- 25 ديسمبر 2015مخير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، واليوم الجمعة الموافق 25 ديسمبر 2015م إجتمعَت فيه أحداث روحَانية عظيمة. تزامَن لأوّلِ مرَّة (فى حياتِى على الأقل) ذكرى مولد النبى الخاتم سيدنا محمد (ص) فأشرقت الأرضُ بنورِ ربِّها، وذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام، المجدُ لله فى الأعالى وعلى الأرضِ السلام وبالنَّاسِ المسرَّة. اللهُمَّ أجعل هذا الإجتماع آية من آياتِ السلام والمحبَّة للبشرية فى مشارقِ الأرضِ ومغارِبها، وألهِم السودانين الحِكمَة ليتراضُوا فيما بينهم، وأنزع من نفوسِ الحُكامِ والسَاسة الغِلَّ، وأرشِدهم سُبل الصَلاح.أورَدْنَا فى الجزءِ الأول، تعريفات لمُفردَتى/ مصطلحى "تمرُّد/ مُتمرِّد، وعميل/عمَالة"، وأنَّ معنى المُصطلحَان فى كلِّ القواميس والتعريفات المُتاحة لا يخرجُ عن الآتى:بالنسبة للتمَرّد:• التطاول بالكِبْر والمعاصِى،• الطغيان والجبروت، العاتى الشديد،• أصله من مَرَدَة الجِنِّ والشياطين،• مردُوا على الشىء: تمرَّنُوا ولجّوا وثبتُوا عليه. فلا يرجعون عنه ولا يتوبون.• تمًرَّدَ فى الشيءِ يعنى تَمَهَّرَ فيه وأصبح ماهِراً.• تمَرَّدُوا فى النفاقِ يعنى أجادُوا وحذَقُوا فيه.أما العمَالة:• العمِيل: هو من يُمارس التجسس، هو الشخص الذى يجمع المعلومات السِرِّية للإستخبارات.• العميل المُزدوج: هو الشخص الذى يعمل لفائدةِ جهتين أو منظمتين مختلفتين بدون علمٍ منهما. شخص يعمل لدى جهة عسكرية أو شركة فى بلدٍ ما، ويمد بلداً آخر أو شركة أخرى بنُسَخٍ من الوثائقِ السِرِّية.وكنّا قد وَعدْنَا بتخصيصِ هذا الجُزء لإسقاطِ عناصر هذه التعريفات على طرفى النزاع فى السودان، حكومات المركز منذ الأزل، وحركات المقاومة المسلحة التى تكافح الظلم والعنصرية والكراهية، وغلواءِ حُكَّام المركز. وسوف أتناول نماذج لتطبيق عناصر المُصطلحين عليها، والخروج بنتيجة مباشرة بالإجابةِ على السؤال: أىِّ الطرفين هو المُتمّرِّد والعمِيل، وذلك على النحوِ التالى:س(1): من الذى سمحَ بدخولِ الغُزَاةِ الأجانب إلى السودان عبر الأزمان؟ أهل المركز أم الهامش؟ج(1): كل الغُزاة الذين دخلوا السودان أتوا من الشمال مَهدِ أهل المركز ومَصدَرِهم، وشمال السودان هو البوابة المُشرَعة للغُزاة الذين غزو السودان ونَهبوا خيراته وموارِده. والمُلفِت أنَّ أهلَ المركز/الشمال هؤلاء لا يقاوِمُونَ الغُزَاة، بل يفرشون لهم أرض السودان وُرُودَاً و رياحِين، ويستقبلونهم ويرحبون بهم بحفاوة، ويشاركونهم نهبِ مواردِ البلد، المادية والبشرية، وأضرِبُ هنا مثلين حديثيِّن:الأول: عندما دخل إسماعيل باشا إبن محمد على السودان من بوابةِ الشمال، رحب به أهل الشمال وأعانوه وضيفوه ولم يقاوموه أبداً بل تفانوا فى خدمتِه وحُسن وفَادتِه، ومكَّنُوه من هدفِهِ المتمثل فى نهبِ موارد السودان المادية والبشرية، مال ورجال. ولما قفلَ إسماعيل رَاجِعاً إلى مصر وعند دِيار"المك نِمر" حدثَ سوء تفاهُم بينه وبين إسماعيل باشا، فدَّبر له "المك" مكِيدَّة الحريق المشهورة فى العام 1822م. ولما جرَّدَ محمد على باشا حملة الدِفتردار للإنتقام لحرقِ إبنه إسماعيل، أطلقَ "المك"ساقيِه للريحِ يطلُبُ الحَبَشة. ولم يختار المك "نمر" الحبشة مُصادَفة، لكنَّه إستجار بالدمِ والعِرق، إستجار الرَجُل بآباءِه وعمومته، وقد ورَدَ فى رُواياتِ ثقاة أنَّه عندما وصل المك نواحى بُحيرة السلام فى الحبشة "المتَمَّة الحبشية" وإستقبله حاكِمُها نطقَ "المك" بعبارةٍ بلُغةِ الأحباش فى معنى "إنّهم على إثرِى"، فاجابه الحاكِم بذاتِ اللُغة ما يعنى "نَجَوْتَ من القومِ الظالِمين!". والتاريخ يعيد نفسه الآن نفس الناس ينتهِكُون الأعراض ويبيدون أهل دارفور والنوبة والفونج، ويصادِرُون حريات بنى جِلدَتِهم فى المركز، ثمَّ يُجَاهِرُون بإثمِ الخروج عن حكم القانون، ويُصرّون على الإفلاتِ من العقاب. هذه المُوبقات مصدَرُها دم الإنسان و"جيناتِه". ويجب ملاحظة أنَّ إسماعيل باشا لم يقاومه أحد عند دخوله أرض السودان من بوابة الشمال المُشرعة للغُزاة، بل وَجَدَ كُلَّ الترحاب وحُسن الضيافة. وأنًّ "حرْقِه" كان عند قفوله راجِعاً إلى مصر غانِماً ما أراد. ولم يكن حرّقه بسبب أمرٍ عام أو هام وجدِّى يخص البلد أو يتهدد مُلكْ المك "نمِر"، ولكن كان ردَّة فعل لإستفزاز شديد ومفاجئ وجَّههُ إسماعيل باشا للمك فى شخصِه، والحِكْمَة تقتضى الصبرَ وتفويت الفرصة لمصلحةِ شعبهِ وعِرضهِ الذى تركَهُ نَهْبَاً لأسوأِ انتهاكٍ مَرَّ على تاريخِ السودان. وبالمقابل أهل الهامش لهم تجربة "بازِخة" فى مقاومةِ ودحرِ وقهرِ الغزو الأجنبى، ومثال ذلك عندما قرر المُستعمر الفرنسى المُرتكِز فى تشاد و وَدّاى. بعد إستيلاء فرنسا على سلطنةِ "ودَّاى" أغارَ من جهة الغرب على دار مساليت فتصَدَّى لهم السلطان محمد تاج الدين فى 25 أكتوبر 1910م الموافق 23 من ذى الحجة 1327هـ ، حيث إلتحَمَ معهم فى معركةِ "كُرُنْدُقْ" شرق مدينة الجنينة وهزمَهم شرَّ هزيمة، وقتل قائدهم الكابتن "جنيشون"، لكنَّ الفرنسيون عادُوا مرَّة ثانية بعد أسبوعين من هزيمتهم بقيادة الكولونيل "مول" فإشتبكَ معهم السلطان محمد تاج الدين مَرَّة أخرى فى 9 نوفمبر 1910م الموافق 7 ذو القعدة 1327هـ، فى معركةِ "دَرَوتِى" شمال شرق مدينة الجنينة الحالية وجنوب عاصمة المساليت التاريخية "درجيل"، وإستشهد فى معركةِ "دَرَوْتِى" السلطان تاج الدين، فخلفه إبن أخيه السلطان محمد بحرالدين المشهور بـ "أنْدوكَا".تَصدَّى السلطان بحر الدين "أندوكا" للفرنسيين بجسارَة ودحَرَهم فى معركةِ "عُكرى" إلى الشرق من "درجيل" فى عام 1912م، ثمَّ إلتحَم بهم مَرَّة أخرى فى منطقةِ "هبيلا" الحالية وهزمَهم فإضطر الفرنسيون للتقهقرِ إلى بلدة "أبَّشى" بدار "ودَّاى".وفى عام 1913م لم يجد الفرنسيون بُدَّاً غير توقيع إتفاقية للصلح مع السلطان بحر الدين "أندوكا" على غرارِ ما فعل السلطان على دينار مع سلفِه السلطان تاج الدين تنازل بموجبه عن الجانب الغربى لدار مساليت وتشمل مركز "أدرى" الحالية التى تقع ضمن حدود الدولة التشادية الحالية، وذلك ما يُفسِّر وجود قبيلة المساليت على جانبى الحدود السودانية التشادية.معركة "دروتى" موثقة فى كتبِ تأريخ السودان فى (سطرينِ)، بينما قَصَص الذين حَرَقُوا "ضيوفهم" الغُزاة فى رحلةِ عودتِهم إلى بلادِهِم غانِمِين أبناء البلد وثرواته المادية، تملأ خيباتِهم كُتب التاريخ ضجِيجَاً وزِيفاً!، وقمّة ما بلغ كُتَّاب تاريخ السودان من جهدٍ لإظهارِ أولئكَ أبطالاً كان مُنتَهى الفشل.فمن هو العميل/ المتمرد، الحاذق والمجيد للخُنوع، وبيع سيادة أرض السودان وثرواته وكرامة أهله، والإستسلام للغزاة، وفتح الأبواب مُشرعَة لهم ؟ أهل المركز أم الهامش؟ .. بالطبع أهل المركز.س (2): كيف انتهت دولة المهدية فى معركةِ كررى صبيحة يوم الجمعة 2 سبتمبر 1898م، ثم معركة ام دبيكرات وإستشهاد الخليفة عبد الله يوم الجمعة 24 نوفمبر1899م؟ مهما يكن حُكمُ الخليفة عبد الله جائِراً وظالماً لنْ يفوقَ حُكم نظام الكيزان الحالى جُورَاً وظلماً وبطشاً (وهذه حقيقة يجب أنْ يؤخذَ بها علماً قضائياً). كيف كان مستوى التآمر الداخلى من أهلِ المركز ضد دولة المهدية الوطنية لصالحِ الغازى الأجنبى؟ وكم عدد خلفاء المهدى أصحاب "الرآيات" الذين كانوا يتخابرون كـ "عملاء/ جواسيس" لصالح العدو الأجنبى القادم من إنجلترا ومصر لإفناء الدولة الوطنية، وإستعمار السودان مرّة أخرى عبر البوابة الشمالية المُشرَعة دوماً للغُزاة ؟ج (2): كل أهل المركز الذين هم آباء وأجداد الحُكَّام الحاليين كانوا يتآمرُونَ حثِيثاً ضد الدولة الوطنية "دولة الخليفة عبدالله". وكانوا يتربَّصُونَ بها الدوائِر، وأنَّ خُلفاءَ المهدى رِفاق الخليفة عبد الله، كانوا يتخابرون ويتجسَّسونَ ضد مشروعِهم ودولتهم الوليدة فى "عَمَالةٍ" حقيقية لإفنَاءِ الدولة الوطنية السودانية الأولى، وإحلال وتمْكِين المُستَعْمِر الإنجليزى/ المصرى محلّه. وبينما كان الخليفة عبد الله يَعِدّ العُدَّة للمعركةِ الفاصلة على النيل قبالة "الطابِية المُقابلة النيل"، كان رِجال دولته من أبناءِ المركز يلعبون دور"العَمَالة المُزدوجَة " يسرِّبونَ كل المعلومات والملفات السرِّية وأسرار الإعداد للمعركةِ الفاصلة يوافونَ بها حملة "كتشنر" الزاحفة جنوباً عبر مجرى نهر النيل إلى إم درمان للقضاءِ على دولةِ المهدية.. أكثر من ذلك، أنَّ أهلَ الشمال و"عُيونَهم" الذين يقبَعُونَ مع الخليفة فى أم درمان، أوعَزوا وأشاروا لحملة "كتشنر" بالخروجِ من النيل وإتيان أم درمان بَرّا عبر الصحراء!. لذلك تأخرت حملة كتشنر وانتظرت لشهور على البرِّ الغربى لنهر النيل فى انتظارِ إمدادت عسكرية ضرورية من بريطانيا للخُطَّة (ب) قوامها "عجلاتٍ" لقطرِ مَدَافِع "المورْتَر" عبر الصحراء، وكل الترتيبات التى إقتضتها تغيير سير الحملة من النهرِ إلى البر.يُضافُ إلى ذلك، أنَّ أهلَ المركز/ الشمال قد ساهَمُوا فى المجهودِ الحربِى لحملةِ كتشنر للقضاءِ على دولة المهدية بتوفير عدد ثلاثة ألف رأس من الإبل لزوم تحويل الناقل وخط سير الحملة من النيل عبر البواخر إلى البَرْ عبر الجِمَال. لذلك يجب إعادة كتابة تاريخ السودان لتثبيت هذه الحقائق، وأهمها حقيقة أنَّ معركة كررى هى صنيعة غدر وعمالة وتمرّد أهل المركز وتطاوُلِهم بالكِبْرِ والمعَاصِى، والخيانة العظمى، والتخصص بإمتياز فى العمالَةِ و"الجاسوسِيَّة" والتمرّد ضد السودان وشعوبِه الأصلية Indigenous.لا أطيل عليكم، نواصل فى جزءٍ ثالث إيراد نماذج العَمَالة والتمرُّد، مقارنة بين أهل المركز والهامش، سأروى قصة حرق العلم الإنجليزى بالفاشر 1952م، وحقيقة خيانة أهل المركز لثورة 1924م لأنَّ قادتها ضباط أحرار من أبناءِ الهامش الشهداء (على عبد اللطيف، وعبد الفضيل الماظ). وكيف مارس ضِدَّهم أهل المركز عُنصريَّتهم وعمالتِهم وتمرُّدِهم المَعْهُود بكِتابةِ "عَرِيضة" بتوقيعات"الملأ"من اعيانِ المركز، يؤيدون فيها سلطات الإحتلال ضد ثورة 1924م. (إلى جزءٍ ثالث) أحدث المقالات
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة