مناظرة الترابى والعظم فى الاتجاه المعاكس

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 05:35 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-25-2004, 05:47 AM

د.عبدالله محمد قسم-السويد


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مناظرة الترابى والعظم فى الاتجاه المعاكس

    د.عبد الله محمد قسم السيد/السويد

    المناظرة التى تمت بالأمس بين د. حسن الترابى ود. صادق العظم فى برنامج الاتجاه المعاكس لقناة الجزيرة فى 20 يناير 2004 د. فيصل القاسم، صال فيها الترابى وجال وهو يعمل على تبرير قيام حركته بانقلابها العسكري وفى نفس الوقت تجريم العسكر ومن معهم من تلامذته المدنيين فى وأد الديموقراطية. والترابى كعهدنا به منظرا استطاع ان يعرض نظريا الأسباب التى أدت الى صعود التيار الاسلامى من اندونيسيا شرقا الى المغرب غربا مع توضيحه للاسباب التى أدت الى عدم نجاح الفكر القومى أو اليسارى. كما استطاع أن يؤكد لمن لا يفرق بين الفكر والفعل لديه بان مشروعه الحضارى الذى أتى لتطبيقه عبر انقلاب عسكرى تكالب عليه الجيش وأوقف تنفيذه بمساعدة من قوى محلية ودولية. وبذلك أثبت للمستمع والمشاهد أن ما جرى له كان بسبب توجيهاته للنظام بالاتجاه نحو العدل والحرية والشورى والديموقراطية وبالتالى فهو ليس مسئولا عما حدث ويحدث وهو نفس التبرير الذى أطلقه فى فترة نميرى وقد زج به الاثنان فى السجن. أما العظم فقد حاول التركيز على تجربة نظام الانقاذ فى السودان تحت قيادة الترابى وفشلها أكثر من ابراز التوجه الفكرى الاسلامى ودوره فى ظهوره وانتشاره. لا جدال حول تمكن الترابى الفكرى والنظرى وقدرته على تنزيل ذلك الفكر على الواقع وتطبيقه لمصلحة حركته قبل مصلحة الاسلام والمواطن وهو بهذا ينفرد فى عالمنا الاسلامى. ان سياسة العالم اليوم تقوم على القوة قبل الحق والترابى أثبت فى المحيط السودانى على الأقل أنه يمتلك القوة باستناده على الدين فى مخاطبة الشارع السودانى والاسلامى وتحريكه لما يؤمن به مهما كان اختلافنا معه. وهو بذلك يتفوق على أقرانه من السياسيين يمينا ويسارا الذين ركنوا وأزعنوا لعجزهم. فيما يلى نتناول نقطتين أساسيتين فى فكر الترابى لنوضح قدرة الترابى فى الوصول الى ما يؤمن به حتى وان كان يتعارض مع قيم الاسلام. والنقطتان هما (1) فقه الضرورة و(2) الشورى والتعددية

    لكي نتفهم الدور الفكري للترابي في تنظيم وتوسيع قاعدة الحركة الاسلامية لابد لنا في البداية من تناول بعض المميزات والخصائص التي ينفرد بها فكر الترابي في الساحة السياسية السودانية وهي خصائص تتقاسم بعضها مع الأحزاب الأخري ولكنها تختلف لدي الحركة بأنها خصائص متحركة مع متطلبات الواقع كما أنها لاتتقيد بأخلاقيات العمل السياسي الذي تعارف عليه الانسان السوداني. وهي مزايا في ظل الظروف التي يعايشها العالم اليوم مرغوبة بل ضرورية للتعايش فالتساهل والعفوية وعدم ابراز القوة وترك الأمور في حالة البين بين أو التردد والغموض فيما تريد الوصول اليه لم يعد أو تعد تحقق أملا أو غاية. ان الكثير من افكار الترابي رغم انها تتعلق بأستار قيم الحق والعدل الا أنها لا تتقيد بها عند التطبيق ليس انكارا لتلك القيم وانما مسايرة الي ما انتجه وينتجه العالم من أساليب ان لم تتقيد بها أو علي أقل تقدير تسلك مسالكها فان ما تخطط له لن يجد النور ولن يحترمه الآخرون. فالقوة والدهاء لغة العالم اليوم والترابي استطاع الوصول الي القوة عبر الصبر والمجاهدة في بناء حركته وعبر الدهاء السياسي الذي هو ضرورة في عالم اليوم.

    فقه الضرورة ( فقه سياسة العالم القوي)

    انفراد حسن الترابي دون غيره داخل الحركة الإسلامية بالفكر والتنظير بجانب عمله التنظيمي خلق منه مرجعا ليس داخل السودان فحسب بل على مستوي العالم العربي والإسلامي. والاهتمام بالترابي وفكره السياسي لا يرجع فقط الى أهميته الفكرية بل يرجع الى جانب ذلك، الي تطبيقه العملي لهذا الاجتهاد الفكري. فالترابي كمفكر وسياسي تحقق له الكثير من الكسب السياسي في فترة وجيزة من عمر حركته واستطاع أن يستغل خصومه في الأحزاب الأخرى ليحقق أهدافه المتعارضة بالضرورة مع أهداف تلك الأحزاب. ففكر الترابي فكر واقعي عملي يهتم بالغاية ولا يعبأ بالوسيلة التي تحقق تلك الغاية. بمعني انه فكر " يأتي خلف الحركة السياسية ليضفي عليها المشروعية والعقلانية " فعندما طبق نميري القوانين الإسلامية كما ادعي عام 1983 وجد عند الترابي السند العقائدي الذي يبرر به تفتيش الناس في بيوتهم والتجسس عليهم وفرض القوانين الاستثنائية التي تحاكمهم. يقول الترابي مدافعا عن الأفعال التي ارتكبها نميري في حق المواطن السوداني " الحاكم الذي يعلن الشريعة ليس بالضرورة أن يكون عادلا" ويشبه حالة الطوارئ بحالة التيمم للصلاة إذا إنعدم الماء معتبرا أن كل الذي تم في فترة نميري " ضرورة إسلامية لحماية النظام" . وبعد زوال حكم نميري يقول الترابي ان مشاركتهم لنظام فاسد وطاغي كنظام نميري كان الهدف منه " اغتنام فرجة حرية (...) لتطوير الحركة الإسلامية" حتى لو تم ذلك بـ " كتم اسمها وكبت كيانها والى العمل من خلال التنظيم السياسي".

    لا يعترف الترابي بتقلص الانتماء ولا بتقوقع الحركة الاسلامية ويطالبها بتجاوز الحدود السياسية وانهاء القطرية المفروضة عليها وادراك مسئوليتها العالمية في نشر الاسلام وتقوية الاتصال بين الدول الاسلامية. واصل الترابي استراتيجيته في تحويل حركته من حركة صفوية إلى حركة تنتظم كل المجتمع وتم ذلك بدخول فئات مجتمعية شعبية خاصة بعد الانقلاب العسكرى. كان الانتشار الشعبي هاجسا بالنسبة للترابي لذلك كان التخطيط عنده منذ البداية موجها نحو توسيع القاعدة الشعبية بالصورة التي تضمن للحركة الاستمرارية متي ما تغير الوضع الشمولي الذي أتت به الي السلطة. هذا التفكير يوضح كيف استطاع الترابي أن يبني حركته ويمتلك من القوة والجبروت ما عجز عنه الآخرون كما يوضح مدي جدية الترابي ومن معه في قناعاتهم السياسية ومدي جديته في بلوغ تحقيقها. توسيع القاعدة الشعبية في نظر الترابي، لن يحقق نتائج ايجابية الا اذا تم عزل أهل الطوائف الدينية وأتباعهم والذين يصفهم الترابي بذوي الولاء الأعمي. لهذا كان التخطيط يهدف الي منع وصول أؤلئك الزعماء القدريين وأتباعهم الاتكاليين ذوي الولاء الأعمى وفي نفس الوقت يضمن عدم اعتراضهم على ما تهدف اليه الحركة أو في أسوا الأحوال تضمن حيادهم. لذلك رتبت الحركة كما خطط الترابي " منهاجا للانتقال يحفظ خير القديم في إتمام الوعي بالتربية الفردية وأحكام التنظيم والحركة. ويجمع اليه خير الجديد من تعبئة وسائل التربية الاجتماعية وقوي الجماهير المؤمنة في سبيل بسط التدين في المجتمع وتمكينه في الدولة." يربط الترابي أهداف حركته وتغلغلها في داخل المجتمع ليس بتربية الفرد التي ستأخذ الكثير من الوقت والجهد المادي والبشري وانما مع ذلك يربطها بمقدرات الشعب الاقتصادية لأن القدرة الاقتصادية هي مصدر القوة ومن يمتلك القوة تدين له الرقاب ويتبعه خوفا ورهبة الأعداء قبل الأصدقاء. وهذا هو منطق العالم اليوم فالحق الذي لا تحرسه القوة لن يتحصل عليه أو يمتلكه صاحبه. يقول الترابي مبررا ربط أهداف حركته بموارد المجتمع بقوله "ولما كانت الحركة في السودان ليست دعوة هداية جديدة من حرم منها هلك، بل هي دعوة تجديد تنشر إصلاحا معينا بوجهة معينة(...) وعندئذ يحسن أن توجه حركة الانتشار بالوجه الأوفق لأهداف الحركة وحاجتها. بل لابد من ان يتقن التوجيه بان تربط اتجاهات الانتشار بالوظائف الحركية القائمة وبالمراحل الحاضرة وبالتوجيهات المقررة في استراتيجيات الحركة، فتصوب الى جهة محلية او قطاع او فئة اجتماعية او إعلام أو أعيان من الناس حسبما يقتضي المشروع الحركي الإسلامي."
    وحتى تضمن عواقب الانفتاح على المجتمع الذي بالضرورة يقود الى علانية تكشف السرية التي جبلت بها الحركة خلال الفترة الأولى من نظام نميري، تفتق ذهن الحركة عن آلية جديد مستفيدة من التراكم المعرفي لأساليب الأمن الذي بدأه الشيوعيون في فترة نميري الأولى. تلك الآلية تهدف إلى تأمين مسيرة الحركة من التغول على ما وصلت إليه في الحكم بعد انقلابها على حكومة الصادق الديمقراطية في 1989م. يقول الترابي " وما كان لهذا العلن ان يتم ليصل الحركة بالرأي العام لسواد المجتمع لولا ان قد تطورت وظيفة التأمين في نظام الجماعة لتسوي توازن الإعلان والأمن(...) هكذا كفي الأداء الأمني المتطور للجماعة هم وقاية ضروراتها الحيوية من أي كيد متربص، ثم أمدها بالمعلومات التحليلية لما حولها من واقع لترتب حركتها عن بنية وتحفظ مقومات وجودها وجهادها في كل حال وخطب، او فرج وأزمة."

    كانت النتيجة الطبيعية لسياسات الحركة الاسلامية هذه بروز قيم جديدة وسط المجتمع السوداني في المدينة والقرية وحتي المناطق المنزوية في أقصي الريف السوداني قبل وبعد نزوحهم الي المدن. هذه القيم الجديدة مثل قيم الربح وتكوين الثروة مهما كانت طريقة جمعها والمنافسة والاستهلاك وما يتبع ذلك من تهرب في دفع الضرائب والفساد المالي وسرقة المال العام التي شملت حتي من يدعي العفة الاسلامية كما جاء في التقرير الاستراتيجي السنوي للحكومة لعام 1999. شمل هذا التقرير المقبوض عليهم من النساء حيث كان عددهن 69227 بينما الأحداث 41 967 ولكن التقرير لم يشر الي نوعية الجرائم التي ارتكبتها هؤلاء النسوة وأؤلئك الأحداث ولكنه يشير الي أن جرائم الأخلاق والتي يعني بها الاسلاميون دائما النساء، قد بلغت 6441 جريمة في 1998 وانخفضت الي 6199 في 1999. أما قيمة الأموال المسروقة في عام 1998 وعام 1999 فان التقرير الحكومي يقول بأتها وصلت الي 374201942 دينار في 1998 و الي 756643816 أي بزيادة 102%. وتواصل الارتفاع في جرائم وسرقة المال العام لتصل الي 813 مليون دينار في عام 2002 بزيادة قدرها 20.8% تقريبا ولم يسترد منها الا 8.32 مليون دينار أي 9% تقريبا. الجدير بالذكر أن 47% منها أدرج تحت صرف دون وجه حق و34% خيانة الأمانة و 15% التبديد. أما الاعتداء علي مال الزكاة فقد كانت نسبته 11% من اجمالي المبالغ المسروقة علي الرغم من أن ديوان النائب العام الذي أصدر التقرير أشار الي أن بعض شركات الزكاة ما تزال تحت المراجعة.

    سكتت الحركة الاسلامية عن الفساد المالي منذ انقلابها باعتبار أنها تقود المجتمع لتحقيق مشروع حضاري ولابد لهذا المشروع من مؤيدين في مراحله الأولي ولكن الحركة الاسلامية بفعلتها هذه كانت تدمر وتهدم مشروع التسامح والعفة الذي يميز المجتمع السوداني والذي تراكم عبر عصور الزمان وأصبح هذا شرفا أخلاقيا لا يتزعزع ليتخذ الآخرون من السوداني في المجتمعات الأخري مثالا للشرف والأمانة. نظام الانقاذ وهو في حمي تدمير قيم المجتمع السابقة لاحلالها بمشروعه الحضاري قام باستمالة الشباب من الجنسين بالمناصب السياسية والادارية وشرد لهذا الهدف العاملين في الخدمة المدنية والعسكرية من الذين يعارضونه التوجه السياسي أو الذين لا يري ميولا لهم تجاهه. غير أن أهم النتائج السلبية للمشروع الحضاري هي ما أعلنته الحركة الاسلامية نفسها عن تدني المستويات الاخلاقية وارتفاع نسبة الطلاق للاعسار والفقر.
    لقد برع تلامذة الترابي بعد ان تشربوا فقه (الضرورة تبيح المحظور) وتفننوا في صور الحيل والخداع للرأي العام. لنبرهن علي ذلك فاننا نأخذ المثال الثالي. استطاع على عثمان محمد طه بمساعدة رئيس الجمهورية في الإطاحة بزعيمه وشيخه الترابي ويزج به في السجن. والسبب هذه المرة ليس من اجل خداع الرأي العام السوداني كما حدث في يونيو 1989م وإنما لتمكين نفسه في قيادة الحركة. لم يأت على عثمان بهذه الجرأة على شيخه من وحي فكرى فهو في هذا المنحي أجدب ولكنه أخذها من الشيخ الترابي نفسه حين قال برفض الاعتدال والمحافظة في التربية. يقول الترابي " هذه الروح في تربيتنا الدينية لابد من ان نتجاوزها الآن ولا نتواصى اليوم بالمحافظة بل لا ينبغي إطلاق الدعوة إلى الاعتدال لأننا لو اعتدلنا نكون قد ظلمنا " فالاعتدال في مخاطبة المجتمع في نظر الترابي ظلم ولا ادري ماذا نسمي التطرف الذي استخدمه نظام الإنقاذ خلال العقد الأخير من القرن الماضي حينما كان الترابي عقله المدبر ويده المنفذة.
    يؤكد الترابي على نجاح تلامذته خاصة نائبه على عثمان في استيعاب دروس فقه الضرورة والانتهازية في تحقيق الأهداف التي ارضعها لهم خلال اكثر من عقدين حينما يفسر وقوفهم وتعاونهم مع الدولة وليس مع الحركة الإسلامية بسبب الافتتان بالسلطة والقوة. لم تستطع الحركة أن تجسر هذا الخلاف داخلها والذي لم يعد قاصرا على النواحي الفكرية بل اصبح صراعاً يتعلق بالسلطة ولم تستطع الحركة تجسير الخلاف داخلها رغم المساعي الداخلية والخارجية وانكشف الغطاء عن طرفيها ليظهر الفساد بكل أنواعه داخل كل منهما. فقد اتهم البشير والترابي كل منهما الآخر بالفساد وإهدار أموال الشعب. بعد اتهام الترابي لزبانيته بنفي الآخر والثراء الحرام سلب منهم انتماؤهم لحركته رغم انه هو الذي وجههم للانقلاب. يقول الترابي " كانت أوضاع القيادة في ثورة الإنقاذ معلولة إذ انضاف إلى صف قادة الحركة الإسلامية المزكين والمدربين، طائفة من عسكريين كانوا على ولاء بعيد معزول عن حياة الحركة وآخرين ما ترقوا بسلم الاصطفاء المعهود في الحركة بل بدواعي الوظائف الرسمية في الدولة ، وآخرين انحازوا إلى الثورة واردين من القوي الحزبية والسياسية الأخرى أو من الخدمة العامة." لهذا نجده يستنكر ما حدث من افساد في نظام الانقاذ بعد ابعاده من السطة رغم أن استراتيجيته للتمكين كانت تقوم علي احتكار حركته علي موارد السودان الاقتصادية. في تقييمه لفترة حكم الانقاذ، يقول الترابي مستغربا استشراء الفساد وسط الاسلاميين بقوله" والعجب أن تسري وسط الاسلاميين عندنا تلك السنة الخبيثة فيتسع في عهدهم القطاع العام ويتورم فتطغي فتنته علي نفوس كانت طاهرة أمينة عفيفة ( لتتحول به) الي عصبة تسئ الناس ولا تبالي بما تفعله لأي أحد تطاول علي مسيرتها الفاسدة ."
    الشورى والديموقراطية والتعددية
    الاعترافات التي أدلى بها كل من البشير والترابي عن التخطيط والتنفيذ لانقلاب يوليو 1989م تجعلنا في حل عن إثبات ضلوع الجبهة الإسلامية القومية في الانقلاب وبالتالي فان كل ما تم تنفيذه منذ الانقلاب وحتى تطبيق نظام اللجان والمؤتمرات الشعبية يكون تنزيلا لأفكار الترابي على الواقع السياسي. لذلك فإننا نتناول مفهوم الشورى ومفهوم التعددية كما يراها نظام الإنقاذ من خلال أفكار الترابي. يعتبر الترابي ان فكرة الدولة في المجتمعات العربية الإسلامية فكرة حديثة لم يتناولها المفكرون الإسلاميون الا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ويعزو هذا التأخير الى " أسباب تاريخية أبرزها المفارقة بين تيار الفقهاء بل تيار الحياة الاجتماعية الشعبية المتمسكة بأحكام الإسلام، وبين مؤسسة الدولة التي انحرفت إلى حدود معينة عن هذا الالتزام، خاصة بعد الصراعات الدامية التي جرت في وقت مبكر من التاريخ الإسلامي" . بمعني آخر فان الترابي يشير الى انفصال وتباعد بين الدولة والمجتمع. الأمر الذي نستنتج منه أن أهداف الترابي الفكرية هي ردم هذه الهوة بين الدولة والمجتمع ليصبحا وحدة واحدة. يري الترابى" أن المفاهيم التي ولدها الأدب السياسي الإسلامي الحديث يغلب عليها أن تكون مفاهيم سكونية لا تستوعب الحركة التي تتميز بها الممارسة السياسية في أبعادها المختلفة." الفكر الإسلامي الحديث ومفاهيمه مثل الشورى والبيعة والحاكمية وأهل الحل والعقد هي نفس المفاهيم التي تناولها الفقهاء الإسلاميون تاريخيا باعتبار أنها الوسائل التي يتحقق بها الاستقرار السياسي والعدل والحرية والمساواة في إطار الدولة الدينية الإسلامية. ووصف الترابي لها بأنها مفاهيم سكونية وصف دقيق إذ أنها تستبعد المنهج التاريخي لدراستها وبالتالي تستبعد كل تراكمات التجارب الإنسانية داخل وخارج المجتمعات الإسلامية. وحتى يستدرك الباحث ويتجنب هذا القصور فان الترابي يطرح فكرة التجديد باعتبار ان الدين يهتم بالحياة في كلياتها وبالتالي يستوعب كل جديد يطرأ عليها. ولما كان الدين الإسلامي هو الدين الخاتم فلابد إذن أن يكون صالحا في الزمان والمكان ولن يكن كذلك ومفاهيمه الأساسية فيما يتعلق بحياة الفرد ساكنه وثابتة. بل إذا كان ذلك كذلك فانه تناقض يدخل الفكر الإسلامي كله في مأزق. لهذا فان المنهج الحركي الذي يحدده الترابي ليستوعب ما يستجد في حياة البشر ومناداته بتجديد أصول الفقه، مبادرة يحمد عليها الترابي على الرغم من انه لا يلتزم بذلك عمليا. لنأخذ في هذا الجانب موضوع الشورى وعلاقته بالديموقراطية لنوضح به أهمية تجديد فقه الدولة من جانب وعدم التزام الترابي بما يطرحه من فكر عند التطبيق من جانب آخر.

    يميز الترابي بين الشوري الاسلامية والديموقراطية الغربية في عدة مجالات منها أن الديموقراطية في المفهوم الغربي تمارس في نظام حكم لا ديني وبذلك تفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي وبذلك تكون عكس نظام الحكم الاسلامي حيث يكون الدين توحيديا محيطا بالحياة في كل جوانبها ولا يفصل بين الدين والسياسة. وثانيا أن الشوري الاسلامية نظام حياة متكامل يمارس علي مستوي البيت والعمل والمدرسة حتي تتوزع فرص الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتكون الديموقراطية حقيقية وليست مزيفة كما يراها الترابي في الغرب. أما الفرق الثالث بين الديموقراطية والشوري لدي الترابي فهو يتعلق بمفهوم السيادة. ففي رأيه أن السيادة في النظام الغربي تستند علي الشعب الذي يفوض أمره لبعض أفراده ليحكموه بالنيابة عنه وهذا التمثيل ليس صادقا بل تشوبه الكثير من النواقص المتعلقة بالعصبية والدعاية الانتخابية. أما السيادة في الاسلام فالشعب يتولاها بعهد الخلافة من الله وبشرط الخضوع لله وبذلك تنتفي كما يقول الخلافات المذهبية والعصبيات الحزبية الأمر الذي يقود الي استقرار المجتمع. الترابي لم يوضح لنا كيف تكون هذه الخلافة و ما هو دليله علي قطعيتها في الدين لتكون فرضا علي أمة الاسلام كما أنه لم يفصل كيف أن هذه الخلافات تلاشت في الغرب من خلال تطوره الحضاري والسياسي مما أدي الي استقراره السياسي كما أنه لم يوضح كيف أنها أي الخلافات، لن تزول بفعل الديموقراطية المستندة علي الشعب في المجتمع الاسلامي. وأخيرا فان الترابي يري أن الديموقراطية الغربية لا تتقيد بقيود الأخلاق بمعني أن الغاية تبرر الوسيلة لذلك تكثر قيم الفساد في تمويل الانتخابات وتتعدد صور الرشاوي. أما نظام الشوري الاسلامي فانه كما يرى الترابي لا ينفصل عن الدين لأن الله يراقب الضمائر والنيات والأعمال ولأن المسلمين يتواصون بأحسن الأخلاق فالوالي مؤمن وكذلك القاضي وكذا المحكوم. لا شك أن القارئ الكريم أدرك مغذي رأي الترابي هذا لأن كل الذي تم فعليا كان عكس ما يقوله الترابي خاصة بعد أن تم ابعاده من السلطة في ديسمبر 2000 حيث تحدث الترابي عن الفساد بكل صوره والرشاوي بكل أنواعها فيما عرف بالشوري "الاسلامية" في عهد الانقاذ. لم يعول الترابي على الديمقراطية لتأتي به إلى السلطة ولا على البرامج التي تطرحها حركته. ولكنه اعتمد على القوة بداية ثم على أجهزة الأمن للاستمرار في السلطة وهو لا ينكر ما فعله ولا يستنكره الا لكي يسهل له ذلك الإنكار فرصة التمكين لحركته. عدم لجوء الترابي الي الديموقراطية راجع الي مفهومه عنها حيث يعتبرها بعيدة عن الدين والاخلاق وتستصحب الهوي والعصبية والمغالبة والصراع وأنها تحمل المعتقدات والمذاهب والتقاليد الرأسمالية للمجتمعات التي نشأت وتطورت فيها.

    من جانب آخر فان الانقلاب جاء منافيا لا فكار الترابي عن الحرية في علاقتها بالتدين إذا كان بالفعل يهدف من وراء انقلابه نشر الإسلام. يقول الترابي " لابد من توفير قدر واسع من الحرية لأنه لا يمكن للتدين ان ينمو الا في مناخ الحرية(...) لان التدين هو تحرر من واقع القهر والسلطان (...) فالحرية لازمة من لوازم التوحيد وضرورة من ضرورات تنمية التدين." ان آفة قادة السودان السياسيين انهم يقولون مالا يفعلون ويفعلون ما يلبي مصالحهم الذاتية حتى وان تضاربت مع ما يؤمنون به او مع مصالح شعبهم. وحتى يبعد أي صلة له أو لحركته بانقلاب البشير ذهب الترابي وهو المدبر والمخطط للانقلاب الى السجن وذهب حواره في صفوف الجيش الى القصر. كانت الوسيلة التي اتبعها في تثبيت الحكم التشديد في إجراءات الأمن وفصل المئات من الموظفين والعاملين في أجهزة الدولة، اغلبهم من المعارضين من السياسيين والنقابيين النشطين او من غير المحسوبين على الجبهة الإسلامية أو المتعاطفين معها ومنع كل مؤسسات المجتمع المدني مثل الأحزاب والنقابات والصحافة من ممارسة نشاطها والاعتقال من دون تهمة لكل شخص يشتبه في معارضته للحكومة او لسياساتها في المدن الكبرى والمناطق الريفية. فقد اعتقل الجنوبيون المشردون، واللاجئون، وأعضاء الطرق والمذاهب الدينية الإسلامية التي لا تقبل تفسير الحكومة للإسلام والمحامون والعسكريون والنساء اللائى عبرن عن احتجاجهن على الغلاء والطلاب اللذين احتجوا على تغيير مخصصا تهم والنقابيون وغيرهم.

    لا يكتفي الترابي بالاشتراك في حكومات عسكرية غير ديموقراطية أو يقوم بالتخطيط والتنفيذ لانقلاب عسكري ولكنه يستغل بعض القيم والمصطلحات والرموز الاسلامية ليعزز بها انقلابه أو مشاركته في النظام العسكري. فمثلا استغل الترابي البيعة التي أخذها الرسول(ص) من صحابته ليلحقها بالنميري والبشير من جهة والشعب السوداني من جهة أخرى، على أنها أمر مقدس تنزل به السكينة ويتحقق به العدل. ويذهب الي أبعد من ذلك أحد أعضاء حركته حين يشبه بيعتهم للنميري ببيعة الصحابة للرسول(ص) " اليوم فقط تنهض الخلافة الراشدة من ظلمات القرون وتقف على ربي أبى قرون وهي تبسط يدها بالبيعة... وقفت الصحابيات من قبل يبايعن الرسول (ص) واليوم تعود إمامة الصلاة إلى إمام المسلمين." أما الترابي فله رأي آخر فهو يعرف ظلم نميري وفساده ولم يسانده الا اغتناما للفرصة والحفاظ على السلطة واستقرارها حين يقول " نحن ضد كل حركة تخل بالاستقرار او تؤدي الى الفوضى وهدم السلطة ولهذا السبب قررنا الإسهام في الدفاع عن النظام."

    أما النميري والذي راحت على يده أرواح الأنصار في الجزيرة أبا وودنوباوي ثم معاونيه في الحزب الشيوعي وإعدام الأستاذ محمود محمد طه والقطع لأيدي وأرجل العشرات من الغلابة والمساكين، فيقول " قبل ثلاثة أيام وأنا نائم في العصرية أشوف رؤيا أنني مدفوع إلى أن احضر إلى هذه القرية ( أم مرحي) ودخلت القبة فإذا بي أجد سيد احمد الطيب يقوم من القبر يقول بهذا اللفظ " أنت أتيت بالعدالة لهذا البلد فسر على هذا الاتجاه." لاحظ التصور الغيبي في تأكيد العدل حيث ان الشاهد أحد رجال الدين المتوفين. لم يكن الشاهد أحد الأحياء دعك من الذين شوهت سمعتهم او قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف او اللذين قتلوا بسبب الرأي بل كان رجل ورع محبوب عند العامة في حياته ومماته.























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de