|
مفهوم الكتلة التاريخية: الحوار والتوافق والاجماع الوطني "طرح الفكرة كبديل لاستراتيجية الاقصاء والته
|
مفهوم الكتلة التاريخية: الحوار والتوافق والاجماع الوطني "طرح الفكرة كبديل لاستراتيجية الاقصاء والتهميش" (الجابري) د. أحمد الياس حسين [email protected] أثار الأستاذ صلاح جلال موضوعاً مهما في صحيفة سودانايل يوم 7 / 2 / 2014 بعنوان "دعوة للتفاكر حول مشروع تكوين الكتلة التاريخية" وقد أتى عرض هذا المشروع في وقته المناسب والبلاد تتطلع إلى وفاق وطني يجمع الكل لتحقيق هدف متفق عليه وهو الخروج مان هذه الأزمة التي انغرست مخالبها في كل مناحي الحياة. وأرى أن هذا المشروع جدير بالاهتمام والدراسة من قبل المثقفين وقادة العمل السياسي ومنظمات المجتمع المدني لكي يكون مدخلاً – كما عبر الأستاذ صلاح جلال - إلى صياغة مشروع وطني جامع. ويعود مفهوم ومصطلح "الكتلة التاريخية" إلى المفكر الإيطالي انطونيو غرامشي (1891-1937) الذي كان يسعى إلى حل المشاكل التي عاشها المجتمع الايطالي في ذلك الوقت والناتجة عن التباين الكبير بين الجنوب المتخلف اقتصاديا والواقع تحت هيمنة الكنيسة وبين الشمال المتقدم صناعيا. ورغم تكوين غرامشي الماركسي إلا أنه سعى إلى البحث عن بديل للماركسية لإحداث التغيير المطلوب في المجتمع الإيطالي. فقد رأى في المثقفين البديل الذي يمكن أن تقود هذا التغيير. ورأى غرامشي كما في موسوعة ويكابيديا http://ar.wikipedia.org أن "الدولة تتكون من قوى كاسرة (الجيش والبوليس والقضاء التي يحل محلها إبان الأزمات منظمات خاصة كالميليشيات..) ومن أجهزة تصوغ التشريعات وتطبقها (البيروقراطية، الحكومة، البرلمان) ... وهي تتكون كذلك من أجهزة تغلب عليها الأيديولوجية (المدرسة، الكنيسة، الأحزاب السياسية..) وتؤمّن للطبقة المسيطرة رضى الطبقات الأخرى وقبولها بقيادتها لها. غير أن ما يؤمن توحيد هذا كله هم المثقفون الذين تنميهم كل طبقة لتؤمن هيمنتها عبرهم ... مثقفي البرجوازية الذين حاربوا المثقفين المرتبطين بالإقطاع (عبر الكنيسة خاصة) عادوا فحاربوا المثقف الجماعي الذي هو أحزاب الطبقة العاملة، أو حاولوا أن يستلحقوه بهم عبر ممارسة اشتراكية-ديموقراطية. وعلى هذا فإن المثقفين يشكلون الاسمنت العضوي الذي يربط البنية الاجتماعية بالبنية الفوقية ويتيج تكوين "كتلة تاريخية". فالكتلة التاريخية عند غرامشي هم المثقفون الذين يمثلون حلقة الوصل والرابط بين البنية الاجتماعية والبنية الفوقية الحاكمة. وقد شغلت أفكار غرامشي حول المثقفين وقضايا المجتمع المدني قطاعات كبيرة من المثقفين العرب ومراكز البحوث منذ العقود الأخيرة من القرن الماضي. وعُقدت الكثير من الندوات ونشرت عشرات المقالات والكتب عن أفكار غرامشي. مثل الندوة التي عقدها مركز البحوث العربية في القاهرة ندوة عام 1990 حول فكر غرامشي عن الثقافة والمثقفين وقضايا المجتمع المدني، ونشر دار كنعان بدمشق كتاباً لجيوفري سميث عن "غرامشي وقضايا المجتمع المدني – دفاتر السجن" وقد قام أولئك الكتاب بإخضاع أفكار غرامشي إلى النقد والتحليل ومقارنتها ببعض تجارب التراث الإسلامي، فقارن البعض بين الكتلة التاريخية ووثيقة المدينة، وقارنها البعض الآخر بأفكار ابن خلدون في العصبية. وكان هنالك شبه اتفاق بينهم على أن مشروع الكتلة التاريخية يمكن تطبيقه في البلاد العربية - مع إجراء بعض التعديلات التي تلائم خصوصيات المجتمعات العربية – لمواجهة مشاكل العالم العربي المتمثلة في غياب الأنظمة الديمقراطية السليمة، وتسلط الأنظمة المستبدة الفاشلة، وسيادة الأفكار المتطرفة بجميع أنواعها وأشكالها، وهيمنة الطائفية والقبلية والعشائر على الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية مما أدى إلى التدهور والتشرذم والاحتقان بين مختلف شرائح المجتمع. وقد انفجر ذلك الاحتقان في كثير من البلدان إلى ثورات انقلبت إلى صراعات طاحنة بين الطوائف والفرق والقبليات والجهوية لعدم وجود رؤية موحدة ومتكاملة لقيادة الصراع الذي يحفظ لجميع قطاعات الشعب بمختلف أنواعها حقوقها ويقود المجتمعات إلى تحقيق تطلعاتها والتوصل سلمياً إلى الهدف المنشود. وأرى أن دراسة مثل هذه التجربة جديرة بالاهتمام والانتباه من جميع عناصر وبنيات المجتمع بمختلف توجهاتها وأفكارها وأحجامها للتفاكر في هذا المشروع ونحن نتوجه ونتطلع إلى فتح منافذ الحوار الذي نأمل أن يقود إلى توافق وإجماع وطني شامل يقود البلاد نجو التغيير المطلوب. وقد رأيت – إلى جانب العرض المفصل الذي قدمه الأستاذ صلاح جلال - أن أقدم ملخصاً موجزاً لبعض أفكار الكتاب العرب حول هذا الموضوع "الكتلة التاريخية" من خلال ما كتبه المفكر الراحل الجابري الذي قدم الفكرة للمجتمعات العربية ومن خلال مسامة الكاتبين علي خليفة الكواري وعبد الفتاح ماضي اللذان قدما تصوراً معدلاً لفكرة الكتلة التاريخية. رؤية الجابري للكتلة التاريخية تناول محمد عابد الجابري رحمه الله – كما ذكر - مسألة الكتلة التاريخية في عدد من المقالات منذ عام 1982، ثم جمعها في كتابه الشهري رقم 22 بعنوان "مواقف". وقد نشر الجابري ملخصاً موجزاً لما ورد في هذا الكتاب في موضوع تحت عنوان "الكتلة التاريخية .. بأي معنى؟" في الموقع: http://www.aljabriabed.net/pouvoir_usa_islam_4.htm وفيما يلي عرض موجز لما ورد في ذلك الموضوع من أفكار. يرى الجابري أن المرحلة الراهنة في البلاد العربية تحتاج إلى: شيء أقرب إلى ما سماه المفكر الإيطالي والمناضل السياسي اليساري (1891-1937)غرامشي بـ"الكتلة التاريخية" والذي كان يفكر في طريق للتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يناسب طبيعة المجتمع الإيطالي في زمانه. "وكانت عوائق طرق الإصلاح تتمثل في التفاوت الكبير بين شمال إيطاليا الذي كان قد بلغ درجة عالية في مجالي التصنيع والتحديث، وبين جنوبها الذي كان يحمل سمات المجتمع المتخلف الخاضع لسلطة الكنيسة. ومن أجل الحفاظ على وحدة الأمة الإيطالية والقيام بنهضة شاملة اقترح فكرة "الكتلة التاريخية" وهي تضم إلى جانب قوى التغيير والإصلاح في الشمال، من ماركسيين وشيوعيين وليبراليين، القوى المهيمنة في الجنوب بما فيها الكنيسة." وذكر الجابري أنه "من خلال مقارنة حال الأقطار العربية في زماننا مع حال إيطاليا زمن غرامشي اقترحت الفكرة مع تبيئتها وتكييفها مع الوضع العربي" فالكتلة التاريخية التي نادى بها الجابري كما حددها هي: " كتلة تجمع فئات عريضة من المجتمع حول أهداف واضحة تتعلق أولا بالتحرر من هيمنة الاستعمار والإمبريالية، السياسية والاقتصادية والفكرية، وتتعلق ثانـيا بإقامة علاقات اجتماعية متوازنة يحكمها، إلى درجة كبيرة، التوزيع العادل للثروة في إطار مجهود متواصل للإنتاج." ويرى الجابري أن أهم أسباب فشل التحركات في البلاد العربية في تحقيق التغيير المطلوب أنها لم تكن منفتحة وتقوم بإقصاء وتهميش وتجميد الآخر مثل حركة الصحوة الإسلامية في إيران وحركات الوطنيين واللبراليين والقوميين والماركسيين العرب في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. وذكر أنه طرح هذه الفكرة كبديل لاستراتيجية الاقصاء والتهميش السائدة في البلاد العربية. ووضح الجابري أن أي حركة تغيير سوف لن يكتب لها النجاح إلا إذا انطلقت من واقع المجتمع كما وهو وأخذت بعين الاعتبار جميع مكوناته. فالكتلة التاريخية المقترحة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار الكامل جميع مكونات المجتمع الحديثة منها والتقليدية، والنخب وعموم الناس والأقليات والأغلبيات وصفوف العمال والطلاب، "وقبل ذلك وبعده صفوف المساجد... صفوف المصلين." ويواصل الجابري "وواضح أن الانطلاق من هذا الواقع كما وصفناه، والأخذ بكل ما فيه من تعدد وتنوع، ومن ائتلاف واختلاف، سيكون مصطنعا وهشا إذا اعتمد على التوفيق والتلفيق والتحالفات السياسية الظرفية ذات الطابع الانتهازي... إن المطلوب هو قيام كتلة تاريخية تنبني على المصلحة الموضوعية الواحدة التي تحرك - في العمق ومن العمق- جميع التيارات التي تنجح في جعل أصدائها تتردد بين صفوف الشعب: المصلحة الموضوعية التي تعبر عنها شعارات الحرية والأصالة والديمقراطية والشورى والعدل وحقوق أهل الحل والعقد، وحقوق المستضعفين وحقوق الأقليات وحقوق الأغلبيات الخ. ذلك لأن الحق المهضوم في الواقع الراهن هو حقوق كل من يقع خارج جماعة المحظوظين المستفيدين من غياب أصحاب الحق عن مراكز القرار والتنفيذ. إنه ... بدون قيام كتلة تاريخية من هذا النوع لا يمكن تدشين مرحلة تاريخية جديدة يضمن لها النمو والاستمرار والاستقرار". ولما كانت مهام التغيير متعددة وجسيمة – كما يرى الجابري - فإنه "لا يمكن لأي فصيل من فصائل القوى الوطنية القيام بها بمفرده، سواء حمل إيديولوجيا سماها يسارا أو نطق باسم الدين أو بأي شيء آخر. إذا أدركنا هذا، أدركنا كيف أن الحاجة تدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تحالف وطني جديد على شكل كتلة تاريخية تضم جميع القوى الفاعلة في المجتمع والتي من مصلحتها التغيير في اتجاه تحقيق الأهداف الوطنية. هذه الكتلة تجسيم الوفاق الوطني ... إنها ليست مجرد جبهة بين أحزاب بل هي كتلة تتكون من القوى التي لها فعل في المجتمع أو القادرة على ممارسة ذلك الفعل، ولا يستثنى منها بصورة مسبقة أي طرف من الأطراف. ويقدم الجابري تصوراً للقوى المرشحة لتكوين الكتلة التاريخية في المغرب العربي تتكون من: 1. الفصائل المنحدرة من الحركة الوطنية والتنظيمات والمجموعات المرتبطة بها من نقابات عمالية وحرفية وتجارية وفلاحية وجمعيات ثقافية ومهنية ونسوية 2. التنظيمات والتيارات التي تعرف اليوم باسم الجماعات الإسلامية 3. القوى الاقتصادية الوطنية التي تشارك بنشاطها الصناعي والتجاري والزراعي والسياحي والمالي في خدمة اقتصاد البلاد ككل وتطويره وتنمية قدراته. 4. جميع العناصر الأخرى التي لها فاعلية في المجتمع بما في ذلك تلك التي تعمل داخل الهيئة الحاكمة، والمقتنعة بضرورة التغيير في اتجاه تحقيق الأهداف التاريخية المذكورة.
وفي النهاية يطرح الجابري سؤالاً هو: كيف السبيل إلى تحقيق هذا الانتظام الفكري حول تلك الأهداف والعمل بالتالي من أجلها؟ يرى "إن الفراغ الإيديولوجي القائم الآن ليس من شأنه إلا أن يفسح المجال للتشرذم الفكري والغلو الطائفي والديني والتعصب القبلي، تماما، مثلما أن عدم الارتباط بأهداف وطنية سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية يجعل المجهود الفردي الذي تبذله هذه القوة الفاعلة أو تلك، مهددا بالدوران في حلقة مفرغة، لأن المهام التاريخية المطروحة مهام لا يمكن - كما قلنا - أن يقوم بها فصيل واحد أو تيار واحد بمفرده، مهما أوتي أصحابه من العزم أو من القدرة على التضحية" ونواصل: رؤية الكواري وماضي المعدل لفكرة الكتلة التاريخية
|
|
|
|
|
|