من يرفض بيان «الرباعية» لأنه يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية عليه أن يتمسك بهذه القرارات ومعها قرارات الإجماع الوطني قررت السلطة الفلسطينية مقاطعة «الرباعية الدولية» بعد صدور تقريرها الأخير حول مسار التسوية والتوصيات التي خرج بها التقرير؛ ونقلت السلطة همومها إلى بقايا المبادرة الفرنسية على أمل انعقاد مؤتمر دولي ينقذ «حل الدولتين». اللافت أن السلطة نفسها على لسان وزير خارجيتها أبدت قبل نحو شهر خيبة أملها من البيان الذي صدر عن مؤتمر باريس، وكانت بوصلته المبادرة الفرنسية ذاتها التي تتمسك بها السلطة الآن كرد على ما تضمنه تقرير «الرباعية». و«البصمة» الأميركية التي بدلت وغيرت في مسودة البيان الختامي للمؤتمر المذكور هي ذاتها من حدد سقف بيان «الرباعية» عند عتبة الاعتبارات الأمنية والتوسعية الإسرائيلية. لهذا السبب على الأقل، يبدو موقف السلطة مجرد تعبير عن «حرد» مؤقت أكثر مما يبدو مراجعة لمسار مديد من الفشل عنوانه الرهان على مبادرات لا تقدم حلولاً تنصف الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية. أعلنت الأفكار الفرنسية بخصوص التسوية في وقت كان الفلسطينيون يجرون فيه مراجعة لمسار العمل الوطني تبلورت في نقاشات المجلس المركزي الفلسطيني وقراراته التي صدرت في بداية آذار (مارس) من العام الماضي. وقد رسمت هذه القرارات مساراً مختلفاً عما كا ن يقوم به «الرسمي» الفلسطيني في عناوين أساسية أبرزها تصويب العملية لاسياسية باتجاه إرساء أية تسوية للصراع على أسس تكفل تجسيد الحقوق الوطنية بدءاً من حق العودة وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية على جميع الأراضي المحتلة بعدوان 1967 وعاصمتها القدس، على قاعدة الرفض الواضح لمبدأ تبادل الأراضي الذي يكرس بقاء الاستيطان؛ وقرر المجلس تصويب العلاقة مع الاحتلال عبر وقف التنسيق الأمني معه. كما أعاد التأكيد على الانفتاح نحو المجتمع الدولي وإدارة المعركة مع الاحتلال في رحاب الأمم المتحدة، كما في الميدان عبر دعم المقاومة الشعبية. ومنذ صدور هذه القرارات ، برزت شكوك في جدية المستوى الرسمي الفلسطيني في التعامل معها من موقع التزام تنفيذها، وتم التحذير منذ ذلك الوقت من مخاطر التعامل مع هذه القرارات كورقة استدراج عروض تفاوضية «بشروط أفضل» دون تغيير جوهري في أسس المفاوضات ومرجعيتها. وعلى اعتبار أن مبادرات كثيرة مرت من نفق التسوية وخرجت منه كما دخلت، مجرد يافطات لا أكثر، فإن باريس «طعمَّت» أفكارها بما يمكن من جهة أن يجذب المفاوض الفلسطيني ويغريه، ويمكنه من جهة أخرى من تسويق هذه الأفكار فلسطينياً باعتبارها مختلفة عما سبقها. لذلك تضمنت الخطة مسألتين بارزتين، الأولى تحديد سقف زمني للتفاوض، والثاني استعداد باريس للاعتراف بالدولة الفلسطينية في حال انتهى هذا السقف ولم تنجح المفاوضات. إلى جانب ذلك، دعت باريس إلى مؤتمر دولي لمناقشة مسار التسوية ومآلاتها وسبل دعم «حل الدولتين». بذلك، سعى المفاوض الفلسطيني إلى شق مسرب يعبر منه بعيداً عن الالتزام بتنفيذ قرارات «المركزي» التي تعني خروجاً كاملاً عن المسار الذي يلتزمه المفاوض ومرجعيته السياسية؛ وتفتح هذه القرارات على استحقاقات متعددة العناوين لا تريد القيادة الرسمية الفلسطينية مجرد الخوض فيها. ومع ذلك، لم تخف عوامل الجذب في الأفكار الفرنسية ما تتضمنه من مخاطر على الحقوق الفلسطينية، من بينها شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها، وتعويم قضية القدس وإبقاؤها تحت رحمة ميزان القوى القائم الأرض، بالإضافة إلى إعادة مبدأ تبادل الأراضي إلى الواجهة بما يعني ضم بنية الاستيطان بالأراضي التي يستعمرها إلى إسرائيل. مع كل هذه المخاطر التي تحملها الأفكار الفرنسية على الحقوق الفلسطينية، وجدت فيها تل أبيب وواشنطن خروجاً على الأسس المعتمدة حول التسوية. لذلك، ما بين الإعلان عن موعد المؤتمر نهاية آيار الماضي ومن ثم عقده في الثالث من حزيران المنصرم، تدخلت إسرائيل والولايات المتحدة، وشطبتا ماله علاقة بالاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية، وتحديد السقف الزمني للمفاوضات، وصدر بالنهاية بيان هزيل عن المؤتمر يتعامل مع الاستيطان بالدرجة نفسها مع «العنف» دون تحديد مصدره الأساسي. وعندما عبر عدد من المسؤولين في السلطة عن خيبة أملهم الكبيرة من البيان المذكور، برز بينهم من يرى في المؤتمر الصادر عنه عناصر إيجابية هامة، مما أكد أن الرهان القاتل لن يتوقف . والحديث اليوم عن بيان «الرباعية» بأنه يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية ينبغي أن يفتح على خيار التمسك بهذه القرارات ومعها قرارات الشرعية الفلسطينية الصادرة عن المؤسسات اللائتلافية في منظمة التحرير. وليس الدوران في الحلقة المفرغة ذاتها عبر التمسك بالمبادرة الفرنسية! ما جاء به تقرير اللجنة الرباعية مؤخراً يحمل البصمة الأميركية بكل تفاصيلها الإسرائيلية، وبالتالي فإن المساواة بين الضحية والجلاد كان خلاصة التقرير وجوهره. ومن يتابع مسار مواقف «الرباعية» منذ إعادة إطلاق عملية التسوية مع مجيء إدارة أوباما، يتأكد من أن الموقف الأميركي كان بوصلة مواقف اللجنة وسقفها. ارتفع سقف الرباعية بعد خطاب الرئيس الأميركي في القاهرة (4/6/2009) واستمر كذلك حتى بدأت المفاوضات فعلاً في العام 2010. بعد ذلك، أقصيت «الرباعية» عن المشهد حتى أن منسقها توني بلير لم يتلقى دعوة لحضور افتتاح المفاوضات المباشرة في نيويورك (2/9/2010). ومنذ أيار من العام المذكور تولت وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الوقت هيلاري كلينتون إدارة العملية السياسية عبر توجيه الضغوط على المفاوض الفلسطيني حصراً؛ ومع تراجع الإدارة الأميركية عما جاء في خطاب أوباما بشأن الاستيطان، سارت «الرباعية» مع منحى هذا التراجع. لذلك، بيان الرباعية الأخير هو الموقف الأميركي من محددات التسوية والذي يأخذ بنظر الاعتبار بالدرجة الأولى والأخيرة تحقيق الشروط الأمنية والتوسعية الإسرائيلية. والموقف من البيان، ينبغي أن يكون موقفاً من المسار السياسي الفلسطيني الذي حشر مستقبل الحقوق الفلسطينية في هذه الزاوية التي لا تزال تضيق.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة