في البداية لابد من التنويه، بان المدان مدير إدارة الحج والعمرة بسنجة لا يعنينا كثيرا أو قليلا فيما يفعل وفيما فعل، ولو لا صفته كشخصية عامة ما تطرقنا إليه لا من قريب او بعيد، تأسيسا على قول المسيح عليه السلام: (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر)، فالذي يعنينا في المقام الأول هو القانون الجنائي السوداني المعيب لسنة 1991، وقانون النظام العام المذل، وانتهاج القائمون على الأمر لسياسة الكيل بمكيالين في الممارسة والتطبيق، واستغلال هذه القوانين القمعية في القهر والبطش والتشهير والترهيب والإذلال بحق من يخالفونهم الرأي.
على خلفية حكم البراءة الذي أصدرته محكمة الإستئناف بمدينة سنجة لصالح المستأنفين، مدير إدارة الحج والعمرة، والمرأة العاملة معه بنفس الإدارة، اللذان تم اتهامهما ومحاكمتهما أمام محكمة النظام العام، ومن ثم إدانتهما بموجب المادة (152)، من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، واسست محكمة الإستئناف حكمها: (على أن المتهمين كانا بكامل ملابسهما ساعة توقيفهما وفي وضع طبيعي داخل العربة مما يعني انهيار الركن المادي لموضوع الدعوى، وبالتالي لا يشكل فعلهما جريمة حسب الوصف الذي أورده الشرع). انتهت حيثيات المحكمة الإستئنافية.
ولنا أن نتسائل ما هي علاقة المادة (152)، من هذا القانون المعطوب بشخصين وُجدا في (خلا الله أكبر) داخل عربة، وفي خلوة غير شرعية باعتبار أن لا رابط شرعي بينهما، وهما في كامل ملابسهما، وفي ظروف لا تدعو للشك والريبة أو كانت تدعو للشك والريبة في تقدير آخرين، بحسب الوقائع المبذولة في المنتديات، والصحف نقلا عن المصادر الشرطية والقضائية المعنية بهذه القضية.
صحيح أن فعلهما هذا لا يشكل أي جريمة بموجب المادة المذكورة، ولكنه يشكل في تقديرنا المتواضع جريمة مكتملة الدوافع والأركان بموجب المادة (154)، من القانون الجنائي السوداني. والصحيح أيضا أن حكم محكمة الإستئناف في تبرئة المدانين من تبعات المادة 152 من القانون الجنائي سليم (مية بالمية)، لأنه لا توجد جريمة بالأساس، بحسب منطوق هذه المادة، لأن المكان العام هو ركن أساسي من أركانها، وشرط من شروط تطبيقها. ولكن صحيح القانون من وجه نظرنا يُلزم محكمة الإستناف أن تُرجع القرار إلى محكمة الموضوع لإعادة محاكمة المدانين بموجب نص المادة 154 لتوفر أركانها بحقهما.
ولكي لا يكون الكلام مرسلا، لابد من إيراد نص المادة المذكورة التي حُوكم بموجبها المتهمين، تقع المادة 152 من ضمن مواد الباب الخامس عشر من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، المتعلقة بجرائم العرض والسمعة والآداب العامة وتنص كالتالي: 1/ من يأتي في مكان عام فعلا أو سلوكا فاضحا أو مخلا بالآداب العامة، أو يتزيأ بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام، يعاقب بالجلد أربعين جلدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا. 2/ من يأتي في مكان عام فعلا أو سلوكا فاضحا أو مخلا بالآداب العامة، إذا كان كذلك في معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل.
وتنص المادة 154 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، التي تجاهلها كل من وكيل النيابة وقاضي محكمة الموضوع وقضاة الإستئناف كالآتي: 1/ يعد مرتكبا جريمة ممارسة الدعارة، من يوجد في محل للدعارة بحيث يحتمل أن يقوم بممارسة أفعال جنسية أو يتكسب من ممارستها، ويعاقب بالجلد بما لا يجاوز مائة جلدة أو بالسجن مدة لا تجاوز ثلاث سنوات. 2/ يقصد بمحل الدعارة أي مكان معد لاجتماع رجال ونساء أو رجال ونساء لا تقوم بينهم علاقة زوجية أو صلات قربى وفي ظروف يرجح فيها حدوث ممارسة جنسية.
وبحسب تفسير هذه المادة التي تقبل كل تفسير وتأويل، فإن العربة الخاصة تعتبر محلا للدعارة إذا تواجد فيها رجل وإمرأة لا تجمع بينهما رابطة شرعية، وفي ظروف تدعو للشك والريبة، أو حتى في حالة عدم توافر هذه الظروف حسب مزاج وثقافة شرطي النظام العام، واعتمدنا في ذلك بناء على سوابق محاكمات يصعب حصرها في هذا المجال.
والسؤال الذي يفرض نفسه كيف تم إتهام المتهمين بالمادة 152 بدلا عن المادة 154؟، الأمر ببساطة إنً المادة 152 لا تنبطق على هذه الحالة مما يسهل شطب هذا البلاغ في أي مرحلة من مراحل التقاضي، وإن تعذر ذلك سيتم شطبه لاحقا، كما حدث في محكمة الإستئناف، وإذا تم الإتهام بموجب المادة 154 لتعذر على محكمة الإستئناف حكم البراءة الجدلي هذا، ووجدت حرجا بالغا في تبرئة المدانين، ولما تسرعت في حكمها، وقالت حرفيا، (لا يوجد نص في القانون يحرم الخلوة دون رباط شرعي). ولو نظرت المحكمة في السطور التي تلي نص المادة 152، لوجدت هذا النص الذي يجرم ويحرم الخلوة دون رباط شرعي في الفقرة الثانية من نص المادة 154.
وهنالك سؤال لصيق بهذا وذي علاقة به، لماذا تم تقديم المتهم بالأساس للمحاكمة وهو يملك حصانة مطلقة بصفته أحد أفراد جماعة الشر الماسونية؟، والإجابة في تقديري إن هذه القضية قد أصبحت قضية رأي عام، بدليل تجمهر المواطنين الغاضبين داخل فناء المحكمة، وإصدار شرفاء شباب سنجة بيانا شديد اللهجة بخصوص هذه الواقعة، الأمر الذي أجبر السلطات المحلية للإنحناء للعاصفة والاستمرار في مسرحية محاكمتهما، وغيرها من أسباب الصراعات الظاهرة والمستترة بين جماعة الشر التي نعلم القليل من بعضها ونجهل الكثير الآخر.
لا يهم إدانة أو براءة المتهم مما نُسب إليه من إتهام لأنه مذنب ومدان بطبيعة الحال، باعتباره أحد منسوبي هذا المحفل الماسوني الكيزاني الذي يُعتبر تهمة مهينة وسُبة لا تغتفر في حد ذاتها لمن ينتمي إليه، وإذا أردت أن تحطم وتدمر أحدهم معنويا وماديا ما عليك إلا أن تنسبه إلى هذا المحفل الإبليسي حقا أو باطلا جدا أو هزلا فالنتيجة واحدة.
لكن الذي يهمنا في هذا المقام هو حكم البراءة (على علاته)، الذي أصدرته محكمة الإستئناف بمدينة سنجة باعتباره سابقة قضائية حسمت أخذ الناس بالظنة في كل ظرف أو موقف مشابه أو مطابق لموقف مدير إدارة الحج والعمرة، فكل من وُجد مع إمرأة لا تربطه معها رابطة شرعية فإن فعلهما لا يشكل جريمة طالما كانا بكامل ملابسهما وفي وضع لا يدعو للشك والريبة ساعة توقيفهما.
وبمهوم المخالفة لا اعتبار للملابسات والظروف التي سبقت توقيفهما، لأن القانون عليه بالظاهر أو كما قال منطوق حكم محكمة الإستئناف الذي أرسى هذه السابقة التي طال انتظارها. نكتب تفاؤلنا هذا بحذر شديد لأن جماعة الشر التي تفوق سوء الظن العريض لا تتحرج في محاكمة خصومها بذات الوقائع والظروف والملابسات التي برأت بها أحد منسوبيها، باعتبار أن هذه السابقة القضائية تخص ولا تعم. (قميص عامر)، وما أدراك ما عامر.
رب ضارة نافعة إن حكم البراءة الذي أصدرته محكمة إستئناف سنجة بحق مدير إدارة الحج والعمرة والمرأة العاملة التي كانت تحت سلطته، هو بمثابة الإدانة للقانون الجنائي لسنة 1991 سيء السمعة برمته، ذلك القانون الذي عكس الحالة السايكوباتية الشريرة لمن شرًع مواده وصاغ نصوصه التي طالما ألهبت ظهور الأبرياء والبريئات من أبناء وبنات هذا الوطن المكلوم لمجرد الشك والاشتباه دونما تثبت أو روية، ودمر دون رحمة حياة أسر بحالها.
إن الغرض الأساسي من سن القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، بطريقته التي تحمل أكثر من وجه وتأويل وتفسير هو إخضاع وإذلال الخصوم، وخاصة المرأة لما لاقته من عنت وإذلال وترهيب وإهانة تحت سقف دولة المشروع الرسالي الفاشل.
والخطورة في هذا القانون تكمن في ان من صاغوه، سوقوه للشعب السوداني واعتبروه قوانين وتشريعات إلهية لا يأتيها الباطل من أمامها أو من خلفها، ليتم اختزالها على عجل في كتيب القانون الجنائي لسنة 91، وتم في تدليس واستهبال واضحين إضافة عقوبات بدنية ما أنزل الله بها من سلطان، لأن العقوبات التي حددتها الشريعة على سبيل الحصر هي: أـ مائة جلدة للزانية والزاني غير المحصنين ب ـ اربعون جلدة لشارب الخمر ج ـ ثمانون جلدة لحد القذف، إذا ما الداعي لحفلات الشواء وإلهاب ظهور الخلق والتبشيع بهم إذا كان الأمر كذلك.
وفي هذا قال الأستاذ/ بابكر فيصل بابكر، في مقال له وهو يخاطب على عثمان محمد طه: (قلنا له أننا إعتقدنا أنَّ الشريعة التي تقصدونها ظلت مُطبقة في بلدنا منذ عام 1991 عندما أجيز القانون الجنائي وقلتم لنا في حينها أنَّ ذلك القانون أرجع الأمة لجذورها الحضارية، ولحاكمية الله، وأبلغتمونا أن إستقلال السودان الحقيقي قد تحقق في ذلك العام. (المصدر صحيفة الراكوبة). إذا هذا القانون الشائة والجائر هو الشريعة الإسلامية بحسب منطق علي عثمان وجماعته.
وفي احساس متدني بعدم الشعور بعقدة الذنب وتأنيب الضمير الذي يؤكد اختلاط المفاهيم بين ما هو ديني وما هو دنيوي، ما زالت هذه الجماعة بقيادة علي عثمان طه ورهطه تصر على أن هذا القانون الشائه هو ذروة سنام مشروعها الحضاري المنقرض. والمفارقة إن بعض الذين تضرروا من هذه القوانين هم الذين تبنوها وساندوها فذاقوا اليوم مرارتها بعد أن طفح الكيد فيما بينهم، ليصبح وسيلة من وسائل تصفية الحسابات.
وفي هذا السياق أيضا قال الأستاذ كمال الجزولي شفاه الله ومتعه بالصحة والعافية: أن المادة 152 في رأيه: (تخالف أبسط ضوابط النصوص الجنائية التي ينبغي أن تصاغ بأكثر الأشكال تحديدا حتى يكون القانون وتفسيره ثابتين وأكيدين إذ لا يجوز أن يكون أمر التجريم فرضيا أو يكون النص الجزائي مطاطيا متراميا أو محملا بأكثر من دلالة أو مثقلا بما يفضي لتعدد تأويلاته وترك أمرها، ويعني بذلك أمر المادة 152 لتقديرات رجال الشرطة على تفاوت أعمارهم وتربيتهم وتعليمهم وأذواقهم وتركيباتهم السايكولوجية وانتماءاتهم الاثنية والجهوية وتصوراتهم الدينية والثقافية ...إلخ.
والكلام ما زال للأستاذ كمال الجزولي: (وفي البند 30 جاء رد السودان على المسألة، متضمنا إقرارا جهيرا في ما يشبه الاعتذار الصريح، ضمن الحديث عن منظومة "قانون النظام العام"، بأن بعض السلبيات لازمت التطبيق وقد تمثل ذلك في: أـ عدم ضبط الصياغة التشريعية لأحكام بعض المواد ب/ تجاوز بعض أفراد الشرطة لصلاحياتهم أو إساءة استخدامها. كمال الجزولي ـ طارق الأمين، 11ـ 06ـ 2013. (صحيفة التغيير).
وإذا كان الأمر كذلك لماذا ظل قانون بهذه المثالب وهذا العوار ساريا حتى هذه اللحظة بالرغم من إعتراف من صاغوه بقصوره الواضح والفاضح؟.
وفي رأينا يجب أن يتم إلغاء هذه القوانين المهينة، ويتم معها إلغاء قانون النظام العام، وشرطة النظام العام، وكل القوانين المهينة والمذلة للكرامة الإنسانية، ويتم سن تشريع محترم على أنقاضها، يساوي بين الناس، ويحفظ كرامتهم دون تتبع عوراتهم والتشهير بهم، كما يحدث تحت ظل هذا القانون الجائر الذي أطلقوا عليه إسم الشريعة الإسلامية دون أدنى حرج أو وخز من ضمير.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة