|
معركة الخرطوم : البشير يتحسب وطه يترصد بقلم اكرم محمد زكى
|
ربما استعر الصراع بين العسكريين والسياسيين منذ اللحظة الاولى التى تلت نجاح الانقلاب العسكرى فى يونيو 1989 وظهور التحالف المسمى بالانقاذ الى العلن بانه ثمرة تحالف بين عسكريين والاسلام السياسى او فى رواية اخرى اكثر تطرفا وهى ان الانقلاب قد قام به الجناح العسكرى للجبهة الاسلامية فى محاولة لتسويق ان العسكريين المنفذين للانقلاب هم اصلا اعضاء منظمين وفاعلين فى الجبهة الاسلامية
سرعان ما اشتد الصراع بين العسكر والساسة ففى حين ان بعض العسكريين بداًوا فى التململ مما اعتبروه تدخل سافر من قيادات الاسلاميين فى امور ادارة الدولة والامن والحرب والسلام وحتى السياسة الخارجية بداً البعض الاخر من العسكر فى ابتلاع الطعم بانهم اعضاء اصيلين فى تنظيم الاسلام السياسى وانهم لايقلون اهمية عن رصفائهم من المفكرين والمنظرين وصناع القرار فى الحزب السياسى وانتصر هذا الانتماء الاسلاموى على انتمائهم وولائهم العسكرى فى كثير من الاحيان
فى المقابل نفذ صبر القادة من سياسيي الجبهة الاسلامية وضاق ذرعهم بالعسكر والذين كان من المفترض منهم ان ينسحبوا من المشهد بعد نجاح الانقلاب ويعودوا الى ثكناتهم متولين امر الجيش بينما يتولى الساسة الاسلامويون المدنيون السلطة وادارة الدولة الداخلية والخارجية والامن حيث كان شركاء الانقلاب من ساسة وعسكر على علم بالقوة الامنية ومليشيات الاسلاميين التى يقودها نافع على نافع والتى كانت من مهامها الاساسية تنفيذ الخطة ( ب) فى حال فشل انقلاب 30 يونيو 1989 والتى تقضى بالقيام بتنفيذ اغتيالات وسط كبار الزعماء السياسيين بالبلاد وربما شملت القائمة المنفذين للانقلاب العسكرى انفسهم وذلك لاخفاء علاقتهم بالاسلام السياسى مما سيضر به تاريخيا اشد الضرر وربما فطن اعضاء مجلس قيادة الانقلاب لهذا الامر ولما لا يلاحقهم الاغتيال حتى بعد نجاح الانقلاب فاحتدم الشك والصراع تحت السطح لكن سرعان ما بداً العسكريون فى التساقط والخروج من المشهد بطرق مختلفة مع نشوة القليل منهم بعد ابتلاعهم للطعم لكن عندما انتبه العسكريين للخدعة سارع بعض الساسة لانتهاز هذه الفرصة الذهبية حيث قدم فريق على عثمان راًس زعيمهم الترابى للبشير قربانا وتعويضا عن استغلاله وهحاولته الانتهازية لسرقة الثورة من العساكر الاسلاميين السياسيين وزادوا على ذلك بان نصبوهم على راًس الحزب الحاكم ومكنوهم من طرق الثروة والجاه لهم ولذويهم مقابل ان يغض العسكريون الطرف ولايزعجوا انفسهم باًمور ادارة الدولة والحكم والمالية والعلاقات الخارجية
بينما كان البشير واقربائه واصدقائه يتقلبون فى النعم ويعيثون فسادا فى المال والحرث والنسل تبعهم الكثير من الساسة وانبروا يفسدون تحت عبائتهم ومباركتهم ومنهم نافع على نافع بينما كان على عثمان وفريقه يرصد ويسجل لهم كل حركاتهم وسكناتهم عدا عن ممارسة التمكين فى تعيين الموالين لجماعة طه وزرعهم فى كل خلايا النظام مشكلين دولتهم العميقة المتمكنة من مفاصل الدولة ومخارجها ومداخلها فى اهم وظائف الخدمة المدنية والجيش والشرطة والامن ( عدا بعض ميليشيات نافع ) كما تمكنوا من الجهاز القضائى والسلك الدبلوماسى والبنوك وشركات النفط والاتصالات وبالطبع حزب المؤتمر الوطنى الحاكم
ربما تكون الغيرة الشديدة ادت لان يقوم نافع على نافع بالترصد لمجموعة على عثمان ولاعبيها الاساسيين امثال عوض الجاز وصلاح قوش ويقدمهم على طبق من فضة للرئيس البشير ليتغدى بهم قبل ان يتعشوا به وليخلو له وجه الرئيس بعدها لينعم به حسب ظنه لكن على ما يبدو ان ذاكرة البشير لم تمح بعد سيناريو الخطة ( ب 1989) فقرر القيام بالتخلص من الجميع بما فيهم نافع املا ان يحملهم خطايا و اوزار كل ما سبق وارتكبته الانقاذ ويعيد معه تقديم نفسه للسودانيين ولاباس للعالم ايضا
البشير كان على دراية بان نافع ليس سوى شخص محدود التفكير والاهداف وان على عثمان ذلك القانونى الضليع لديه ما لديه من المماسك على نافع لكنه ظل يحاول جاهدا ان يعرف ماهو حجم مماسك على عثمان عليه هو شخصيا وعلى زوجاته واخوته ولم يكن يحتاج لوقت طويل حتى يوقن انهم متورطين حتى اذانهم فى حفر فساد قد يكون على عثمان قد قادهم نحوها لكن الاكيد انه يملك فى جعبته من الادلة ما يكفى لادانتهم امام القضاء المحلى والدولى ولو بعد حين بينما نجح بخبرته فى ان يجنب نفسه هذه المهالك من الناحية القانونية على الاقل ويناى باسمه عن الجرائم والفساد
كان قرار البشير بتنحية طه اشبه بالتحدى او العملية الانتحارية حيث لم يتوقعها الاخير بما يملك من اوراق الضغط ويمكننا ان نقول انها اصابت طه بغتة اصابة بالغة لم تكن ضمن حساباته وان الصمت البالغ الذى لف الساحة السياسية السودانية والذي شابته حالة من النكران ما لبث ان تحول الى صخب بالغ ثم الى تصفية حسابات قديمة فظهرت على السطح انتماءات البعض من الصحفيين والاعلاميين وهم يفتحون ملفات فشل وفساد ويجهرون بكيل الاتهامات والادلة والاعترافات والاعتذارات وسط دهشة الشعب ليس لان الشعب على علم بكل هذه الملفات ولا لبقائهم صامتين عليها طيلة 24 عاما وحسب ، لكن دهشة الشعب تكمن فى سرعة تبديلهم للاحصنة واصرارهم على الاستمرار فى مواصلة لعب نفس الدور مزاولين صحافة واعلام اكل العيش المضللة والخاوية من اى مبادئ او مثل او اخلاق
اما البشير فقد ادرك بعد حركته الهجومية المباغتة ان الدولة العميقة اسمها على عثمان طه وان اموال التمكين مفاتحها بيد طه وان ادارة البلاد تحتاج اموالا وان اهله ورطوه حتى اذنيه فى الفساد لذلك لا تثق دول الخارج والداعمة منها تحديدا به كما لا يثق الجيش به ولا الاحزاب التقليدية وربما جميعها تثق اكثر بعلى عثمان وقدراته بل وان ادلة ادانته هو واهله مع طه وان كل الابواق والاصوات التى تحرضه عليه ، يملك طه ادلة تورطها
لقد شهدت البلاد الكثير من المعارك الدامية فى الجنوب وفى دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق بقرارات من البشير وحكومته الا ان الوضع الان يحتم على البشير ان يقرر مابين التسليم او محاولة التسوية مع على عثمان او الاستعداد لمعركة فاصلة فى قلب الخرطوم هذه المرة ومع شركاء الامس حيث ان طه قد بدا فى النهوض من الصدمة ويستعد للانقضاض
اللهم الطف بنا وارحمنا اجمعين
اكرم محمد زكى
|
|
|
|
|
|