|
من يغتال الدكتور حسن الترابي !!!
|
بسم الله الرحمن الرحيم من يغتال الدكتور حسن الترابي !!! في صيف العام 2000 كان الإنقسام في صفوف إسلامي السودان قد بلغ ذروته بإعلان الدكتور حسن الترابي لتكوين المؤتمر الشعبي وخروج جسم الحركة الإسلامية الأصلي من حكومة الإنقاذ واستعرت الإعتقالات في صفوف الإسلاميين حتي بلغت ذلك الصيف أكثر من مائتين وخمسين معتقلا قضى معظمهم فترات تتراوح بين الستة والتسعة أشهر وغالبهم أعيد إعتقاله لأكثر من مرة . أحد الإسلاميين الساعين للتوفيق تم إعتقاله أيضا ولما كانت ظروفه الصحية بالغة التعقيد فقد ساءت جدا في المعتقل مما إضطر الأجهزة الأمنية إلى إطلاق سراحه ولكن قبل أن تفعل جلبه نائب مدير جهاز الأمن سابقا والمدير الحالي للجهاز اللواء صلاح عبدالله (قوش) إلى مكتبه، وكان قد إبتدع طريقة خاصة لإذلال المعتقلين حتي أخر لحظة يغادرون فيها المعتقل، وذلك بجلب الواحد منهم إلى مكتبه الخالي من الأثاث إلا من مكتب يجلس هو خلفه بينما يقف المعتقل لساعات بحجة أنه يدير معه حوارا ، ولما كان صاحبنا هذا قد فتكت به الأمراض المزمنة فلم يتحمل الوقوف فجلس القرفصاء على أرض المكتب وسط غبطة اللواء الذي قال له من بين إبتسامة النشوة أنه سوف يحضر الشيخ الدكتور حسن الترابي ويجلسه في ذات المكان حيث يجلس !!! لم يصدق صاحبنا ما سمعته أذنيه خاصة وأنه حتى قبيل إعتقاله كان يقلل من حجم الإختلاف بين المؤتمرين ويدعو إلى تجاوزه في سبيل " الوحدة الإسلامية " وخرج من المعتقل وهو في ذهول كامل مما سمع . قبل شهر من الآن أصدر الدكتور علي الحاج محمد نائب الدكتور الترابي بيانا أردفه ببيان آخر بعد أقل من أسبوعين أبدي فيهما قلقه من معلومات تواترت إليه مخطط لإغتيال الدكتور الترابي المعتقل منذ مارس الماضي دون أن توجه إليه لائحة إتهام رغم ترديد المسئولين السودانيين لإتهامات بالضلوع في محاولة إنقلابية وأحيانا أخرى محاولة تخريبية. قبل أقل من أسبوعين إنطلقت شائعة في العاصمة السودانية الخرطوم بوفاة الدكتور الترابي في المعتقل إثر إعتلال مفاجئ في صحته، الأمر الذي رفع حالة التوتر في الجامعات السودانية مما حدا بالسلطات إلي تكثيف الوجود الأمني الظاهر حول عدد من جامعات الخرطوم والسماح على عجل لأسرة الدكتور الترابي بزيارته- بعد إنقطاع لأكثر من اسبوعين- والسماح لأجهزة الإعلام المحلية بنقل تصريحات نادرة لنجله عصام الترابي بأن والده بصحة جيدة وروح معنوية عالية، ومعلوم أن السلطات تضرب تعتيما علي أخبار الدكتور الترابي وحزبه في وسائل الإعلام المحلية . بالأمس فقط تناقلت وسائل الإعلام بيانا من أسرة الدكتور الترابي تبدي فيه قلقها الشديد على سلامته على إثر قيام سلطات الأمن التي تتولي حبس الدكتور الترابي ببناء حوائط عازلة حول محبسه مما جعله في عزلة تامة حتى عن بقية أجزاء السجن العتيق في شمال الخرطوم ،وحبست عنه ضوء الشمس والهواء لترتفع رطوبة المكان المجاور لنهر النيل ، ومعلوم أن السلطات كانت قد منعت في وقت سابق دخول الأوراق والأقلام والكتب للدكتور الترابي ووزعت بقية المعتقلين من حزبه البالغ عددهم 70 معتقلا على سجون الولايات وترفض السماح لهيئة دفاع مكونة من أكثر من أربعين محاميا بلقاء الدكتور الترابي بحجة أنه معتقل بموجب قانون الأمن الوطني بينما بقية أعضاء حزبه معتقلون بموجب قانون الإجراءات الجنائية !!! وليس ذلك بمحمدة إذ لم يجعلهم أكثر حظا من الدكتور الترابي ولم ييسر لقاء محاميهم ولا طريقة معاملتهم. المهم أن أسرة الدكتور الترابي نقلت قلقها وقلقه هو شخصيا لأول مرة إذ حدثني أحد أفراد الأسرة بأن الدكتور الترابي أمرهم بعدم إرسال أي أطعمة له داخل المعتقل لأنها على كل حال تمر عبر أفراد الأمن الذين لا يتورعون عن إدخال أيديهم والعبث بالطعام بحجة البحث والتفتيش عن ممنوعات تشمل الأوراق والأقلام كما أسلفنا ،فضلا عن المعاناة والرهق الذي تلاقيه الأسرة في إستصدار أذونات وتصاريح الزيارة وإدخال الطعام ، وهذا أدنى ما يخشاه شخص معزول تماما عن العالم، وسوف يكتفي الدكتور الترابي بالأسودين التمر والماء حسب ما ذكر لأسرته. إن تواتر الأحداث يوحي بأن شيئا يحاك في الظلام ضد الدكتور الترابي إستباقا لرفع حالة الطوارئ المعلنة بصورة لا دستورية منذ ديسمبر 1999 إذ تواجه حكومة الخرطوم إمتحان مصداقية بشأن ما وقعته من بروتوكولات سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق بما فيها نصوص عن الحريات العامة ، لذلك تسعى إلى إفراغ تلك النصوص من محتواها وذلك عبر ضرب القوى الساسية الكبرى حتى لايعود للنصوص معنى طالما لن يكون هناك من يستغلها للتعبير عن رأي يخالف رأيها ولما كانت تحسب أنها قد فرغت من تقسيم الأحزاب التقليدية (الأمة بقيادة السيد الصادق المهدي) و(الإتحادي الديمقراطي بقيادة السيد محمد عثمان الميرغني) حتى باتا من الضعف والهوان بحيث يعتمدان في مواردهما المالية الخاصة على هبات الحكومة وهو أمر لا يتورع كبار المسئولين في الخرطوم من ترديده في مجالسهم الخاصة، فإنها لا ترى تهديدا حقيقيا لسلطتها أكبر من المؤتمر الشعبي وزعيمه الدكتور الترابي، ولما كان الأخير قد إنسلخ عنها طوعا وآثر أن يمضي في معارضتها حتى تفئ إلى رشد الحريات السياسية الحقيقية وإلتزام التداول السلمي للسلطة، فإنها لاتملك كثير إغراء تقدمه له كما تفعل مع الأخرين، بل هي ترجع إعراض بعض القوى السياسية عن المشاركة السياسية وفق شروطها هي خاصة السيد الصادق المهدي الذي لم يتورع عن إعلان زهده عن أي مشاركة لا تتم وفق معالجة شاملة لأمر الديمقراطية في البلاد (الشرق الأوسط 03\06\04) ترجع ذلك إلى وجود المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور الترابي في المعارضة الأمر الذي تخشاه جميع الأحزاب خاصة وأنها جميعا جربت معارضة الدكتور الترابي من قبل، وتتناقل الأوساط السياسية في الخرطوم مقولة منسوبة إلى الدكتور جون قرنق مفادها أنه لولا مذكرة التفاهم الموقعة مع المؤتمر الشعبي في فبراير 2001 لما أمكن تمرير إتفاق السلام الحالي وهي مقولة يقال أنه يزايد بها على الحكومة ومنتقديه من قوى اليسار الذين ينتقدون إستمرار تواصله مع الدكتور الترابي وحزبه. من جهة ثالثة فإن الحكومة تواجه وضعا داخليا معقدا إذ يبدو حزبها المؤتمر الوطني ضعيفا في ظل هيمنة مجموعة الأمن على مقاليد الأمور وإزاحتها لكل من يعتقد أنه يمكن الإستمرار في نهج الحركة الإسلامية القديم أو يحاول إقتفاء أثر مذكرة العشرة 1998 التي قصد بعض موقعيها إعادة الروح إلى جماعية القيادة في الحركة الإسلامية بينما تم تجييرها بالكامل للتمكين الأمنيين ، ويشهد على ذلك طريقة إزاحة الدكتور غازي صلاح الدين ليس فقط من منصبه كمستشار للرئيس لشئون السلام بل أيضا من رئاسة المكتب السياسي لحزب الحكومة، وقبلها إزاحة السيد مهدي إبراهيم من التشكيلة التنفيذية بالكامل رغم أنه لم يأل جهدا في إثبات ولائه للمؤتمر الوطني ، ثم إبعاد السيد ربيع حسن أحمد إلى منصب سفير وهولاء جميعا من ذوي الأشواق الإسلامية التي لا تتناسب مع ما تقدمه مجموعة الأمن المتنفذة من وعود لقوى خارجية بالإجتهاد في محاربة (الجماعات الإرهابية ) والتخلص من (ميراث) الدكتور الترابي في العلاقات بهذه الجماعات .هذا بينما تبرز جماعة السلام العادل التي يتزعمها الأستاذ الطيب مصطفي خال الرئيس البشير معارضة لإتفاق السلام الذي أبرمه النائب الأول للرئيس والتي تضم تيارا واسعا داخل حزب الحكومة . كنت قد قرأت أواخر العام الماضي مخططا قدمته مجموعة إستشارية أمنية في بلد شرق أوسطي لوكالة إستخبارات غربية بالتخلص من أربعة زعماء إسلاميين أولهم الشيخ أحمد يسن زعيم حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين المحتلة والسيد حسن نصر الله زعيم حزب الله والدكتور الترابي زعيم الحركة الإسلامية في السودان والشيخ عبدالمجيد الزنداني الأب الروحي للحركة الإسلامية في اليمن وقد كان المخطط من التفصيل بحيث ناقش الميزانيات المرصودة لتنفيذ الإغتيالات . إن سكوت القوى السياسية الوطنية ومجموعات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والعالمية عن معتقلي المؤتمر الشعبي أغرى المجموعة المتنفذة في الخرطوم على إنتهاك حقوقهم الأساسية في توجيه إتهام أو إطلاق السراح رغم مضي أكثر من شهرين في الحجز ، بل والتفكير في تصفية الدكتور الترابي إن لم يكن بالتصفية الجسدية المباشرة -وهو أمر غير مستبعد خاصة لسلطة يرزح كبار مسئوليها تحت شبح لوائح الإتهام بالإغتيالات والتصفيات ومحاولات الإغتيال حتى لزعماء أجانب- فبطرق غير مباشرة كما يجري الآن من بناء جدر عازلة وحوائط ترتفع فوق أخرى قديمة موجودة منذ عقود ولم نسمع من قبل عن حوادث هروب من داخل هذا السجن، والدكتور الترابي ليس مظنة الهروب وقد قضى حتى الآن أكثر من عشرة أعوام من عمره داخل سجون السودان المختلفة . إن سلطة الخرطوم تدهش العالم أجمع بما ترتكبه من فظائع بحق شعبها في دارفور وليس بالغريب عليها أن تضيف إلى كل ما قامت وما تقوم به حماقة أخرى بتصفية الدكتور الترابي جسديا أو تحويله إلى أحمد يسن آخر .
صديق محمد عثمان لندن 14\06\04
|
|
|
|
|
|