|
من منكم يسمعني
|
وأنا خارج الوطن عندما أجلس على مكتبي يومياً وأنا في الطابق الثالث كنت أتأمل عبر النافذة المارة في الشارع العام ، أستكشف أسرارهم وأبحث في نظراتهم وحركاتهم وما يمكن أن تنبئ به عن حياتهم وأفكارهم وأفراحهم وأتراحهم . كان فضولي يشدني إلى أبناء جلدتي إلى السودانيين ففيهم أرى نفسي وأقيس أطوالي وأنظر إلى ألواني ، ففيهم أحس بواقعي واقرأ مستقبلي . من زاويتي في ذلك الشارع المكتظ بالبشر والمليء بالأصوات ، في هذا الخضم من البشر في هذا الشارع الكبير كنت أستقرئ تلك الوجوه السودانية أتفحص تقاسيمها وأنظر إلى ألوانها ، أسالها سؤالا ساورني منذ زمن ودفع بي إلى هذه الزاوية من المكتب وأنا أطل في هذا الشارع الكبير ؟ ما الذي أتى بكم إلى هنا ؟ جماعات وفرادى ، كهولاً وأطفالاً ، نساء ورجالاً ، فيكم الغني والفقير ، الطويل والقصير ، الأبيض والأسود ، العالم والجاهل ، الملتحي والأمرد ، اليسار والوسط واليمين . خيل إلي أيها السودانيين أنكم في يوم من الأيام لن تجتمعوا تحت سماء واحدة وعلى أرض واحدة من أجل هدف واحد ، وتاريخنا ذلك من الشاهدين . وأنا أقلب وجهي يمنة ويسارا بين أبناء قومي وهم على درب الحياة يسيرون في ذلك الشارع الكبير في بلاد الغربة ، تساءلت لما لاتعج صحافتنا السودانية بالتساؤلات عن الأسباب الكامنة وراء هذا الزخم من مواطنيها الذين قد ولوا وجوههم شطر البلاد العربية والأعجمية تاركين وراءهم آبائهم وأولادهم وأصدقائهم وأقاربهم ، والبيوت الفسيحة والطبيعة الساحرة وحيشان (الهمبريب) الطلق . وأنتزعت خيالي في مجراه وأدرت طرفي إلى تلك الوجوه السودانية في ذلك الشارع الكبير وإذا بها تصفح عن رأي أخر وتهمس بكلمات متقطعة ، فهي لم تتعود الجهر بالقول أو نطق الجمل المفيدة ، وعندما أقتربت منها أسبر أغوارها وأتعرف على معاني كلامها والسر الكامن وراء هجرتها الموسمية والدائمة وجدتها جميعاً وعلى اختلاف مللها ، وأشكالها وفقرها وغناها وأهدافها ومقاصدها تقول جئنا إلى هنا من أجل كسب لقمة العيش ، ولكي نعيش وأهلينا حياة كريمة ، وسألت نفسي ألا يمكن لمن سخروا الأشياء العظيمة بأحوالهم وأعدادهم وتاريخهم إن صدقوا فيما يقولون أن يضمنوا لكل المهاجرين عيشاً رغدا في بلادهم الحبيبة؟ ليلتئم الشمل ويعود الطفل إلى جدته والكهل إلى داره والمزارع إلى زراعته والعامل إلى مصنعه والشاعر إلى صومعته ، والعالم إلى مكتبته ، والشيخ إلى مسجده والعاشق كما في أمثالي إلى محبوبته ، وتصبح شوارعنا كبيرة وأجد لي مقعداً في زاوية من زواياها ، هل أنا أحلم ، أم أكتب تاريخ المستقبل البعيد .
حسين الهندي الرياض 11/2/2004م
|
|
|
|
|
|