|
ملاءمة النظام الديموقراطي للسودان بقلم : جعفر حسن حمودة
|
في عام 1964 خرج السودانيون في أروع استفتاء شعبي على الخيار الديموقراطي في ذاك الحين، وكانوا «متحدين» بذلك حكم «الفريق» إبراهيم باشا عبود العسكري، ومفجرين آنذاك ثورة أكتوبر العظيمة. ثم تكرر الأمر ثانية في انتفاضة رجب التي أطاحت بحكم جعفر محمد نميري في عام 1985، وأعادت الديموقراطية للبلاد. ولكن ليتها لم تطح بحكم جعفر نميري في ذاك الوقت ولم تعد لنا بالديموقراطية، لأنها أتت لنا بأسوأ ديموقراطية مرت على السودان منذ الاستقلال. وعلى رغم الاختيار الواضح لأهل السودان في مسألة الديموقراطية فإن انقلاب عمر حسن أحمد البشير الذي أتى في 30 يونيو 1989، كان قد أتى برداً وسلاماً على السودان، وعلى الشعب السوداني الذي تفاءل خيراً بمسمى «حكومة الإنقاذ» لتنقذهم من ذاك «اللظى» الذي كانوا يعانون منه شديداً، من رداءة حكم الصادق المهدي، الذي جعل الشعب السوداني يقضي يومه كله وقوفاً في صفوف طويلة، حتى جعل السودان «جثة» هامدة، لا تقوى على الوقوف، إلى جانب انقطاع التيار الكهربائي يومياً، حتى تم انقطاعه في آخر حكم الصادق 25 يوماً. نعم، الشعب السوداني يعشق الديموقراطية التعددية، ولكنه لم يستطيع التعايش معها، لعدم ملاءمة حكم النظام الديموقراطي وتطبيقه على الوجه الأكمل، لأن الشعب السوداني نشأ وترعرع في ظل حكومات عسكرية سابقة كانت تمتد إلى فترات طويلة، لذلك لم يجد تلك الفرصة السانحة الكافية لكي يمارس الديموقراطية الحقة، مثل ما يمارسها الشعب الأوروبي بالطرق النظامية المتاحة لهم في التعبير عن آرائهم من خلالها، أو ممارسة الحكم بطريقة نظامية مدروسة في إجراء الانتخابات النزيهة، وعدم الخلود في الحكم، كما فعلت حكومة جعفر نميري وحكومة الإنقاذ التي تريد أن تخلد في الحكم. لذا نجد أن هنالك أسئلة تفرض نفسها لإيجاد الحل الناجع لكل ما يدور في الساحة السياسية السودانية، وهي: أحسم أهل السودان الجدل المفتعل في حوارهم الذي اجتمعوا من أجله في اختيار الديموقراطية التعددية نظاماً للحكم المقبل في السودان أم أقرت بالتمسك بالتمديد لنهج الجبهة الإسلامية والمؤتمر الوطني القومي لسنين أخرى مقبلة أو تريد إرساء قواعد جديدة لنظام الحكم الديموقراطي التعددي الشامل للسودان الموحد عبر هذا الحوار الجامع؟ وهل اعتمدت في حوارها على النهج القومي في حل المشكلات الاقتصادية والتنموية وإرساء قواعد للسلام في السودان قاطبة؟ في الوقت الراهن نرى أن الشعب السوداني بغالبيته العظمى صم آذانه عن دعاوى الجبهة وعسكرها، وانطلق يعمل لإسقاط هذا النظام من خلف «الكواليس» أو بالتصريح علناً في المنابر أو في الأجهزة الإعلامية المختلفة لإعادة الوجه الديموقراطي للبلاد، بعد أن عاش السودان منذ استقلاله في كانون الثاني (يناير) 1956، ثلاثة نظم برلمانية ليبرالية هي: الأولى عام: 1954 إلى 1958، والثانية عام 1964 إلى 1969. عندما قام نميري بانقلابه المعروف، في 30 أيار (مايو)، وأما الثالثة فكانت الديموقراطية الثالثة أو الانتفاضة، التي كانت أسوأها منذ أن بدأت في عام 1985 إلى 1989، عندما قام العميد البشير بانقلابه في 30 يونيو 1989 بعد أن وصلت حالة البلاد إلى أسوأ الحالات في كل مجالات الحياة، ولاسيما المعيشية منها. كما أيضاً عاش السودان في ظل ثلاثة نظم عسكرية: الأولى بدأت عام 1958 إلى 1964. والثانية عام 1969 إلى 1985. وكانت هذه الفترة لانقلاب نميري الذي استمر 16 عاماً. أما الثالثة فكانت فترة الإنقاذ الوطني التي بدأت منذ عام 1989، وإلى الآن مستمرة ونعيش في ظلها ولظاها. وبما إن غالبية الشعب السوداني نشأ في ظل الحكومات العسكرية التي مرت على دفة الحكم في السودان، لذا لا يستطيع أن يتجاوب مع النظم الديموقراطية التعددية بالطريقة الصحيحة التي عرف عنها، وليس له تجارب ومقومات يستند إليها، من أجل أن يندمج في ظل الديموقراطية، ولأن كل من كانوا في ذاك الوقت أو غالبيتهم رحمهم الله، من تبقى منهم أصبحوا في أرذل العمر، وقل عطاؤهم. والشباب الذين نشأوا وترعرعوا في ظل حكومة جعفر محمد نميري، أو حكومة الإنقاذ صاروا في الخمسينات أو فاقوا الستينات من العمر في الوقت الراهن، وهم لا يعلمون أو يمارسون الديموقراطية الحقة عبر تلك الحقب حتى ولو كانت «ولاية» واحدة لمدة ستة أعوام، لنقول بعدها إنهم أصبحوا يمارسون ويفهمون ويدركون معنى كيفية ممارسة الديموقراطية في الحكم. جعفر حسن حمودة – الرياض [email protected]
|
|
|
|
|
|