رفع الشيخ يده حتى كادت أن تلامس سقف قاعة الاجتماع.. لم يكن من الممكن تجاهل الرجل (الملحاح) في المؤتمر العام للشعبي..الرجل الذي جاء من أقصى المدينة قام بترشيح كمال عمر عبدالسلام أميناً عاماً ..اللائحة تسمح بتسمية مرشح إضافي خارج توصيات هيئة الشورى إذا نال التصويت خمسين مؤيداً..لم تكن المهمة سهلة في مناخ الإجماع على الدكتور علي الحاج. استبق الصديق العزيز كمال عمر إعلان الأمانة العامة الجديد برفض تمثيل حزبه في البرلمان الموسع..علل الأستاذ كمال موقفه بأن حزبه خان مباديء الشيخ الراحل حسن الترابي في مجال الحريات..لكن كمال رغم موقفه المعروف عن الحريات بدا متفهماً لموقف حزبه وقد كان ضيفاً على برنامج الميدان الشرقي بقناة أم درمان قبيل (٧٢)ساعة من استقالته.. في ذاك المساء كان كمال عمر يتعهد بمواصلة الجهاد الدستوري في مرحلة إجازة القوانين في البرلمان الموسع. قبل أن نحاول قراءة المستجدات الجديدة التي أغضبت الأستاذ كمال عمر علينا التوقف في إستراتيجية الدكتور علي الحاج..وقبل ذلك علينا التأكيد أن علي الحاج كان يشغل منصب مساعد الأمين العام من مهجره في ألمانيا ..لكن ذلك الامتياز توقف في أمانة الشعبي الأخيرة التي ترأسها الشيخ الترابي، وكان كمال أحد نجومها ومركزاً من مراكز القوة فيها..استراتيجية علي الحاج تقوم على بناء مرحلة جديدة وفق قراءة جديدة ..ليس في مرحلة علي الحاج التزام حرفي بمسيرة الشيخ الراحل حسن الترابي..لهذا كان علي الحاج حريصاً على تصفية قيادة الحرس الترابي التي تعيق رؤيته عبر ابتعاثهم للجهاز التنفيذي أو التشريعي.. هذا يعني أن كمال لم يكن وحده المستهدف. المشكلة الأخرى التي واجهها كمال عمر كان عنوانها الحسد من جيل القدامى.. كمال لم يكن ناشطاً سياسيًا معروفاً إبان دراسته القانون بجامعة القاهرة بالخرطوم..لكن الترابي اكتشفه في مناخ ما بعد المفاصلة وصعده من كادر شعبي في السجانة إلى أحد مساعديه المقربين ..ذاك الامتياز حرك مراكز كثيرة ضد كمال عمر خاصة بعد أن خطف الأضواء وفات (الكبار والقدرو)..بعض من هؤلاء استعان بهم الأمين العام الجديد في ترسيخ سلطته..لكن هؤلاء تحركوا أيضاً ضد كمال عمر فحاول علي الحاج تخزينه في البرلمان إلى حين. في تقديري أن كمال عمر ظلم نفسه واختار توقيتاً خاطئا لشق الصف الشعبي.. بل بدا وكأنه كان يبحث عن تعويض عن الخدمة الممتازة والشاقة التي بذلها في السنوات الخالية ..كما أن تعريضه بالأمين العام الجديد فيه خروج على الأعراف التنظيمية التي تحكم الإسلاميين منذ زمن طويل..كما أن تهديده المبطن بنسف استقرار الشعبي فيه قدر من تضخيم الذات..لكن كل ذلك لا ينقص من تضحيات كمال وقدراته التي يحتاجها الحزب في هذه المرحلة المفصلية. بصراحة..كمال عمر ظلم نفسه باختياره توقيتاً غير مناسب للتمرد على الأمين العام الجديد..كل عبر الانشقاقات كانت تؤكد ماضي المنشق كان أفضل من حاضره..من حسن حظ كمال أنه مازال يتمتع بمساحة للتراجع ودموع الشيخ السنوسي بالأمس في هيئة الشورى تقف شاهدة على رغبة الشعبيين في استرجاع ابنهم صاحب التاريخ النضالي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة