اولا: الكتلة الحرجة في علم الفيزياء النووية والمفاعلات النووية. ثانيا: مفهوم الكتلة الثورية أو "الديمقراطية" الحرجة. ثالثا: الانتظار والترقب بين قادة العمل السياسي والجماهير.
"تم جمع هذه المادة وإسقاطها على الواقع السوداني من عدة مصادر" بواسطة : صديق عبد الجبار ابوفواز الرئيس و المسئول السياسي بالمجلس القيادي لحشد الوحدوي عضو هيئة رؤساء وقادة تحالف قوى الاجماع الوطني
* تمهيد
هنالك مفاهيم كثيرة تم استعارتها من العلوم الطبيعية وخصوصا علم الفيزياء والرياضيات وتستخدم فى علم النفس الاجتماعي والعلوم السياسية، مثل مفهوم الفوضى (الحركة العشوائية او البراونية) ومفهوم الإنتروبى (مقياس درجة الفوضى فى أى نظام - ديناميكا حرارية ). وعندنا في علوم الطيران هنالك نظرية أساسية للتحليق تقول The attitude determines the altitude ويتم استعارته في علم النفس والاجتماع ويقال للإنسان : Your attitude determines your altitude ويعني ذلك ان شخصية الانسان وطباعه تحدد مقامه بين الناس. ومفاهيم اخرى غير قليلة تم استخدامها من قبل الفلاسفة أمثال أفلاطون وأرسطو وماركس وابن رشد ... الخ ، فمن هذه المفاهيم مفهوم الكتلة الحرجة.
اولا: الكتلة الحرجة في علم الفيزياء النووية والمفاعلات النووية.
تعريف الكتلة الحرجة (بالإنجليزية:critical mass ) في علم الفيزياء النووية وفيزياء المفاعلات النووية Reactor Physics هي :- أقل كتلة من اليورانيوم-235 أو البلوتونيوم-239 (أو بعض العناصر الأخرى فوق اليورانيوم) التي يمكن أن يتم فيها التفاعل المتسسل من دون توقف، وفي هذه الحالة يكون عدد النيوترونات داخل الكتلة الحرجة ثابتا. وإذا كان العنصر المستخدم في عملية الأنشطار النووي ذو كتلة قادرة على توليد سلسلات متعاقبة من الانشطار النووي حتى بدون أي تحفيز خارجي بواسطة تسليط نيوترونات خارجية فيطلق على هذه الحالة الكتلة فوق الحرجة وهي المرحلة المطلوبة لتصنيع القنبلة النووية.
ان معادلة أينشتاين الشهيرة لحساب الكتلة الحرجة اللازمة لاحداث التفاعل المتسلسل الذى ينتج عنه طاقة هائلة هى كما يلى :
E = m c2
E هى كمية الطاقة الناتجة عن الانفجار m هى الكتلة الحرجة c هى سرعة الضؤ كم / ثانية مرفوعة الى الآس ٢
هذا فى علم الفيزياء لكن ما الذى يقصد بالكتلة الحرجة عندما نستخدم هذا المصطلح فى علم النفس الاجتماعى والعلوم السياسية ؟
ثانيا: مفهوم الكتلة الثورية أو "الديمقراطية" الحرجة.
يمكن فهم مثلث النهوض الاجتماعي (الأفكار- الأشخاص- المؤسسات) الذي يقف خلف التغيير الاجتماعي، بأنه لابد من تشكل نسبة اجتماعية معينة من الناس لا ينقصون عنها، ولا فائدة من زيادتها، يمكن أن نطلق عليها فكرة ''الكتلة الحرجة'' CRITCAL MASS من الذين يبنون المؤسسات، وينشرون الأفكار الصحية، فكما أن للأمراض قدرة العدوى، كذلك حال الأفكار. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفكرة الجيدة فيها صفة الخلود، في حين أن الفكرة السيئة فيها الصفة السرطانية (التورم غير الصحي والموت بعد حين)
الكتلة الحرجة فى العلم الاجتماعى وحركة المجتمعات لاتتكون مرة واحدة إنما لها دلائل ومقدمات تراكمية حتى تصل الى الوزن والحجم الحرج.
من هذه الدلائل ما نراه حاليا على وجوه ملايين السودانيين من كافة الشرائح الاجتماعية بلا استثناء من وجوم وقلق وترقب بل واكتئاب واحيانا حالة من اليأس، وهذا لا يمكن إنكاره الا من قبل جاهل او أعمى او متعامى، و يكفى التمعن فى وجوه السودانيين فى الشوارع وأماكن العمل والمناسبات العامة والخاصة.
التيارات السياسية الأساسية داخل قطاع أفقي قد يكون نواة لنجاح تلك الكتلة كالطلاب و العمال والمزارعين وصغار الضباط والجنود على سبيل المثال.
اما في القطاع الرأسي فقادة العمل السياسي ومنظمات المجتمع المدني تتحمل العبء الأكبر لخلق تلك الكتلة والاستفادة من المد التراكمي للكتلة الأفقية ، و كما لا يمكن - ولو نظريًا - إغفال أهمية "المؤسسة العسكرية" او ما تبقى منها في الحالة السودانية الراهنة، كداعم لهذا المسار من منطلق دوره الطبيعي كحامي للدستور و للبلاد من العدوان الخارجي وليس كطرف اقتصادي أو كلاعب سياسي. بالاضافة لمؤسستي الشرطة والأمن (نظريا) باعتبارهما حماة الأمن الشعبي وأمن الدولة الداخلي والذين من المفترض هم الذين يحافظون على سلامة المواطنين والممتلكات العامة والخاصة، و هكذا يضاف إلي أهمية نواة الكتلة ضرورة اتساع قواعدها الاجتماعية والمؤسسية.
يبقى السؤال؛ ماذا يمكن أن يدفع لتشكل مثل تلك الكتلة أو ما هو الظرف الذي يدفعها إلي الإسراع بالتشكل؟
حتى الان الإجابة الواقعية هي للأسف أنه لا بديل عن مسار التجربة والخطأ، بمعنى آخر، لابد من التسليم بأن طريق الثورة وبناء بناء الديمقراطية طويل وغير ممهد مسبقًا وأنه من المعتاد أن يتجرع البَعضُ بإرادتهم السم حتى يدرك أنه سيقتله.
ولكن يمكننا القول بلا تردد انه عندما يصل الشعور الجمعى لملايين السودانيين للتعبير عن نفسه بهذا الوضوح، فاننا نتحدث عن وجود للكتلة الحرجة فى مرحلة ماقبل الانفجار وهذا هو الشرط الاول للمعادلة.
الشرط الثانى لإنتاج "التفاعل المتسلسل" او استمرارية الحراك الثوري و الذى ينتج الانفجار الهائل هو مربع السرعة الهائلة وهنا يمكن ان نتحدث عن سرعة توالى الاحداث التى تفجر الكتلة الحرجة والانفجار الثوري.
السودان يمر حاليا بمرحلة ماقبل الانفجار الكبير الذى سينتج عن تفاعل متسلسل لأحداث تتوالى بسرعة بحيث لايمكن لاحد ان يسيطر عليها ويوقف التفاعل المتسلسل ومن ثم حدوث الانفجار الهائل وانطلاق الطاقة او "الثورة".
حاليا وفى الراهن السياسي والاجتماعي السوداني، ليس هنالك إعداد كافية فى الشوارع والميادين مثل ماحدث فى العشرة ايام التي أسقطت النميري في ٦ ابريل ١٩٨٥ وقبلها بضع ايام في ٢١ اكتوبر ١٩٦٤ حيث سقط نظام ١٧ نوفمبر العسكري بقيادة ابراهيم عبود، في الحالتين تحققت شروط نظرية الكتلة الحرجة بشكل واضح و كانت نتيجته تحقيق شروط معادلة أينشتاين مجازيا.
والاستخدام هنا على الرغم من انه مجازى، لكنه مادى فى نفس الوقت و يمكن حسابه ويقصد به فى حالة الثورات والاحتجاجات واسعة النطاق عادة وصول أعداد المحتجين والمتظاهرين والمعارضين لنظام ما مثلا الى الملايين او الآلاف حسب تعداد السكان في كل بلد، ونزولهم الى الشوارع والميادين ليعبروا عن سخطهم ومعارضتهم لنظام الحكم بإعداد مليونية على مستوى المجتمع وبمئات او عشرات الآلاف على الأقل فى العاصمة فى مجتمع مثل المجتمع السوداني والذي يشكل فيه المركز والعاصمة الخرطوم قلب اي نظام حاكم ودماغه اللذان يحددان بقائه او فنائه بشكل كبير، على الرغم من أهمية ودور جماهير الأقاليم والاطراف للوصول لذروة الانفجار الثوري.
"ماشين في السكة نمد"
والى اللقاء في الجزء الثاني تحياتي وتقديري صديق ابوفواز ٦ ديسمبر ٢٠١٦م
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة