلة ليست طعنا و لا تجريحا . و ما نخشاه أن يتم حذف كل الحقائق المؤلمة في تراثنا من الكتب الدراسية و من المراجع العلمية بحيث لا تبقي في النهاية إلا صورة واحدة فقط هي تلك التي يرسمها أشخاص بعينهم مثل أعضاء مجمع الفقه الإسلامي العالمي . = و أخيرا , يختم البيان كلامه بالآتي : وافتى المجمع بمنع الدعوة المنظمة للمذهب المخالف بين المذاهب الأخرى لما يؤدي إليه من الفتنة وتفريق الصف وبث الفرقة وإثارة الضغائن والأحقاد . = أي أن المجمع يمنع المذهب المخالف من الدعوة لمذهبه و ذلك خوف الفتنة و إلي آخره . و واضح أننا أمام فتوى تصادم أهم ما جاءت به الدعوة الإسلامية قبل ألف و أربعمائة عام و أهم ما تضمنته وثيقة حقوق الإنسان في عصرنا الحالي و هي حق التعبير و الدعوة عن الأفكار و المعتقدات . المادة (19) و المادة (18) من ميثاق حقوق الإنسان تقولان : {{ المادة 18 : لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة . المادة 19 : لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية }} . إن المجمع في خضم سعيه الحثيث لإحداث حصار سياسي لتيار إسلامي معين يجد نفسه قد قام بإهدار حقوق الإنسان التي وقع على وثيقتها جميع الدول الإسلامية و العربية . فمن الذي يحدد المذهب الإسلامي المخالف ؟ و من الذي يحدد معايير المخالفة ؟ و هل قلة عدد الأتباع هي معيار المخالفة ؟ أليس صحيحا أن أتباع المذهب الوهابي لا يتجاوزون العشرين مليونا موزعين هنا و هناك .. بينما يبلغ أتباع المذهب الشيعي المائة مليون مسلم يسيطرون على رقعة جغرافية شاسعة تضم كل دول الشام (إيران و العراق و سوريا و فلسطين و لبنان) و آخرين في جنوب آسيا . = و أخيرا نجد أن البيان يدعو الى : الى تعميم التوصيات السابقة على الدول الأعضاء من أجل تضمينها في مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، وتبنيها في المواقف السياسية المختلفة. = أي أن المطلوب أن نجعل التعليم و الإعلام و السياسة تتبني الأفكار التي تخالف أهم ركائز الإسلام و تهدر أهم بنود حقوق الإنسان . إن أفكار مجمع الفقه الإسلامي المبثوثة بين سطور البيان الذي جاءت به الأخبار يمكن تلخيصها في النقاط الآتية : 1- إخفاء حقائق التراث غير المرغوب في نشرها بحسب المجمع و الحجر على البحث العلمي فيها و منع مناقشتها في وسائل الإعلام و حظر بثها في مناهج الدراسة . 2- إعتبار (إخفاء حقائق التراث غير المرغوب في نشرها) من المعلوم من الدين بالضرورة و تكفير من ينكر عقيدة الإخفاء . 3- الحجر على حرية التعبير عن كل رأي مخالف بمنع المذهب المخالف أو الفرد المخالف من نشر مذهبه أو فكره أو معتقده . و نود أن نتساءل عن ماذا كان يفعل الرسول (ص) طيلة الثلاثة عشرة عاما التي مكثها في مكة قبل أن يهاجر الى المدينة ؟ ألم يكن يقوم بمناقشة حقائق التراث العربي في تلك الفترة المسماة الجاهلية ؟ ألم يكن يقوم بالتعبير عن إنكاره (ص) للمعلوم بالضرورة في أديان المشركين و أهل الكتاب من شرك بالله و قتل للموؤدة و عبادة للأصنام ؟ و ألم يكن يقوم بإطلاقه (ص) لحرية التعبير للمذاهب عموما , و لكن خصوصا لمذهبه (ص) الجديد المخالف (آنذاك) لمذاهب المشركين و أهل الكتاب ؟ لقد كان الرسول (ص) مهتديا في ذلك كله بقوله تعالى انه (ص) غير مسيطر علي الناس , و أنه (ص) ليس بإستطاعته أن يجعل كل الناس مؤمنين بدينه و لو حرص على ذلك , و أنهم (ص) و أتباعه هم , في آخر المطاف , أصحاب دعوة ليس مطلوبا منهم شئ سوى البلاغ , و أنهم لهم دينهم و للآخرين دين . مجمع سياسي بلباس فقهي بقلم / نوري حمدون – الأبيض - السودان
|
|
|
|
|
|