كان الرئيس يجلس في ركن قصيٍّ من بيت سفير السودان في ألمانيا فيما يروي الكاتب الصحفي شوقي بدري.. حينما قام الضيوف لمائدة الطعام احتاج المشير نميري لمن يساعده على الوقوف على قدميه، هنا أرسل الرئيس الأسبق عبارة" الكراع دي يا ما شلّتت رجال".. وفي رواية أخرى جاءت على لسان الإعلامي حسن عبد الوهاب أن الرئيس أب عاج اعتدى بالضرب على وزير في إحدى كبائن قطار خُصص لرحلة رئاسية.. ولم يكن نميري وحده من الطغاة الذين أدمنوا العنف اللفظي تجاه شعوبهم، المهيب صدام حسين أرسل عبارة (قطع الرقاب ولا قطع الأرزاق)، فصارت مثلاً تسير به الركبان .
أمس الأول زار الدكتور فيصل حسن إبراهيم مساعد رئيس الجمهورية مدينة كادوقلي.. من على الجبال العالية وجّه الرجل رسالة لإخوته في الله " البيحفر حفرة لاخيه بندفنوا فيها".. الرسالة القاسية لم تكُن مرسلة لخصوم في الساحة السياسية اختلفت بهم السبل بل لأصحاب مشروع واحد تجمع بينهم الرؤية ووحدة الهدف.. والحقيقة أن الدكتور فيصل عُرف بالصمت طوال مشواره قبل الوصول إلى القصر الجمهوري.
إمعان النظر في الخطاب العدائي يجده أسلوباً تسيّد ساحة الحكومة وحزبها الحاكم. أحيانا يكون في لغة تحمل الإشارة كما جاء في حديث الأمين السياسي للحزب الحاكم حامد ممتاز في ذات المدينة.. ممتاز بعد أن حدّد لأهل الحزب الحاكم المرشّح الرئاسي قال لهم" الحاضر يكلّم الغائب " في أمر التفلّتات.. التفلّت المعني أن تقول (لا) للمجموعة القابضة بمفاصل المؤتمر الوطني.. ويمكن أن يكون الحديث بحدة قلع العيون أو قطع الرقاب كما جاء في حديث الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن نائب الرئيس في خطاب جماهيري.
إلا أن السؤال ما الذي جعل الإنقاذ تشتط في الخطاب.. الملاحظ انتقال الخطاب من مواجهة الأعداء على شاكلة أمريكا روسيا قد دنا عذابها.. إلى مخاطبة المعارضة السياسية بلغة لحس الكوع والاغتسال سبع مرات قبل العودة إلى الوطن.. ثم أخيراً إلى من يختلفون في وجهات النظر داخل أسوار الحزب الحاكم.. بات الاشتطاط في الخطاب واحداً من أساليب التقرب إلى القيادة العليا.. بل يصل في بعض الأحيان لمرحلة تكسير الثلج المنافي للإنسانية كما جاء في قول والي النيل الأبيض حيث وصف نفسه بالعبد المطيع.. بل كرّر الدكتور عبد الحميد كاشا ذات الاندلاق حينما قدّم رئيس الجمهورية للجماهير (الخشم خشمي اتكلم يا سيدي).
في تقديري مطلوب من الحكومة أن تُغيّر من هذا الخطاب بأعجل ما تيسّر.. التلويح باستخدام القوة أمر يستفز مشاعر السودانيين من قديم الزمان.. كما أن هذا الخطاب استعلائي لا يصدُر من سلطة وطنية في مواجهة شعبها.. بل يفيد مثل الخطاب بالخوف المفضي للارتباك عند بعض المسؤولين.. وعند آخرين لشعور مناقض يفيد بالاسترخاء والإحساس الزائف بالعظمة.. على الحكومة أن تُدرك جيداً أنها خادم الشعب .. ومن واجبها أن تتأدب حينما تخاطب مخدّمها.. بل عليها الاتعاظ من دروس التاريخ في نهاية الجبابرة والطغاة.
بصراحة.. نسأل كما تساءل أديبنا الراحل الطيب صالح من أين أتى هؤلاء.. هل هؤلاء سودانيون مثلنا أم يظنون أننا مجرد قطيع أو في أفضل الأحوال رعايا حول بلاط السلطان .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة