الموت يظل هو الموت.. و دائماً ما يبحث الانسان ( فضولياً) عن السبب فيه لتعدد الأسباب.. و من الناس من يرغب فيه بالانتحار ( جهاداً) ليقترن بحور العين ( كواعب أتراباً).. و منهم من يهرب من عذاب أفقده الأمل في الدنيا، و لعدم إيمانه بأي حياة أخرى ابتغى الراحة الأبدية.. و لم يشأ خالد ابن الوليد أن يغادر الدنيا كما يغادرها العير.. و من الناس من يُقتل غيلة.. و من يُقتل خطأً.. و من يُقتل ( شرعاً).. و من يقتله الأسد.. و من تقتله بعوضة..
و ارتحل الشيخ الترابي ليلقى ربه، و الناس في شغل لاستكناه سبب وفاته.. كيف و لماذا؟ و سوف تتعدد النظريات و الاستنتاجات حتى بعد رحيل النظام الفاسد الذي اختلقه الترابي لأذية انسان السودان باسم الاسلام..
و نشرت صحيفة حريات الاليكترونية ما كشفه لها أحد القياديين بحزب المؤتمر الشعبى عن آخر مواجهة بين قيادات من النظام الحاكم و بين د. حسن الترابي .. الذي واجه المهندس/ ابراهيم محمود – مساعد رئيس الجمهورية – و القيادات المرافقة للمهندس، و ذلك قبل وفاته بأيام قليلة ، زجر شيخ الترابي الجماعة بسبب ما ( زعم) من تزوير في توصيات لجنة الحريات والحقوق الاساسية بالحوار رغم اجازة اللجنة للتوصيات بما فيها مقترحات المؤتمر الشعبى و التي تضمنت أربعة مطالب ملخصةً في:- فترة انتقالية لمدة عامين ، رئيس وزراء مجمع عليه بكامل الصلاحيات ، استمرار عمر البشير فى منصبه لعامين دون سلطات ، واقتصار جهاز الأمن على جمع المعلومات وتحليلها..
يا زول! البشير يستمر ( دون سلطات)؟ ربما كلمة ( دون سلطات) هذه هي القول المميت الذي أودى بالشيخ إلى حتفه بطريقة ما!
و حاول ابراهيم محمود انكار حدوث أي تزوير، لكن الترابي هاجمه بضراوة.. و وصفه بالمزور و الكاذب.. كان الترابي منفعلاً جداً.. و هو شيخ طاعن في السن و مريض بالقلب.. و مضى في انفعاله إلى أكثر من ذلك حين هدد بانه فى حال عدم تصحيح التزوير، فانه سوف يخرج لمواجهة النظام وعمر البشير شخصيا بعد أن تنهي الجمعية العمومية للحوار أعمالها..
و ربما كانت تلك المواجهة هي قاصمة ظهر الترابي.. مات غلباً، ربما.. و ربما إهمالاً، يجوز.. و ربما و ربما.. ".. لغياب الحس التأميني".. و لا زالت وفاة ياسر عرفات تحوم في التلافيف..
إستبعد مصدر ( حريات) احتمال اغتيال الترابي ، و رآى ان السبب المباشر لوفاته (الغُلب) الذى شعر به بعد تأكده من فشل حوار الوثبة الذى راهن عليه واستثمر فيه لحوالي عامين ، فضلاً عن ان الترابي بحكم خبرته على يقين بان نهاية الحركة الاسلامية على مقربة طالما قياداتها جماعة من الأغبياء و الفاسدين والعاجزين والفاشلين..
و يقول الصحفي عبد الباقي الظافر في مقال بصحيفة ( الراكوبة) الاليكترونية أنه تردد كثيراً قبل نشر مقاله في ذات الموضوع، و الدموع لا تزال في المآقي.. و لكنه ينشره حتى لا يتكرر ذات القصور مع رمز آخر من الرموز، و يقول:- "... مؤخراً كلما أزور الشيخ رحمه الله .. يلفت نظري ضعف الحس التأميني ..شباب من المتطوعين يقفون من وراء الباب الذي لا يوصد أبداً.. ليس هنالك تدقيق في هويات الزوار.. تقاليد الأسرة المضيافة تقتضي أن يتم إكرام كل من تكبد مشاق الوصول إلى دار الرجل الرمز.. بصراحة .. بذات الإهمال خطفت الأقدار الدكتور جون قرنق الذي سافر في ظروف غامضة إلى يوغندا ولم يعد.. رحل الشهيد الزبير لأن المطار لم يكن جاهزاً.. في كل كوارثنا كان الإهمال حاضراً ولكن لا أحد يعترف بذلك.. نحن نحَمِّل الأقدار كل إخفاقاتنا..
وسبق وأوضح المحلل السياسي لـ(حريات) بان عمر البشير غير راغب وغير قادر على تقديم أي نوع من التنازلات للترابي وانه يسعى لتوظيف الترابي تكتيكيا باستخدام شرعيته وسط الاسلاميين الحاكمين للتخلص من مراكز القوى الأخرى التى يخشاها عمر البشير..
يكذبون و يزوِّرون و يتصارعون على السلطة.. الكذب جزء أصيل في تكوينهم.. حياتهم رمادية اللون.. و النفاق يجري في شرايينهم بلا توقف.. لكن لديهم حسَناتهم.. و الغباء أعظم تلك الحسنات حيث تكشف الكذبةُ الكذبةَ فور انطلاق الأولى من مخابئ المين و البهتان و الإفك في قيامهم و قعودهم، و ابتساماتهم عند تواصلهم مع بعضهم البعض تحكي ابتسامات الذئاب.. السلطة و الثروة حاضرتان حتى و هم يركعون و يسجدون في حضرة مالك الملك..
إنهم هم الوسواس الخناس..
لا للسلطة و لا للجاه.. و كل همهم السلطة و الثروة و الجاه..
هنا يصطرع الشيئ و نقيضه.. المكر و الدهاء مقابل العضلات و الغباء.. إنتصرت العضلات رغم الغباء المصاحب لها.. صرع الثور أب ( جاعورة) إبن آوى.. و الغباء المدمر قد ينتصر أحياناً..
البشير ناقم على الترابي.. مات الترابي هماً و غماً.. و تجاهلاً.. ف" ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند".. و سافر البشير إلى جاكرتا عاصمة إندونيسيا تاركاً وراءه الجنازة قيد الدفن.. فأثار لغطاً و اتجهت نحوه أصابع الاتهام من جهات ناقمة عليه استفراده بالسلطة المسروقة دون ( إخوانه) في المنشية المنسية.. و أفضال ( الشيخ) تملأ حوش بانقا و تطال كل من سكن الحوش و يسكن الحوش أو جاور الحوش أو يجاوره.. أو مر بالحوش عرضاً أو يمر به في قادم أيام استمرار السلطة و التسلط.. و استمرار عمر البشير و في جيبه كل السلطات..
و من المعطيات التي بين يدينا يمكننا أن نخلص إلى أن وفاة ( الشيخ) كانت وفاة طبيعية أشبه بالقتل العمد مع سبق الاصرار و الترصد.. و لا يعلم الحقيقة بكامل حيثياتها سوى علام الغيوب!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة