من أين أتوا هؤلاء ؟ سؤال طُرِح في التسعينات من القرن المنصرم . أتى هؤلاء كتطور طبيعي للممارسة السياسية في السودان منذ الإستقلال . كنتيجة طبيعية لعدم رؤية واضحة من الساسة السودانيين لخصوصية التكوين المتعدد للسودان ولعدم ترجمة الأقوال كأفعال تجاه هذا الوطن المتعدد الثقافات بل الكل يتحدث ولكن لا أحد أو مجموعة أتوا لحكم السودان تجرأوا لوضع دستور واضح وبمشاركة الجميع لتحويل هذا التعدد لقوة ضاربة لصالح السودان ، لكن ، بالعكس في نهاية المطاف أصبح التعدد قوة سالبة في توحيد السودان شعباً لا بل وأصبح سبباً في تآكل السودان أرضاً. من ضمن مفاجآت خطاب المشير كانت خلفية المنصة أثناء الخطاب الموجه من المشير، ظهرت لافتة بإسم المؤتمر الوطني وبحضور بعض القادة السياسيين السودانيين هم نفس الوجوه التي تظهر خلال كل أزمة من أزمات السودان وتتبنى الحلول لتلك الأزمات منذ أكثر من خمسين عاماً وإلى الآن ، و مازالت الأزمات تتوالى إلى ما وصلنا إليه اليوم من حال . و نجدهم في المعارضة ثم مصالحة ثم مشاركة في السلطة الموجودة و بعدها تأتي الديمقراطية فَيَنْقَضّ أحد الأحزاب على الديمقراطية بإنقلاب عسكري وهكذا في دوامة ( هذا ما يقوله التاريخ ) وبعد كل تجربة نجد الوضع يزيد سوءاً إلى يومنا هذا . هذه المرة أتوقع تغيير طفيف في السيناريو وهو أن الدكتور الترابى مع بعض قادة المفاصلة عام 1999م ( هل هي كانت مفاصلة حقيقية أم مخرجاً لأزمة كانت واجهة الإنقاذ في ظل ظروف إقليمية ودولية هددت إستمرار حكومة الإنقاذ وكان مخرجهم تلك السيناريو هي أسئلة و الإجابة عليها ستتضح مع الأيام ) سيأتي بهم كل من يسعى من الأحزاب لمشاركة المؤتمر الوطني في السلطة حيث عودة الترابي للسلطة ستكون مبررة بأنه أتى ضمن أحزاب لبوا دعوة المشير للمصالحة والمشاركة في الحكم من أجل وحدة شعب وتراب الوطن الذي إنفصل جزء عزيز منه مسبقاً وأجزاء أخرى تتململ لإيجاد صياغة واضحة لمستقبلهم في ظل مستقبل غير واضح لكيفية حكم السودان . و من يأتي للسلطة بأي أسلوب يحاول أن يبقى في السلطة بأي أسلوب وغالباً لا يكون في صالح الوطن المعني ولا شعبه ، وقوة الحكومات لا تُقاس بالمدة التي تبقى في الحكم بل المقياس يكون ماذا قدمت تلك الحكومة من إنجازات لصالح الوطن المعني شعباً وأرضاً. وإذا لم يتغير أسلوب المعالجات لأزمة السودان فسيكون الوضع أكثر تعقيداً ومن هنا يمكننا الدخول في مناقشة بعض النقاط التي وردت في خطاب المشير وهي : الحوار الوطني ، السلام ، الإقتصاد والهوية. أما بالنسبة للحوار الوطني ، السلام والهوية فنحن فعلاً نحتاج لحوار وطني لوضع دستور يشارك فيه كل أبناء السودان بمختلف مشاربهم لابد لهذا الدستور أن يراعي خصوصية السودان في تكوينه و تأتي أهمية مشاركة الجميع ببساطة بأن الجميع سيدافعون عن هذا الدستور بإعتبار أنهم إشتركوا برأيهم وبالتالي الدفاع عن الدستور هو الدفاع عن ما جاء فيه ، ولكن التعقيد يأتي عندما يُطْلَبَ من شخص لم يشارك في وضع دستور أو كيفية حكم السودان أن يحترم دستور وضعه حزب ما أو مجموعة ما ، ثم نتهم من لم يلتزم بما جاء به آخرون بأنه خارج عن القانون وغير وطني فالوطنية ليست قلادات محدودة العدد توزع لأناس محددين وغالباً هم من بالسلطة وبقية الشعب ليسوا بوطنيين ، لا لابد من الجميع أن يفهم بأن الجميع سواسية في الحق. و مفهوم أن يأتى شخص أو مجموعة أو حزب على سدة الحكم هذا يزيد في حقهم عن الآخرين مفهوم غير صحيح و مرفوض تماماً ، فمن أتى للحكم ربما ليس هو الأجدر بل في الغالب تكون خدمته ظروف معينة ولذا تداول السلطة وبالدستور يكون في صالح إستقرار ، تنمية وتقدم الدول وشعوبها . و أما عن السلام فحرية الفرد والعدالة الإجتماعية تؤدي إلي تمتع الجميع بموروثاتها وبالتالي العمل لصالح السودان الذي يحمي خصوصية الجميع . و للمتضررين من الحروب والأزمات يجب الإعتذار لهم ومحاكمة كل من ساهم في ذلك بقانون واضح وبنزاهة تامة وتكون المحاكمات علنية . وعن الهوية لا نحتاج من الكيانات الساسية والمجتمع المدني سوى العمل لتطوير فكرهم لصالح واقع السودان المتعدد. وعن الإقتصاد لابد من العمل لصالح تطوير قطاعي الزراعة والرعي وبالتالي سيؤدي إلي تطوير القطاع الصناعي وإستقرار أغلبية الزُراع والرعاة في مناطقهم وبالتالي سيحد من التكدس في المدن وهذا سيساعد في التخطيط السليم والمستقر للتعليم والصحة خلافاً لتقليل نسبة البطالة وهي طاعون أي إقتصاد، وكانت الفرصة الكبيرة في إستغلال والإستفادة من موارد البترول لصالح ما ذكرت ولكن للأسف لم يحدث هذا وبالعكس ظهر الفساد بشكل مخيف بعد أن دخل البترول كمصدر من موارد الإقتصاد السوداني . و كان غريباً أن يطلب المشير عمر البشير من الإخوة العرب أن يستغلوا ما فاض من موارد البترول لديهم في الإستثمار في القطاع الزراعي والحيواني بالسودان لكي يكون سلة غذاء العرب ، بكل بساطة كان أولى بنا أن نستغل مواردنا من البترول في الزراعة والثروة الحيوانية ونصبح سلة غذاء أنفسنا ثم نطلب من الآخرين ذلك على الأقل لنطمئنهم بتجربتنا. حل مشاكل السودان وبكل أمانة لا يحتاج لمفاجآت ولا خطابات بل يكون بقرار جريء ومن سطر واحد يقرر مشاركة الجميع في وضع دستور لإدارة السودان وإيمان الجميع بأن جميعهم متساويين في الحق و الواجب وبهذا فقط سنصل لحل أزماتنا التي بدأت تعصف بوحدة الوطن شعباً و أرضاً.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة