|
مع فنان الشعب سيد خليفة ( 3-3) كتب صلاح الباشا
|
تحدثنا آنفاً عن غناء سيد خليفة لقصيدة ( ربيع الحب ) والتي كتبها إدريس جماع والذي كان يطلق عليه شاعر الشباب وقتذاك .. ولعل هذه التسمية أطلقت علي شاعرنا الراحل في منتصف خمسينيات القرن الماضي وفي ذات المرحلة التي اطلقتها الصحف المصرية علي شاعر سيدة الغناء العربي ام كلثوم وهو احمد رامي فقد عرف ايضا باسم شاعر الشباب.
وبعد أداء سيد خلفية لتلك الأغنية سالفة الذكر .. فإنه قد لجأ إلي ديوان لحظات باقية لذات الشاعر لكي يختار درة أخري من درر إدريس جماع ... فجاءت تتهادي تلك القصيدة التي أحدثت أكبر نقلة فنية في مسيرة أبو السيد عليه الرحمة .. نعم .. إنها أغنية ( غيرة ) والتي يطلق عليها البعض عنوان ( أنت السماء ) .. تلك القصيدة ذات الجرس الذي يأخذ طابع الملامة وقد أتي في شكل إعجاب مغلف .. وقد ظلت تلك الأغنية التي كان سيد خليفه يفاخر بها .. بمثلما ظللنا نحن كجمهور نفاخر بها ونطرب لها أيضاً أيما طرب .. حيث كان اللحن ينم عن مقدرة هائلة لهذا الفنان الذي كان يعرف كيف يختار الموسيقي التي بواسطتها نستطيع أن نري ونستمتع بحلاوة مفردات مثل هذا الشعر الجميل .. والتي يحترمها كل الجمهور المحب للفن الجميل.. وقد ظل يعيش معها جيل بأكمله .. وربما حتي اللحظة لايمل سماعها:
أعلي الجمال تغار منا ... ماذا عليك إذا نظرنا ؟؟؟
هي نظرة تنسي الوقار... وتسعد الروح المُعنـَّا
دنياي أنت وفرحتي ... ومُني الفؤاد إذا تمنـّا
أنت السماءُ بدت لنا ... وإستعصمت بالبعد عنا
هلاّ رحمتَ متيماً ... عصفت به الأشواق وهنا
وهفت به الذكري وطاف... مع الدجي مغنيً فمغني
هزته منك محاسنُ .... غنّي بها لما تغني
ياشعلةً طافت خواطرنا ... حواليها وطـُفنا
أنستُ فيكَ قداسة ... ولمست إشراقاً وفناً
ونظرت في عينيك ... آفاقاً وأسراراً ومعنيَ
جَمِّع عهودك في الصِبا ... وأسأل عهودك كيف كنـّا
ذهب الصبا بعهوده ..... ليت الطفولة عاودتنا
لقد طرح إدريس جماع كل هذه التساؤلات ثم رحل بكل هدوء ... رحل بهدوء شديد عن دنيانا . وكان الراحل المقيم سيد خليفه بقدر هذا التحدي في أن يجعل الشعب السوداني كله يكاد يحفظ معظم أبيات هذا اللوحة الفنية عن ظهر قلب في زمان مضي حين كانت كل طبقات المجتمع تتذوق مثل هذا الفن الرفيع .. قبل أن يتشرب هذا الجيل بالغناء الذي لاطعم له ولالون وأيضا لارائحة إلا ضجيج آلة الأورج والإيقاعات الصاخبة القادمة من الساوند سيستم والجيتارات والساكسفون.
فشعبنا .. والحمد لله .. لايزال يفهم جيداً ويعرف بحسه العجيب ماهو الكلام الجميل الذي تفوح منه عطور الجمال والحسن .. فهو صحيح أنه في معظمه شعب فقير (وغلبان) .. لكنه غني بقناعاته وبفهمه الراقي وبتراثه الممتليء بكل ألوان الجمال والعشرة الحميمية الطيبة ... ونتمني أن لا تتلاشي مثل هذه الصفات الرائعات .
وفناننا الراحل الأستاذ سيد خليفة سبق له أن طرق الغناء الذي يمجد الوطن .. فلقد تغني ومنذ عقود طويلة بأغنية وطنية .. وقد أعاد تسجيلها مرة أخري .. وهي (ياوطني يابلد أحبابي) وهي من تأليف الراحل حسن عوض أبو العلا شاعر قصيدة ( أمل ) التي حكينا قصتها في الحلقة الأولي .. وهي المشهورة بمطلع ( ولـّي المساء ) ... كما تغني أيضاً من كلمات الشاعر التجاني يوسف بشير بقصيدة أنشودة الجن ( قم ياطرير الشباب .. غني لنا غني) .
ولقد كان من أهم المحطات في حياة الراحل سيد خليفة هي ذلك الفوز الكبير بلقب فنان الموسم في ذلك الحفل الشهير الذي اقامته الإذاعة السودانية علي الهواء مباشرة من المسرح القومي بأمدرمان قبل إفتتاح التلفزيون في العام 1962م حين كان اللواء محمد طلعت فريد وزيراً للإستعلامات والعمل( الإعلام حالياً ) ثم تم تحويل طلعت إلي التربية والتعليم ليشغل الإستعلامات اللواء محمد نصر بشير ... وقد كان ذلك إبان فترة حكم الرئيس الراحل الفريق إبراهيم باشا عبود ( 1958- 1964م ) والذي إنتهي حكمه بقيام إنتفاضة أكتوبر 1964م الشعبية . حيث كان كل فنان يشترك في المهرجان الذي تم في ليلة واحدة فقط بأن يتغني في فاصله الغنائي بعدد ثلاث أغنيات متواصلة .. وكانت لجنة التحكيم متواجدة بالمسرح وقامت بإعلان نتيجة المنافسة في نهاية الحفل الذي إستمر حتي الساعة الثالثة من فجر اليوم التالي .. وقد تغني سيد خليفة في ذلك الحفل بأغنيات : أسراب الحسان وهي باللغة الفصحي، وبأغنية غزلية وهي بإيقاع السيرة ، ثم نانا ..
وقد طاف الفنان سيد خليفة معظم أقاليم السودان إن لم تكن كلها .. ويعرفه الكبير والصغير بعد أن أصبح من العلامات البارزة في فن الغناء السوداني الحديث.. وبنفس المستوي تعرفه معظم الشعوب العربية في مشرق الوطن العربي ومغربه .. كما زار سيد خليفة معظم دول العالم الخارجي فتغني في العديد من المسارح الأوربية في بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية .. أما أثيوبيا والصومال فقد كانت (دوائر مقفولة ) له كما يقول أهل السياسة القدامي .. أو دوائر( بالإجماع السكوتي) كما تقول أدبيات الإنقاذ الأولي.
وهنالك قصيده عاطفيه قديمه سبق أن تغني بها الراحل سيد خليفه حيث كانت مفرداتها تحمل مضامين جميله وفيها زخم هائل من الحنين وقدر كبير من الشوق الدفاق .. ويظهر إحساس ومعاناة الشاعر حسن عوض أبو العلا بوضوح في هذا البيت:
يوم قسّموك ياهم….وكتبوا عليك إسمي
يوم فرّقوك بالدم … ياهَم رووك دمِّي
أنا لو رضيت بالهم… ما بيرضي بي همي
ألـّمني حنان .. حنان .. حنان
رحم الله الفنان سيد خليفة ورحم الله شعرائه الراحلين الذين كانوا مميزين في زمانهم .. حسن عوض وإدريس جماع وعبدالمنعم عبدالحي صاحب البدايات الأولي لسيد خليفة بالقاهرة مثل المامبو السوداني وإزيكم ونانا .. وغيرها .... ورحم الله الدكتور حسبو سليمان الذي كتب عدة أشعار لسيد خليفه وكان طبيباً مشاركاً في العديد من السهرات التلفزيونية الفنية .. وسنظل أيضا نحمل كامل التقدير لكل الذين كتبوا لسيد خليفة من الشعر أجمله .. فقد كان أبو السيد صرحاً شامخاً من صروح إبداعاتنا السودانية الخالدة... نعم لقد كان شعبك يحبك كثيراً يا سيد خليفه.
[email protected]
|
|
|
|
|
|