|
مفارقة "الفحل الشامي" وطفل سوداني يحاول الأنتحار لسبب يثير الأسى/سيف الدولة حمدناالله
|
مفارقة "الفحل الشامي" وطفل سوداني يحاول الأنتحار لسبب يثير الأسى Inline images 2 سيف الدولة حمدناالله لفت إنتباهي إعلان نُشر بالصحف اليومية بقيام مسابقة لإختيار "أجمل" فحل شامي بالسودان، وقد جرت المسابقة - بالفعل - بحدائق قاعة الصداقة بالخرطوم برعاية وزير الزراعة بولاية الخرطوم وفي حضور حشد من المسئولين ورجال الأعمال والجمهور بحسب ما جاء في الصور التي تم عرضها بعد قيام المهرجان.
الفحول المقصودة هي "تيوس ماعز" تم إستجلابها من الشام، وشمل المهرجان مسابقة أخرى لإختيار أجمل أنثى من نفس الفصيلة، أي "غنماية" شامية، وقد أوضح الإعلان شروط الإشتراك بالمسابقة، من بينها أن يكون "الفحل" أو الماعز في صحة جيدة، وأن يكون له أو لها مظهر لائق (أي والله)، وأن يتم تنظيف وتجهيز الفحل بقص أظافره وترتيب شعره (أي والله)، وأن تُدفع عن كل فحل أو ماعز رسوم بواقع (500) ألف جنيه للرأس، ويتحصل الفائز في أي من المسابقتين على جائزة نقدية مقدارها خمسة مليون جنيه علاوة على كأس المهرجان.
وبحسب ما ورد في إعلان صاحب المزرعة الذي قام بتنظيم هذا الكرنفال، فإن الفحل "المميز" يبلغ سعره في الخرطوم اليوم (10) ألف دولار (الفحول والماعز "غير المميزة" تتراوح اسعارها بين 3-4 ألف دولار بحسب الإعلان)، وبحسب رأي صاحب المزرعة فإن من شأن هذه الأسعار أن تُسهم في مكافحة الفقر بلجوء الغلابة لتربية هذا النوع من الفحول والماعز وارد الشام.
في نفس اليوم الذي إلتأم فيه هذا الحشد لإختيار الفحل الشامي الفائز، كان هناك جمهور آخر إحتشد في أحد أحياء الخرطوم لمتابعة مشهد تنخلع له القلوب من موضعها، والمشهد الذي جرى تم عرضه بعدد من المواقع الإلكترونية، يصور طفل صغير قام بتسلق عمود كهرباء ضغط عالي بقصد وضع نهاية لحياته وذلك بسبب عجزه عن مغالبة الأسى الذي يعيش فيه لعدم مقدرته على توفير الدواء لوالدته المريضة وهو يراها تكابد الآلام.
المشهد يصور جسد الطفل يتدلى من بين الأسلاك وهو في إرتفاع شاهق، ووسط هذه المأساة ظهرت بطولة صبي آخر أخذ يتسلق عمود الكهرباء بيديه وهو يحاول الوصول لرفيقه المكلوم للإمساك به وإثنائه عن فعله، ولم تكن المخاطرة التي واجهها هذا البطل المجهول (الإرتفاع الشاهق والتيار الكهربائي) أقل من التي أوجد نفسه فيها الصبي المكلوم، ولم تحتمل أعصابي متابعة هذا المشهد حتى النهاية، والذي يزيد من قدر التوتر فيه صراخ الجمهور وعويل النساء طوال فترة عرض الشريط.
فيما بعد، علمت بأن الفتى المكلوم قد هوى إلى الأرض من ذلك الإرتفاع ولقى حتفه.
يا وجعي على والدة هذا الطفل المفجوعة، تُرى ماحال هذه الأم الثكلى!! هل نجرؤ أن نواسيها !! وما عسانا أن نقول لها !! بل ما عسى هؤلاء الشيوخ الذين يتصارعون على الحكم أن يقولوا لها !! وكم مثلها من الأمهات والآباء والأطفال الذين يفتك بهم المرض وهم يصارعون الألم في صمت ببرشامة بندول!! (أوردت الصحف أن 30 طفل يقومون بغسيل الكلى يومياً بالخرطوم و50 مثلهم في واد مدني).
لا يمكن النظر لحادثة إنتحار هذا الطفل بإعتبارها تصرف أرعن أو أنه غلبت عليه العاطفة، فقد حمل الفقر غير هذا الطفل أماً لبيع أطفالها، وزوجاً ليعقد قران زوجته على غريب ليقبض المهر، وفتاة جامعية لإدارة بيت للدعارة، وبسبب الفقر ظهرت مهنة "شهود الزور" الذين يعرضون خدماتهم في حلف القسم أمام المحاكم (راجع التفاصيل بمقالنا تحت هذا العنوان).
هذه المفارقة – فيما ورد بالخبرين – توضح حقيقة طالما صدحنا بها، وهي أنه - وبفعل الإنقاذ - قد أصبحنا شعبين لا شعب واحد، فالشعب الواحد تتساوى في الحقوق والواجبات، ونحن اليوم قد إنقسمنا إلى شعب يقوم بالواجب، وآخر يلهف الحقوق، شعب من الغلابة عليه واجب تعبئة خزينة الدولة بالأموال من عرقه وبالكرباج، وشعب آخر ينفق تلك الحصيلة في رفاهية نفسه.
وسوف يأتي اليوم الذي يدفع هؤلاء الذين تسببوا في مثل هذه الكوارث الثمن، وليس هناك من يضمن لهؤلاء الأرزقية أن يتم ذلك عبر وسائل القانون، فهناك عشرات الألوف مثل الذي أزهق روحه بمثل هذه القسوة التي عرضها المقطع المصور، ومثل المرارة والغبن الذي يتجرعه هؤلاء المظاليم لن ينفع معه الحديث عن الكياسة وضبط النفس.
لقد عشنا اليوم الذي تكون قيمة الفحل الشامي أعلى بكثير من قيمة الإنسان في بلده.
رابط فيديو الطفل: http://www.youtube.com/watch?feature=player_embeddedandv=VBgKY7p6XC8 --
|
|
|
|
|
|