مقتطفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس 3 مذكرات معلم قديم بقلم هلال زاهر الساداتي

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 04:10 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-18-2016, 09:46 PM

هلال زاهر الساداتى
<aهلال زاهر الساداتى
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 191

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقتطفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس 3 مذكرات معلم قديم بقلم هلال زاهر الساداتي

    09:46 PM February, 18 2016

    سودانيز اون لاين
    هلال زاهر الساداتى-
    مكتبتى
    رابط مختصر


    في مدرسة حي الضباط الأهلية ( مدرسة سوميت )
    وذهبت الي المدرسة ووجدت بها مدرسين أثتين واعداد التلاميذ في كل من الفصول الأربعة لا يتعدي الثلاثين في كل صف واحد ولايوجد بها كتب مدرسية ولاكراسات وطباشير ، وكانت المدرسة تجاور مدرسة المؤتمر الثأنوية الشهيرة وناظرها المقتدر الطيب شبيكة ، وذهبت اليه وكان عضوا" في مجلس أدارة المدرسة ، وشرحت له الموقف وكنت قد أعددت أعلانا" لطلب مدرسين لنشره في الصحف اليومية ، ولم يتوان الأستاذ الشهم العم الطيب من تقديم كل عون وأمد المدرسة بالكراسات من مخازن مدرسته وعمل معي المعاينة في مكتبي لأختيار المدرسين الجدد ، وتعاقدت علي أدخال الكهربآء الي مبني المدرسة ، وانتظمت الدراسة علي غرار النظام والمنهج في المدارس الحكومية .
    وذهبت مغاضبا" الي الوزارة وقابلت المسئول عن التعليم الأوسط وكان في ذلك الوقت هو صاحبي القديم الذي قاسمته مكتبه في مكتب تعليم مدني عندما تعينت ناظرا" لمدرسة المناقل الوسطي وهو الأستاذ دهب عبد الجابر ، وأخبرته بما يجيش به صدري من احتجاج ، وردعلي بانهم نقلوني الي مدرسة قريبة من أهلي ، فقلت له أنكم نقلتوني من مدرسة نموذجية الي خلوة ـ بهذا النص ـ واني لن أستمر في هذه المدرسة ولو أستدعي الحال لأستقالتي لأنني أعتبر هذا النقل انتقاصا" لمركزي وتبخيسا" لقدري ، وقال لي بلهجته الحلفاوية ( خلاص بلاش حماقة حنشوف لك مدرسة كويسة ولكن خارج الخرطوم ، تمشي ، ووافقت وفي نهاية الشهر وصلني خطاب رسمي من الوزارة بنقلي الي مدرسة عطبرة الأميرية .
    عطبرة
    وصلت مدينة عطبرة بالقطار في عام 1962 ، وحدثت لي مصادفة سارة فقد كلن مسافرا" علي نفس القطار ضابط في الجيش تخرج لتوه من الكلية الحربية وكان ذلك الضابط الملازم ثاني أحد تلاميذي البارزين في مدرسة الأحفاد الوسطي في عام 1954 ، وهو ذاهب ألأن الي وحدته العسكرية بسلاح المدفعية والذي كانت رئاسته في عطبرة ، وقد كان يركب في الدرجة الأولي ، فقد كانت حكومة الفريق عبود قد أستنت أمرا" بأن يركب ضباط الجيش القطار بالدرجة الأولي ابتدآء من الملازم ثاني ، وكنت أنا بدرجتي الوظيفية (جي ) أركب الدرجة الثانية ، ولكن تاميذي السابق فارس حسني أصر بشدة أن يركب معي في الدرجة الثانية الي عطبرة ، وقدعلمت أنه وصل الي رتبة العميد في القوات المسلحة وتوفي قبل عدة سنوات قليلة وهو شاب ، عليه رحمة الله ورضوانه ، وعطبرة مدينة كبيرة وكان بها رئاسة وورش السكة الحديد في السودان فهي مدينة عمالية في المكان الأول وكانت نقابةعمال السكة الحديد أكبر نقابة وأكثرها عضوية في السودان وكان لها القدح المعلي في الكفاح ضد الأستعمار وفي قيادة النضال المطلبي و منهم السيد سلا م ، وخرجت أبطالأ في الكفاح الوطنى وكان ممثلا "للعمال ووزيرا" في حكومة ثورة اكتوبر الشهيد المرحوم الشفيع أحمد الشيخ ونائبهم في البرلمان الشيخ عبد الرحمن ، وتتميز المدينة بآلاف الدراجات التي تجري في شوارعها وتستحق أن يطلق عليها مديتة الدراجات ، فكل عامل يمتلك دراجة وهي وسيلة النقل الرئيسية في المدينة فهم يركبونها ولهم فيها مآرب أخري منها حمل المتاع .
    وتقع المدرسة الأميرية الوسطي في حي موظفي السكة الحديد بمنازله ألأنيقة والذي يقع بجوار النهر ، والمدرسة عريقة ومن أوائل المدارس الوسطي في السودان ، وبجوارها منزل أنيق للناظر ، وبالمدرسة بستان مليئ باشجار الفاكهة وملحق بها خارج أسوارها ملاعب من النجيلة لمزاولة الرياضة ، وأرض المدرسة تكسوها النجيلة وتحفها بعض الأشجار ، والمدرسة ذات النهر الواحد جيدة من جميع الوجوه في مدرسيها وتلاميذها وتجهيزاتها ، وكنت في كثير من الأحيان أجلس علي كنبة في مكتب المدرسين المجاور لمكتبي ، ويأتي أحد أوليآء أمور التلاميذ ويتجه رأسا" الي الأستاذ عمر ابو سبيب وهو رزين الشكل كثيف شعر الرأس المختلط باللشيب بحسبانه ناظر المدرسة ويوجهه الأستاذ عمر ألي ، والأستاذ عمر ( درعمي ) أي خريج دار العلوم بمصر ويدرس اللغة العربية والدين بالمدرسة الي جانب حصص بمدرسة البنات الأميرية الوسطي لمادة الدين ، ويوجد في مخزن المدرسة عشرات الملفات القديمة المكدسة والتي علاها الغبار ، وذات مرة دخلت الي المخزن وأخذت أقلب في الملفات القديمة وعثرت في أحدها علي خطاب كتبه الزعيم اسماعيل الأزهري عندما كان مدرسا" بهذه المدرسة في الثلاثينات من القرن العشرين ، والخطاب بخط يده وكان موجها" لمفتش المركز الأنجليزي بواسطة ناظر المدرسة يطالب فيه بتخصيص منزل حكومي له ، فقد كان مفتش المركر الأنجليزي هو الحاكم بأمره وتتبع له جميع المصالح الحكومية وهو الذي يمنح المنازل الحكومية للموظفين ، وفرحت بالخطاب وأسرعت أعرضه علي المدرسين ، وشعر الجميع بشيئ من الزهو لتدريسهم في نفس المدرسة التي درس فيها الزعيم رافع علم الاستقلال ، ومدينة عطبرة التي تدعي مدينة الحديد والنار والذي ذكرت أنه أولي أن يضاف الي صفااتها مدينة الدراجات ، أري أن يضاف اليها أيضا" وصف مدينة الدين أي السلف ، ويبدو أن ضئالة رواتب العمال وضخامة من يعولونهم يجعلهم يلجأون الي الدين يستعينون به علي توفير حاجياتهم وقد تغلغل الدين في حياة الناس الي أشيآء عسيرة التصور مثل قص الشعر عند الحلاق وأخبرني صديقي العطبراوي أن الذين لم يعصمهم دينهم يتعاملون حتي مع بنات الهوي بالدين فقد كان البغآء علنا" ، وسألت صديقا" طبيب عن أكثر الأمراض شيوعا" بين مواطني عطبرة فأخبرنى أن السل منتشر بين الناس ، والمعروف أن هذا المرض الخبيث من أمراض الجوع وسوء التغذية التي تضعف المناعة في الجسم وتنتقل ة العدوى بسهولة ، وتتميز هذه المدينة أيضا بريح تهب عليها في الصيف تحمل أتربة كالدقيق في نعومته ( سفاية ) ولا مهرب ولا منجي منها مهما أقفلت كل منفذ فأن الغبار الناعم يتسلل الي داخل الحجرات ويغطي كل شيئ ، و ذكرتني بهبوب امدرمان عندما يصحو الواحد وهو متغطي في الحوش ليجد نفسه مرتسما" علي الفراش وحوله تراب ومن المستحيل النوم داخل الغرف لأنها تكون من الحر كالفرن .
    وجائني خطاب رسمي من المراجع العام لحكومة السودان يستفسر فيه عن العجز المالي في المصروفات المدرسية وهل سددته أم لا ، ولاعطآء خلفية عن الموضوع فأن الدراسة كانت بمصروفات يدفعها أوليأء أمور التلاميذ ، وألغيت المصروفات المدرسية بعد ثورة أكتوبر المجيدة في عام 1964 وكان الناظر الأسبق قد امتدت يده الي المصروفات المدرسية وبدلا" من أن يوردها الي خزينة الحكومة وردها الي جيبه ، وكشفته المراجعة وقدم للقضآء وحوكم بالسجن وبرد المبلغ الذي أختلسه ، ورددت علي المراجع ذاكرا"له أن الناظر المعني بالحادثة حوكم بالسجن وهو ما زال يقضي العقوبة ، وجاء مكانه ناظر آخر ونقل وجئت أنا بعد النلظر الآخر ولا دخل لي بهذا الموضوع ، وما يهمني من ايراد هذه الحادثة هو مدي الحرص علي المال العام والمتابعة اليقظة لديوان المراجع العام ، وكان ابنآء الفقرآء معفيين من من المصروفات علي أن يبرز ولي أمر التلميذ شهادة من المجلس البلدي من شيخ الحارة تبين أن الرجل فقير ، وهذه الشهادة تسمي شهادة الفقر ، وأحضر لي أحد التلاميذ هذه الشهادة وقال لي أن والده مريض ولا يستطيع الحضور ، واستدعيت أحد المدرسين القدامي بالمدرسة ومن ابنآء عطبرة للتأكيد ، فدهش المدرس وعنف الولد وفال لي أن والد هذا الولد من أكبر تجار عطبرة وأكتفيت بأن أقبل الولد بالمصروفات الكاملة ولم تكن باهظة في ذلك الوقت ولعلها كانت ثمانية عشر جنيها" في العام وتسدد علي ثلاثة أقساط .
    ولست أ دري هل اتخذت عطبرة أسمها من النهر أم اتخذ النهر أسمه منها ، فهذا النهر في أوان فيضانه يكون طاميا" عافيا" في عنفوان رهيب ويندفع هائجا" حاملا" معه أخشابا" وحيوانات نافقة وزبد ا" رابيا" وكثيرا" من الغثاء ، وبرغم هذا العنفوان والذي يهدد حياة من يجرؤ علي الأقتراب منه فقد رأيت بعض الناس في بقعة معينة عند كوبري عطبرة وهم عراة الصدور يقفون علي ضفة النهروعندما يشا هدون من بعد كتلة من الحطب يلقون بانفسهم في الماء ويسبحون لانتشالها من الماء وهم ينجحون في ذلك في أغلب الأحيان وكنت أعجب بقوة ومهارة أولئك الناس .
    ومن الأمور التي لفتت انتباهي انه كان هناك بار أو متجر لبيع الخمور صاحبه سوداني ود بلد كما يقال ، وعلمت أن السلطات لا تمنح رخصة بار لمسلم ولذلك يحتال بعضهم مثل ذلك السوداني ويستخرج الرخصة باسم شخص مسيحي ، وقد كان القانون يحظر بيع وتعاطي الخمور الكحولية مثل الويسكي والجن والكونياك للسودانيين ولكن يبيح فتح الأنادي لبيع المريسة ولذلك كان يداهم بيوت ستات العرقي وتقديم صانعاته للمحاكمة .
    ولا يسع المرء أن يغادر هذه المدينة العمالية العظيمة دون أن يذكر حادثة تقف شاهدا"علي وطنية وأبآء الضيم وصلابة المقاومة لابنآء هذه المدينة ، فقد دأبت حكومة عبود أن تحتفل كل عام بيوم 17 نوفمبر وهو تاريخ انقلابهم واستيلائهم علي السلطة ويمهدون للاحتفالات بالأعداد لها قبل مدة كافية وكانوا يعتمدون علي طلبة الثأنوية في المشي في طابور السير الذي يسبق المباريات في الألعاب الرياضية المختلفة ، وكان الطلبة يزاولون التدريبات والتمارين بكل همة ونشاط ، وفي صباح يوم الأحتفال أضرب الطلاب ، وأوقعوا المشرفين في ورطة عويصة ، وخرجوا منها بأن أحضروا عمال البلدية وبعض عساكر من الجيش والبسوهم زي الطلبة وسار الطابور في فوضي شاملة بين سخرية وضحك الجمهور ، وقد دفع الطلبة ثمن فعلتهم تلك غاليا" فقد فصل منهم من فصل وأوقف من الدراسة من أوقف ، وهكذا كان انتقام العسكر .
    وجاءت ذكري الأستقلال في يناير من العام الجديد ،، وعملنا لافتة قماش كبيرة كتبنا عليها ( مدرسة عطبرة الأميرية الوسطي تهنئ الشعب السوداني بعيد الأستقلال المجيد ) و علقنا اللافتة علي واجهة المدرسة وأحطناها بالأنوار في الليل وكنا لا نفعل ذلك في احتفال ذكري انقلاب 17 نوفمبر أو عيد الثورة كما يقولون .
    ولم أمكث كثيرا" في عطبرة بل بقيت فيها عاما" واحدا" وفي نهاية العام الدراسي صدر كشف التنقلات وظهر أسمي مترقيا"ومنقولا" ناظرا" لمركز تدريب المعلمين بمدينة التونج في مديرية بحر الغزال بجنوب السودان ، ونزلت الترقية بردا"وسلاما" علي قلبي ولم أفرح بترقية من قبل ومن بعد قدر فرحتي بتلك الترقية ، فقد وصل راتبي الي خمسين جنيها" شهريا" وهذا المبلغ حينذاك يمهر عروسا" وأكثر من ذلك أن الدرجة الجديدة ( أس ) تتيح لي االسفر بالدرجة الأولي بالقطار واذا دفعت مائة وخمسين قرشا" فأنني أسافر بعربة النوم وكانت الدرجة الأولي في غاية النظافة والأناقة دعك عن درجة االنوم الفاخرة والتي كانت بكل كابينة سريران والخدمة فوق الممتارة وما عليك الا أن تضغط علي زر فيلبي الفراش النداء فورا" وكانت منعزلة عن بقية عربات الفطار ولها باب خاص كما كانت هذه الدرجة تتيح لي السفربالطائرة الي الأماكن النائية ، وأذنت شمس بقائي بعطبرة بالمغيب لتشرق من جديد في بقعة أاثيرة من سوداننا الحبيب وهي جنوب السودان .
    في التونج
    في هذه المرة انتقلت بالطائرة من الخرطوم الي مدينة واو عاصمة مديرية بحر الغرال ومنها سانتقل بالسيارة الي مدينة التونج ولقد أستغرقت الرحلة بالطائرة ساعتين ونصف في سمآء ملبدة بالغيوم ومطبات الهوآء ، وقد ذكرت تفصيلا" فترة عملي في التونج في كتابي ( أيام التونج ) ، ولكن لا بأس من أيراد بعض الخاطرات ، فقبل مجيئ الي الجنوب كنت أكن في دواخلي شعورا" خاصا" مبهما" وضح جليا" عند فحصي له بأنه مزيج من التوق للعمل بالجنوب بانصاف وجدية لتعويض ما فاتهم قدر وسعي وطاقتي وأن أمحو شعورهم بالظلم من الشماليين " وشعوري الصادق بأن الشمالي لا فضل له علي الجنوبي في النسب والعرق فكلنا عيال الله وأننا جميعا" لآدم وآدم من تراب ووطنت نفسي علي أن أضع ورآء ظهري مرارات الماضي من قتل و فظاعات متبادلة نتيجة التمرد الأول في عام 1955 الذي قامت به الفرقة الأستوائية العسكرية الجنوبية وما تلي ذلك من قمع التمرد من الجيش الشمالي السودانى ، وبهذا الفهم وهذا اليقين عزمت علي أن يكون عملي في الجنوب ، وقبل هذا وذاك كان ما يؤرقني أشفاق من هذه المهمة التي سأقبل عليها فكنت طيلة عملي اتعامل مع صبية ويعمل معي مدرسون طالت خبرتهم أو قلت، ولكن هذه المرة في مركز تدريب المعلمين بالتونج فأن الطلبة من المدرسين المبتعثين للمركز لتعلم اللغة العربية والتدريب علي تدريسها ، وأن هيئة التدريس تتكون من نظار منتقين من نظار المدارس الأولية في الشمال ، كما أنها المرة الأولي التي سأتعامل فيها مع الجنوبيين .. وأول ما أسرني واستحوذ علي أعجابي المفرط هو تلك الخضرة المترامية فحيثما وجهت بصرك صافحك الزحام من الأشجار الباسقة والحشائش الطويلة مساحات ومساحات شاسعة من الخضرة البهية وعلي مد البصر والمطر يجئ زخات وانية أو ينقلب هاطلا" مدرارا" ، والبروق تغمر الفضآء بالأضوآء الخاطفة ، والرعود تهز الفضاء بالدوي المرعب والأرض تستقبل فيض السمآء بالترحاب ، وينقطع المطر ويبقي الهوآء معتدلا" منعشا" والذي والذي ينسجم ويتماشي مع هذا الطقس الجميل هم الناس ، فقبيلة الدينكا وهي الغالبة عددا" هنا أفرادها بشوشين واضحين في تعاملهم لا يعرفون الألتوآء وتعدد الوجوه وفيهم أمانة وفيهم حب للغنآء والرقص ، وتجد كل فرد منهم ينظم أغنيته الخاصة تلقائيا" ويغنيها ويرقص عليها ، وفي رأئي أن قمة سموهم الخلقي تتمثل في انتفآء الشذوذ الجنسي لديهم ، وتعيش في التونج كذلك قبيلة الجور وافرادها فنانون بالفطرة وهم ينحتون من الخشب أشكالا" وتماثيل من الحيوانات تكاد تنطق وعصي وأثاثات رائعة الجمال ، وتراني أتحدث عن الناس قبل أن أتحدث عن البلدة ولعل ذلك راجع الي الأنطباع الأقوي في النفس ، ومدينة التونج مدينة متوسطة المساحة تكتنفها الأشجار والخضرة وكثير من هذه الأشجار من فاكهة المنقة ( المانجو ) وتنموا هي والحشائش الطويلة في كل مكان ، وتنقسم المدينة الي قسمين ، قسم يسكنه الأهالي ومنازله قطاطي من القش وقسم به المصالح الحكومية ومنازل موظفي الحكومة ونجد في هذا القسم مكتب مفتش الحكومة المحلية ومنزله وضابط المجلس الربفي ونائبه ومكتب البريد والمستشفي والسجن والجامع والكنيسة الكاثوليكية وكنيسة البروتستانت ونادي البلدة وسوق البلدة ، ويشق هذا الجانب شارع طويل يقع علي جانب منه متاجر أكبرها لواحد من الشماليين وأثنين من الأغريق ، وهناك محكمة السلاطين وأكبر المؤسسات التعليمية في البلدة هو مركز تدريب المعلمين ويقع في طرف البلدة وهو مدينة قائمة بذاتها بمبانيها ومنازلها وملحقاتها ، وهناك مدرسة متوسطة للبنين ومدرسة صناعية متوسطة للبنين في الطرف الآخر من البلدة وهناك مدرسة أولية للبنين وأخري للبنات ، ومركز تعليم المعلمين بالتونج كان في البدء في عهد الأستعمار مكرس لتدريب مدرسي مدارس الغابة وهي تعادل المدارس الصغري في الشمال، وكان مدير المركز أو العميد كما يسمونه من الأنقليز ، وبعد الأستقلال وبالتحديد في عهد حكومة الفريق عبود تغيرت مهمة المركز الي تدريس اللغة العربية وتدريب المدرسين الجنوبيين علي التدريس بها وارتفعت مدة التدريب الي أربع سنوات بالأضافة الي سنة بعد التخرج يقضيها المدرس في أحد مدارس الشمال الأولية حتي يصقل لغته العربية ويعيش في محيط يتحدث العربية ، فقد كانت اللغة الأنقليزية هي لغة التعليم في الجنوب قبل الأستقلال ، وحتي في الشمال كانت لغة التعليم في المدارس الثانوية ، ولقد درست عندما كنت طالبا" في الثانوي جميع المواد بالأنقليزية عدا التربية الأسلامية طبعا" واللغة العربية ، وجلستا للشهادة الثأنوية من جامعة كيمبردج بانجاترا وكان الشرط للحصول علي الشهادة هو النجاح في اللغة الأنجليزية حتي وأن نجح الطالب بامتيار في جميع المواد الأخري .
    وأظن أن المدن كالناس فهنا ك شخص ترتاح نفسك اليه منذ أن تلقآه من الوهلة الأولي وهناك آخرتستثقله وتنفر منه نفسك من أول مرة تلقآه والتونج من المدن مثل الطراز الأول من البشر الذي يدخل قلبك من أول لقآء وفد أحببت مدينة التونج الأرض و السمآء والجو والناس ، ولولا التمرد لفضلت أن أقضى بقية عمري فيها ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه وكان قدرنا نحن الشماليين العاملين في التونج أن نتعرض لأول هجوم في الجنوب تشته حركة الأنيا أنيا المتمردة بقيادة جوزيف لاقو في 18 أغسطس 1963 ، وعقب الأحداث المؤسفة والمؤلمة منحتنا الوزارة عطلة طويلة لمدة 45 يوما" نقضيها بين أهلنا في الشمال الي أن يهدأ بالنا وترتاح أعصابنا المنهكة ونستعيد تماسكنا ومن ثم نرجع ثانية لمزاولة أعمالنا ، وقبل أنقضآء العطلة عقدنا نحن مدرسي التونج الموجودين بالعاصمة اجتماعا" لتدارس الموقف وعلي ضوئه نقرر العودة أو لا عودة ، وتمخض الأجتماع عن رأيين متباينين ، وأبنت أنا رأيئ بأنني شخصيا" لن أعود وكل فرد حر في اتخاذ قراره بالعودة أو عدمها .
    وذهبت الي الوزارة وقابلت الوكيل وكان قد زارنا فى التونج هو والوزير طلعت فريد وكبار المسئولين في الوزارة عقب تعرضنا للهجوم من المتمردين ، وقلت للوكيل أنني لن أرجع للتونج وأعرض نفسي للهلاك بدون داع ، فقال لي ( يا هلال الحالة هادئة والأمن مستتب ولأدلل لك علي ذلك ساتكلم ألآن مع الحاكم العسكري لمديرية بحر الغزال وتكلم أمامي ولديه هاتف يوصله بكل مديريات السودان وتكلم بصوت مرتفع سائلا" عن حالة الامن في التونج ووضع سماعة التلفون وأخبرني أن الحاكم العسكري طمأنه بأن الامن مستتب ولاخوف علي المعلمين ، فأجبته أن هذا الكلام لطمأنة الناس وأن الواقع نقيض ذلك ، وأننا عندما كنا في الجنوب ونيران التمرد مشتعلة في كل مكان كان المسئولون في الخرطوم يصرحون بأن كل شيئ هادئ والأمن مستتب ، ولذلك فأنني لن أعود ومستعد لتحمل عاقبة قراري هذا ، وأجابني أنه في هذه الحالة سيتخذ ضدي الأجرآء القانوني وفقأ" لقانون الخدمة المدنية وقال لي أن أذهب لمقابلة مساعد الوكيل للمديربات وهو المسئول المباشر عن جميع مكاتب التعليم في السودان ، وقابلت الأستاذ حسن أحمد الحاج مساعد الوكيل ، وحاول أن يثنيني عن قراري ، وانفعلت وقلت له أنتم جالسين تحت المراوح وتشربون الماء المثلج والشاي والقهوة ونحن نعيش في النيران ولا تعلمون عنا شيئا"، وتأثر الرجل وخاطبني بتأثرقائلا" ( يا أبني كيف تقول لي الكلام ده ؟ أنا في تمرد 55 كدت أفقد حياتي ) وتذكرت أن الرجل كان في ذلك الوقت ناظر مدرسة رمبيك الثانوية ، وحال طلبته واستاذ جنوبي بينه وبين المتمردين الذين كانوا يريدون الفتك به ، والأستاذ الجنوبي هو أيزاك والذي لعب لفريق الهلال الأمدرماني ، وطلب مني مساعد الوكيل أن أبين كتابة الأسباب لعدم رجوعي الي مكان عملي وأن أحضر اليه بعد الغد وكان اليوم السبت ، وبينت تفصيلا"الحالة في التونج من انعدام الأمن وألأمان منوها" اننا معلمون سلاحنا الطباشيرة وليست البندقية وأنه في هذا الجو المكفهر المشبع بالخطر لا يمكن أن ينتج المدرس وحياته مهددة واننى لست مستعدا"لأن أموت ( سمبلة ) كما يقول الجنوبيون أو ( فطيس ) كما يقول الشماليون أي بدون داع أو سبب وجيه ، وفي يوم الأثنين دخلت علي الرجل حاملا" أوراق الأستجواب في يدي ومددت يدي لأعطيها له ، واشار لي بكلتا يديه وقال لي ( خليها معاك خليها معاك ، أمبارح الجنوبيين في الخرطوم كانوا حيكسروا عربيتي ويكتلوني وطلعت منهم باعجوبة خليكم أنتو الفي الجنوب ) ورفع سماعة التلفون وتكلم الي نائبه قائلا"له أن يلحقني بأي موقع في الشمال مؤقتا" ، وذهبت الي نائبه صاحبي القديم دهب غبد الجابر الذي ألحقني بكلية المعلمات بمدني .
    وهكذا قدر لي أن أغادر التونج بلا عودة وتركت كل أثاثات منزلي ومتاعي هناك ، وقد قام الأخ الشهم الأستاذ سيد أحمد المرضي وكان مفتشا" بمكتب تعليم واو بالذهاب الي التونج و( تخييش ) أثاث منزلي ونقله الي واو وشحنه بالقطارالي الخرطؤم وارساله الي .
    وحال التمرد بيني وبين التونج وأهلها والتي أحببتها بصدق وأقول كما ذكرت في كتابي عن أيامي فيها ( فهل من لقاء جديد في أحضان الحب والسلام ؟ أود ذلك فما زال الأمل حيا" في الخاطر ) .
    هلال زاهر الساداتي 2182016




    أحدث المقالات
  • متى يخرج السودان من دوامة الفشل (1/3) ؟ بقلم نعماء فيصل المهدي
  • من الذي يتجرأ على تعديل نجيب محفوظ ؟! بقلم د. أحمد الخميسي. كاتب مصري
  • مسلسل تجديد العقوبات وبكاء الإنقاذ على أطلال العلاقات السودانية الأميركية
  • هل اللواء امن ادم الفكي والي جنوب دار فور منافق و مدعي و هل يملك مكتبا ملكا حرا في جنوب دار فور
  • أدركوا الآثار.. !!
  • استثمارات سعودية سوداء عفنة ثمننا لضحايا الحرب باليمن
  • هل يعود القتل للسياسات الوطنيه بالانتقال من التبعيه للشراكه :حالة العالم العربي
  • الحقيقة حول الأمن القومي الإسرائيلي بقلم ألون بن مئير
  • رفع العقوبات عن إيران... دراسة في الأسباب والنتائج
  • للمرافعة، إنتبهوا ..!! بقلم الطاهر ساتي
  • حضرنا ولم نجد القمة..!! بقلم عبد الباقى الظافر
  • إبداع و(رص)!! بقلم صلاح الدين عووضة
  • صناعة العجز «3» بقلم أسحاق احمد فضل الله
  • هنيئاً للسودان بأشباله بقلم الطيب مصطفى
  • كجبار أو قجري كوتنا لذكرى شهداء المحس شعر حافظ نعيم
  • ليز راولى , تهنئة للشيوعيين الكنديين!!! بقلم بدوى تاجو
  • مُشاركة في ندوة السدود التي أقامتها حركة تحرير كوش السودانية بالولايات المتحدة
  • معارك مقاومة السدود : الوعى.. التنظيم.. وهذا أو الطوفان!. بقلم فيصل الباقر























                  

02-19-2016, 11:53 AM

د. مهندس / محمد الفاتح


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقتطفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والنا� (Re: هلال زاهر الساداتى)

    عندما دخلنا مدرسة بيت المال الثانوية العامة عام 1973 م تشرفنا بالناظر الوقور قليل الكلام قليل الظهور ذو الهندام الراقي الأستاذ هلال زاهر
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de