|
من طرائف أشعار العلماء محمد وقيع الله (2من2)
|
من طرائف أشعار العلماء محمد وقيع الله (2من2)
[إهداء إلى تلميذيَّ النجيبين والشاعرين المحسنين الحسن والحسين هدية الله .. من أبناء يوروبا بنيجريا]
روى الأستاذ الطيب محمد الطيب رحمه الله قال: إن الشيخ ألفا هاشم الفلاتي مرَّ في طريقه إلى الحجاز بمدينة أم درمان ونزل ضيفا على سماحة شيخ الإسلام الإمام محمد البدوي رضي الله تعالى عنه. وعرض على الشيخ قصيدة مهملة (أي غير المنقوطة) من نظمه مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر الراوي أن الشيخ الشاعر العالم النيجيري بدا وكأنه يختبر علماء السودان وشعرائه ويتحداهم بقصيدته تلك. فخاطب سيدنا الإمام البدوي قائلا: هل ببلادكم من يستطيع تشطير أبيات هذه القصيدة المهملة بأبيات مهملة مثلها؟! عندئذ تذكر شيخ الإسلام ود البدوي سيدنا الشاعر الشيخ محمد الطاهر المجذوب الذي كان مقيما في تلك الأيام بناحية حمري من أعمال أعالي نهر عطبرة. وبعث إليه على عجل رسولا على ظهر هجين ملتمسا من الشاعر الإسراع بتشطير قصيدة الشاعر العالم النيجيري الإمام الشيخ ألفا هاشم. وذكر الطيب محمد الطيب أن الرسول وجد الشاعر محمد المجذوب منهمكا مع زملاء له في تشييد راكوبة فبلغه تحايا شيخ الإسلام وسلمه رسالته المتضمنة طلب التشطير. فابتهج الشيخ المجذوب بملاقاة التحدي وتحفز للاستجابة له بما يجب. وشرع على التو في شحذ قريحته والاستنجاد بملكته واستحضار محصوله من مفردات الضاد. وشرع يشطِّر القصيدة الأصلية بأبيات كلماتها عارية من النقط. وما كاد الرسول يفرغ من طعامه ولوازم إكرامه حتى كانت القصيدة المشطرة جاهزة بين يديه ليحملها عائدا بها إلى شيخ الإسلام بأم درمان. والتشطير عبارة عن تدخلٍ تامٍ في بِنية القصيدة وترتيب نظمها. بأن يأخذ المشطِّر صدر البيت ويضيف إليه عجزا من كلامه. ثم يتصرف مع عجز البيت الأصلي تصرفا آخر فيصنع له من كلامه صدرا. وبذلك يصبح نصف القصيدة من نظم الشاعر الأصلي ونصفها الآخر من نظم الشاعر المشطِّر! وذلك من دون ما إخلال بروح القصيدة ولا مسٍّ بحرارة أنفاسها أو تأثير في انسيابها بنسق تلقائي. فكأنما تمازحت روحا الشاعرين وتشاكلت أهواؤهما. وحمل الرسول القصيدة بتشكيلها الجديد إلى شيخ الإسلام الذي أراها لفضيلة الإمام الشاعر النيجيري الطريف المتحدِّي للسُّودان. فسر بها سرورا بالغا وعبر عن رضاه وإعجابه بها بلفظ بليغ قال فيه إن هذا الشاعر من السُّودان بحر علمي هدَّار! وأضاف يقول: لو انحسرت علوم المذاهب الأربعة واندرست رسومها جميعا لأحياها هذا الشيخ العلامة الهمام. وهذا هو نص القصيدة في إخراجها الأخير نقدمه إلى حضرات أصحاب الفضيلة القراء. ولهم أن يعجبوا بها على أن يلاحظوا أنها من شعر الفقهاء وليست من الشعر العالي في شئ. ولهم أن يلحظوا أيضا - إن شاؤوا - أن التكلف بادٍ في تضاعيف النظم، من حيث عزم الشاعرين وتعمدهما استبعاد كلمات حلوة هي أقرب إلى لغة الشعر وأدلُّ على معانيه المرادة، لا لشئ إلا لأنها احتوت على النقط غير المرغوب في أمرها. يقول الشاعران:
ألا وَاصلَ اللهُ السلامَ المُردَّدا لأكرمِ رسْلِ اللهِ طُراً وأسعدا وأوسع آلاءً وكمَّل طوْله لأوسعِ كلِّ الرُّسْلِ سَعداً وأحمدا محمد الصَّدرُ المُعَلَّى مكارماً ومصلحُ حالِ الكلِّ أحمر أسودا رسولٌ له الآمالُ أطر رحالها ممهِّدُ أحكامِ الإلهِ موطِّدا مدمِّر أعداءِ المصوِّر للورَى حسامٌ لردعِ المُلحدِ الصَّلدِ أًرصَدا وَصولٌ لأرحامٍ رَسولٌ مُطهَّرٌ وموئلُ ماسورٍ الهُدى رامَ مَعرَدا مسهِّلُ آمالٍ ومصلحٌ صالحٌ وكم سَامدٍ لولاه أهلكَه الرَّدى هو الدر حد السر رد علومه هو الروح أعلى الرسل أكرمهم هدى ومسعِدُ عاصٍ دارَ حول مُدامه ومحمودُ أعمالٍ كما هدَّ ماردا حسامُ علاً هام العدوَ وطلَّه مطاعُ كلامٍ سادَ كلاً وسوَّدا هو الأصل لوح الكل أصلح صالح هداهم هدى الإسلام كهلاً وأمردا وأكمل محمود وأعلى محامداً وأسمح مسؤول وأطهر مولدا هميٌّ راحه ماء لأهل وداده وأرواهمو مما هماه وأسعدا وعمَّ عطاه للملا كل عادم كما رمحه صدَّ العدو وأصعدا وما أمَّه السُّؤَّال وأوردوا ركاماً همى صاروا له الكل وُرَّدا لا رامه الرُّواد إلا أراهمو مواردَ طوْل سحُّه عمَّ سرمدا معالمه أهدى المعالم كلها ولم لا وهو طه إمام أولي الهدى مراحمه كمٌّ عمَّ هاطلُ رغدها مطاعمه أحلى وأسهل موردا وعلم هداه مسعدٌ كلَّ سالكٍ مسالكه راعى الصراط الممهدا فمدَّ لأرواحِ العُلا طوعَ أمره وصارم أهل اللؤم والوهم والردا سلامٌ كروْح المسك والعودِ روحُه لأحمد ما صاح الحمامُ وردَّدا إلهُ السماء والى مراحمَ طوله له الدهرُ ما سحَّ السماء وأرعدا مع الآل والأهل الحداد سلاحهم لأعداك حد السهم هلكاً واكدا ورهط رأوك الدهر مرأى وأرصدوا لأهل الهوى صلاحهم لاح والهدى!
ألا رحم الله تعالى هذين الشاعرين العالمين. ورحم تعالى شيخ الإسلام محمد البدوي. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
|
|
|
|
|
|