|
من هم العنج 3/احمد الياس حسين
|
أحمد الياس حسين mailto:[email protected]@gmail.com آثـار العنــج رأينا في موضوعنا السابق كيف حفظت الذاكرة الشعبية في منطقة شمال كردفان تراث العنج، وإلى جانب ذلك فقد حفظت المنطقة أيضاً بعض آثارهم . فقد ذكر ماكمايكل (قبائل شمال ووسط كردفان ص 109) أنه "توجد في الحرازة وأم درق وأبو حديد حلقات عديدة من حجارة الجرانيت والفلسايت والحجر الرملي وحلي مخروطية مجوفة وأدوات وجدت في مواقع المستوطنات القديمة، وعلقت في الأكواخ تحفاً وتمائم يطلقون عليها بلا تمييز حجرأبو قنعان [كنعان]" ويواصل ماكمايكل قائلاً: "وُجِدت حجارة مشابهة لحجارة أبو قنعان [كنعان] في الحرازة وأم درق وأبو حديد في جزيرة مروي. كما توجد في الحرازة نماذج من الصور الصخرية ترجع إلى عصور مختلفة. ففي جبل الشلالي يوجد "عمل مكتمل غاية الاكتمال ومفعم بالحياة والحركة وهو يمثل رجالاً وخيولاً وزرافاً تم تصويرها بلون أبيض أو أحمر وتشبه هذه التصاوير الرسوم الصخرية في شمال افريقيا." ويوجد في جبل كرشكول "شكل غير منتظم وبلا نكهة فنية من الكاتبة التصويرية يماثل تحديداً الصور الصخرية المألوفة للليبو- البربر [قبائل الأمازيغ الصحراوية] التي توجد في الجزء الأكبر من شمال افريقيا وبلاد الطوارق." كما توجد في جبل كركيلا "صور حيوانات قطعت بقسوة على كتل من الجرانيت." ويطرح ماكمايكل (قبائل شمال ووسط كردفان، صفحات 109 - 112) رأيه في هذه الآثار قائلاً: "صحيح أن الصور الصخرية ذات الطبيعة المماثلة توجد تقريباً على نطاق افريقيا، لكن من الأرجح ربط تلك الصور الموجودة في الحرازة بعنصرغير محلي. ويرى ماكمايكل أن الرسوم الصخرية الموجودة في الحرازة والتي يقال إنها من عمل العنج أو أبو كنعان ربما لم تكن من أعمالهم. ويميل لنسبتها إلى البدو أسلاف القبائل الصحراوية من البربر والتبو الذين طافوا في الأيام الغابرة على المنطقة الواقعة حول الحرازة." ولا أختلف مع السيد ماكمايكل في أن أسلاف التبو وأسلاف بعض القبائل الصحراوية قد يكونوا تجولوا في المنطقة، لأن كل المناطق الواقعة بين النيل شرقا وتبستي والبوركو غرباً وبين جنوب كردفان ودارفور الحاليتين جنوباً وواحة الخارجة المصرية شمالاً كانت مأهولة بالسكان ذوي الصلات القوية المتواصلة. وقد ساهم كل أولئك السكان في الحياة السياسية والتجارية في المنطقة منذ العصور القديمة مممىىىكما اتضح في الآثار المصرية منذ عصر رحلات حرخوف المشهورة في التاريخ المصري القديم في الألف الثالث قبل الميلاد، وكما ورد في الكتابات اليونانية الرومانية منذ نهاية الألف الثاني قبل الميلاد. وقد تم العثور على مخلفات الانسان في هذه المنطقة منذ العصور الحجرية القديمة، كما خلف سكان منطقة شمال دارفور الكثير من الرسوم الصخري التي درسها آركل في مقاله القيم “Rock Pictures in Northern Darfur” في مجلة Sudan Notes and Records Vol 20 part 2, 1930. تناول فيه عدداً من الرسوم تضمنت كثير من الحيوانات أغلبها ثيران بقرون كبيرة ممتدة إلى الأمام تشبه بعض أنواع الثيران السائدة في المنطقة اليوم. ولسنا هنا بصدد موضوعات تلك الرسومات أو قيمتها التاريخية والفنية بل أردت فقط أن أشير إلى أن هذا النوع من الرسومات الصخرية كان معروفاً وممارساً وليس غريباً على سكان منطقتي كردفان ودارفور الحاليتين. كما تم العثور على الكثير منه في المناطق النيل جنوب أسوان ووداي حلفا والمناطق الصحراوية الواقعة عربى النيل. وقد دون ذلك الرحالة في مشاهداتهم، وتناول بعضها دنبر في موضوعه " some Nubian Rock Pictures" في مجلة SNR Vol 17 part 2, 1934. ولا يتفق هذا معما يميل إليه ماكمايكل من أن رسومات منطقة الحرازة قد تكون من أعمال القبائل الصحراوية (الأمازيغية) التي فد تكون تجولت في المنطقة في تلك الآوقات. كما ذكر الدكتور أحمد المعتصم الشيخ المعتصم (زمن العنج ص 6) أن بعض المقابر القديمة في مناطق الشلالين الرابع والخامس وبعض المواقع الأثرية غربي مدينة أم درمان وفي وادي المقدم وبعض الحفائر في منطقة المناقل كل هذه الآثار ترجعها الروايات الشعبية المحلية إلى زمن العنج. وذكر ماكمايكل (قبائل شمال ووسط كردفان، ص 109 و127) أن بعض الروايات المحلية العربية تروِي أن العنج كانوا اقرباء لنوبة جنوب كردفان وأن لهم أيضاً صلات بالميدوب. ونعود إلى الآثار التي وجدت في الحرازة وأم درق وأبو حديد والتي أطلق عليها أبو كنعان. ذكر آركل (A History of the Sudan, p 98, note 2 ) أن تراث عرب شمال كردفان يستخدم كلمة أبوكنعتن للدلالة على السكان الأصليين قبل الاسلام، ومن المملكن أن يرجع اسم أبوكنعان للسكان في العصر المروي أو المسيحي. ووتؤيد رواية أخرى في تراث المنطقة هذه الرواية. فقد نقل ماكمايكل (قبائل شمال ووسط كردفان، ص 110) عن سكان الحرازة رواية تقول: "أن أبا كنعان عاشوا أيام الأنبياء أي قبل الاسلام، وكانوا شعباً ثريّاً وملحداً وقد جمعوا ثروة طائلة، ولكن أصابتهم مجاعة خطيرة، وكان سعر القمح وزنه بالذهب .وفي النهاية هلكواجكيعاً وذهبت ريحهم." إشارة إلى مروي ، نستصحب معنا ما قاله داؤد عن عاصمة مروي الثانية فالروايات المحلية إلى جانب المخلفات الأثرية توضح أن أبا كنعان (أو العنج) عاشوا في فترة سابقة للاسلام، وترحج أغلبها رجوعهم إلىى ماقبل العصر المسيحي. فإذا كانت آثار وروايات أبو كنعان ترحع للعصر المروي فلا سبيل لربطها بالبربر كما كما ذهب إلى ذلك آركل. فارتباط قبائل الحصراء بكنعان والكنعانيين اشتهر في المنطقة بعد انتشار الاسلام حيث ألحق نسابوا البربر من العرب وغيرهم القبائل الأمازيغية بكنعان بن سام بن نوح. صحيح أن أنمفهوم الحاق شعوب العالم كلها بأبناء نوح يرجع إلى التراث اليهودي السابق للاسلام إلا أن انتشاره في المنطقة ارتبط بوصول بدخول الاسلام. من هم العنج فيالتراث الشعبي قبل أكثر من ثلثة قرون؟ العنج من السكان كما نورد فيما يلي بعض القبائل والجماعات التي نسبها التراث السوداني قبل أكثر من 300 سنة إلى العنج كما وردت في مخطوطة ود دوليب الأكبر عام 1680 م (Michael, A History of the Arabs in the Sudan, Vol. 2 p 194 - 196) مرتبة على حسب الحروف الهجائية: باقرم، البديرية الذين هم في السودان يضمون بعض العباسيىة وبعض العنج، البرقو عنج ما عدا الأسرة الحاكمة، التيايسـة، الجانجي، الدناقلة: قبائل الدناقلة الدناقلة سكان أصليون وكلهم عنج ما عدا الغرباء الذين هاجروا إلى ديارهم مثل الركابية والغرباويون من بوركو (برقو) والدفارية والبكراوية والسباوية وبقية الدناقلة عنج، ويوجد بقية منهم الآن يطلق عليهم النوبة، الداجو، الفنقور، كاجا، كاتول، سكان كردفان من شواطئ النيل الآبيض حتى دنقلة عنج، نوبا أبو سنون، ونوبا الحرازة وأم درق وأبو حديد، ونوبا الكرتان.
خلاصة ويلاحظ أن ما تم التعرف عليه من آثار وما ورد في التراث الشعبي أوقف حدود انتشار العنج شمالاً في منطقة دنقلة. وإذا ثبت أن التراث الشعبي لمنطقة شمال الشلال الثالث لا يتضمن شيئاً عن العنج، أمكن تفسير ذلك بأن سكان هذه المنطقة الواقعة بين الشلالين الثالث والأول - باستثاء ما عرفوا فيما بعد بالكنوز- قد وفدوا إلى المنطقة في نهاية العصر المروي في القرن الثالث الميلادي من منطقة الصحراء الغربية، وهم النوبادين الذين أسسوا المملكة المسيحية التي عرفت في المصادر اليونانية والرومانية باسم مملكة نوباديا، وعرفت في المصادر العربية باسم مملكة مريس ومملكة النوبة. وقد وصفهم ابن سُليم الأسواني (في مصطفى محمد مسعد، المكتبة السودانية العربية ص 96) في القرن الحادي عشر الميلادي بأنهم المريس الذين تنتهي حدودهم عند قرية بستو أو يستو في منطقة الشلال الثالث. وقال عن بستو: " هي آخر قرى مريس وأول عمل مقُرّة، ومن هذا الموضع إلى حد المسلين لسانهم مريسي" وقصد بذلك أن من قرية بستو إلى أسوان شمالاً لغتهم مريسية، لأن أسوان كانت في ذلك الوقت الحد الفاصل بين المسلمين في مصر والمسيحيين في السودان. فالعنج إذاً بناءً على ما توفر حتى الآن من آثار وتراثهم سكان السودان حنوب منطقة دنقلة قبل وصول العرب والاسلام، وأن المؤرخين أمثال آركل وماكميكل يقترحون أن أصل الاسم يرجع إلى شمال كردفان. ويلاحظ أن شعب النوبا المذكور في المصادر اليونانية والرومانية "النوباي" وفي المصادر الاكسومية "النوبا" كان موجوداً في منطقتي كردفان ودارفور الحاليتين قبل الألف الثالث قبل الميلاد، وكانت له نظمه السياسيةوممالكه إبن العصر المروي، وكانت له علاقاته التجارية مع مصر ظهرت بوضوح في العصر البطلمي في مصر منذ القرن الثالث قبل الميلاد. فهل العنج هوالاسم المحلي للنوباي/النوبا في منطقتي كردفان ودارفور الحاليتين، وتم العثور على بعض آثاره في بعض مناطق شمال كردفان؟ ولعل الكشوف الأثرية في المستقبل تكشف عن الكثير في بقية المناطق الأخرى في غرب السودان. ومن الثابت وجود النوبا منذ القرن الثالث قبل الميلاد على طول النيل الأبيض ونهر النيل، وفي مناطق غرب وشرق النيل و الجزيرة والبطانة وأعالي النيل الأزرق وشرق السودان. فهل انتقل اسم العنج من غرب السودان إلى هذه المناطق مع انتشار قبائل النوبا؟
|
|
|
|
|
|