|
مواجهة فلسطينية أميركية مؤجلة بقلم نقولا ناصر
|
(الولايات المتحدة تستعد لمواجهة مؤجلة لمدة ستة أشهر إلى ما بعد الانتخابات الفلسطينية للتعامل مع نتائجها كما تعاملت مع نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006)
بقلم نقولا ناصر*
لقد خلق قرار الإدارة الأميركية ب"العمل" مع حكومة التوافق الفلسطينية إجماعا دوليا على تأييد إنهاء الانقسام الفلسطيني، لكن تفاصيل "دفاع" وزير الخارجية الأميركي جون كيري في بيروت يوم الأربعاء الماضي عن هذا القرار أوضحت بأنه مشروط بإملاءات سياسية ما يجعل هذا "الإجماع" الدولي خادعا ولا ينبغي له أن يقود إلى أي استرخاء فلسطيني في تعزيز الوحدة الوطنية استعدادا لمواجهة مؤجلة مع الولايات المتحدة.
وأوضح "دفاع" كيري كذلك أن إدارته إنما انحنت مؤقتا أمام تأييد دولي ساحق لإنهاء الانقسام الفلسطيني بانتظار الالتفاف عليه، وكان ذلك هو خيارها التكتيكي الوحيد في مواجهة ترحيب جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، و"الرباعية" الدولية، وروسيا والصين والهند وإيران وتركيا، إلخ.، بحكومة التوافق الوطني الفلسطيني.
ف"الشروط" التي أعلنها كيري ل"العمل" مع الحكومة الفلسطينية، مقرونة بموقف حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي المصمم على إسقاط هذه الحكومة، لا تترك مجالا للشك في أن الولايات المتحدة تستعد لمواجهة مؤجلة لمدة ستة أشهر إلى ما بعد الانتخابات الفلسطينية للتعامل مع نتائجها بطريقة لم يترك لا كيري ولا دولة الاحتلال مجالا للشك في أنها يمكن أن تختلف عن الطريقة التي تعامل بها الحليفان مع نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006.
ولأن "شروط" كيري مقبولة كرها أو طوعا لدى حلفاء الولايات المتحدة العرب والأوروبيين فإن "الإجماع" الدولي الراهن سوف يتصدع على الأرجح بعد الانتخابات الفلسطينية المقررة، التي أعلنت دولة الاحتلال أنها لن تسهل إجراءها، فور أن تتمخض عنها حكومة وطنية تقرر دولة الاحتلال وراعيها الأميركي أن تكوينها يتعارض مع تلك "الشروط".
ولم يتردد كيري في بيروت في تكرار التأكيد على "شروط" "العمل" مع حكومة التوافق، وهي أن تكون "ملتزمة بمبادئ اللاعنف، والمفاوضات، والاعتراف بدولة إسرائيل، وقبول الاتفاقيات السابقة ومبادئ الرباعية"، ومنها استمرار "التنسيق الأمني" مع دولة الاحتلال.
وكان تأكيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأسبوع الماضي على "قداسة" التنسيق الأمني تعبيرا لا لبس فيه عن التزامه بهذه الشروط آملا أن يقود ذلك إلى تجنب مواجهة مع الولايات المتحدة يعرف هو أكثر من غيره أنها حتمية لكنه يحاول تأجيلها، في الأقل لكسب مهلة من الزمن للوحدة الوطنية كي تترسخ استعدادا لمواجهتها، وكذلك لتأمين استمرار التمويل الأوروبي والأميركي ولو إلى حين.
بالرغم من ذلك، أعلنت حركة حماس عزمها "تحقيق الشراكة الوطنية" بينما أكد رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في مقابلة حصرية مع ديفيد هيرست في "ميدل ايست آي" يوم الثلاثاء الماضي أن المصالحة الفلسطينية مستمرة لأنها "مصلحة وطنية" ولأن "الخلافات سوف تتوسع إذا كنا منقسمين"، مع تأكيده أيضا على وجود "أجندة سياسية مختلفة" للحركة كأمر "واقع".
وعن القرار الأميركي ب"العمل" مع حكومة التوافق قال مشعل: "مع أنه موقف جديد نسبيا للإدارة الأميركية، فإنه ليس كافيا، لأنه ما يزال قائما على أساس وضع شروط على الحكومة الفلسطينية، ناهيك عن الموقف المنحاز وغير العادل للإدارة الأميركية ضد الشعب الفلسطيني، ووضع حماس على قائمة الإرهاب، واعتبار المقاومة والنضال الفلسطيني عملا من أعمال الإرهاب".
إن "العمل" مع الحكومة الفلسطينية الجديدة "حسب حاجتنا وكما هو مناسب"، كما قال كيري، لا يعني "الاعتراف" بها، ف"نحن لا نعترف بحكومة فلسطين، فذلك سيعني أننا نعترف بدولة، ولا توجد أي دولة" فلسطينية، كما أوضح، وهذه تصريحات غنية عن البيان توضح تصميم الولايات المتحدة على مواجهة أي توجه فلسطيني للبناء على قرار اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقبة غير عضو فيها.
غير أن ما لفت النظر أكثر في "دفاع" كيري كان إعلانه عن خطف دور كل المؤسسات التمثيلية والتشريعية الفلسطينية في الرقابة على حكومة التوافق الفلسطينية ومساءلتها، "فنحن سوف نراقبها عن كثب مراقبة دقيقة، ... منذ اليوم الأول، للتأكد تماما من التزامها" ب"الشروط" الأميركية التي أملتها دولة الاحتلال على بلاده وعلى "الرباعية" الدولية التي تقودها، و"للتأكد تماما ... من عدم تجاوزها الحد" الوارد في هذه الشروط.
ولولا أن تعهد كيري بالقيام بهذا الدور الرقابي كان تعهدا لدولة الاحتلال لاعتقد المراقب وهو يستمع إليه أن رئيس المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية أو رئيس المجلس الوطني لمنظمة التحرير قد منحاه عضوية شرف في المؤسستين.
وربما "تطوع" كيري لقيام بلاده بهذه الدور نيابة عن الشعب الفلسطيني لمعرفته من خلال "التنسيق" الذي أكده في مؤتمره الصحفي في العاصمة اللبنانية مع دولة الاحتلال بأنها ستمنع قيام المؤسسات التمثيلية الفلسطينية من أداء دورها في مراقبة حكومة التوافق، ومن الواضح أن "التطوع" الأميركي للقيام بهذا الدور يعني فقط موافقة الولايات المتحدة على قرار دولة الاحتلال بمنع المؤسسات الرقابية الفلسطينية من أداء دورها.
إن ما تردده وسائل الإعلام في دولة الاحتلال عن "خلافات" بينها وبين راعيها الأميركي في هذا الشأن، مثل تشبيه قرار الإدارة الأميركية ب"العمل" مع حكومة التوافق الفلسطينية ب"سكين" أميركية "في الظهر"، والقول إن رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو يشعر ب"خيانة وخداع" الولايات المتحدة له، قد يسوغ للمراهنين الفلسطينيين على الولايات المتحدة فرصة للحث على استمرار الرهان عليها، لكن كيري في بيروت نفى وجود أي "خلافات" كهذه مؤكدا أن الموقف الأميركي "منسق" مع دولة الاحتلال.
وهؤلاء قد يجدون أيضا مسوغات لاستمرار رهانهم على الولايات المتحدة في مسارعة المنظمات الصهيونية واليهودية الأميركية والدولية -- مثل مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى واللجنة اليهودية الأميركية ورابطة مكافحة التشهير والمنظمة الصهيونية الأميركية وحتى "الشارع اليهودي" (جيه ستريت) التي تدعي تأييدها ل"حل الدولتين" -- إلى استخدام نفوذها في الإعلام وفي الكونجرس الأميركي للتحريض ضد قرار كيري وحكومته، حد أن يكتب أحد الناطقين باسمهم مقالا بعنوان: "أميركا تحتضن إرهابيي حماس" (بني آفني، نيويورك بوست في 3/6/2014).
في مقال له نشرته "شيكاغو تربيون" في ذات اليوم، كتب ويليام بفاف أن السبب في فشل جهود كيري في التوصل إلى "تسوية إسرائيلية – فلسطينية" طوال العام المنصرم يعود إلى "عدم حدوث تغير" في الموقف الأميركي.
وتصريحات كيري في بيروت تؤكد أن الموقف الأميركي باقي على حاله إلى أمد غير منظور، وبالتالي فإن أي رهان فلسطيني عليه هو رهان خاسر على وهم تحييد الموقف الأميركي وتغييره، فالمواجهة الفلسطينية مع الولايات المتحدة حتمية وقائمة فعلا، مع المقاومين والمفاوضين الفلسطينيين على حد سواء، وإن كانت مؤجلة إلى حين مع المفاوض الفلسطيني.
لقد اقتبس بفاف من مقال لجدعون ليفي في هآرتس قوله إنه "من غير المقبول في القرن الحادي والعشرين ... أن يقف العالم متفرجا ويسمح" بأن "يستمر ملايين الفلسطينيين في العيش" في الظروف التي يعيشونها تحت الاحتلال، لكن هذا هو ما تفعله الولايات المتحدة وتسهله بقصد ووعي، ولا تريد تغيير موقفها، لتظل وحدها العقبة الرئيسية أمام المجتمع الدولي وفرض إرادته بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لذلك فإن المواجهة الفلسطينية معها آتية لا ريب فيها وإن تأجلت إلى حين.
* كاتب عربي من فلسطين
* [email protected]
|
|
|
|
|
|