تترامى الى مسامعنا في هذه الايام الكثير من (الشكاوى)التي تجأر بها بعض الاسر السودانية في السعودية ..خصوصا تلك الاسر التي فقدت معيلها بالموت او السجن او الانفصال بجانب اولئك الذين فقدوا اعمالهم واصبحوا في زمرة (العطالة ) ..ويصب فحوى هذه (الشكاوى)في خانة المبالغ التي تدفعها تلك الاسر في سبيل تجديد بعض الوثائق المرتبطة بشرعية المكوث بالطرق الرسمية او النظامية في ارض المملكة ..من ضمنها (بطاقة التأمين الطبي)التي اصبح سريان مفعولها من الضروريات القصوى في تجديد (الاقامة) مما تدعو تلك الاسر من القذف بأموال طائلة في جيوب (الكفلاء)بغية الوصول الى تحقيق هذا المبتغى !! جل هؤلاء الغارقون في لج امواج تلك (الشكاوى)ارغمتهم (الظروف)ان ترمي اجسادهم الضامرة في احضان نوع من (الكفلاء)الذين يركضون خلف جمع الاموال بشتى السبل والوسائل ..وبالتالي ليس بوسع هذه الاسر الضعيفة وفي حالة ظروفها المادية القاسية الا السعي الحثيث من اجل توفير هذه المبالغ وبشق الانفس او الهرولة نحو الاستدانة من البعض الامر الذي يزرع كتلة من سحب الهموم في حناياها وهي تصارع مع الزمن للعثور على هذه المبالغ والتي يتفاقم حجمها عاما بعد عام لا سيما وبعد ان اخذت رسوم التأمين الطبي طريقها الى خانة بعض الرسوم الاخرى ..ناهيك عن مصاريف المدارس ..وايجارات الشقق الغالية في هذه الايام !! كنت يوما في زيارة تفقدية لاحدى الاسر التي اصبح معيلها في عداد المقعدين او المشلولين بسبب مرض (الجلطة)واصبح لا يقوى على الحراك ..بينما (الزوجة)التي لم يرزقها الله سبحانه وتعالى الا عدد من البنات تكابد مع الحياة ليل نهار لتوفير لقمة (العيش)عبر اعمال شاقة تتمثل دائما وكما هي حالة النساء المغتربات في مجال التدريس الخصوصي او تخضيب الحناء من خلال طرقها لبيوت (الاثرياء)وقد طفرت الدموع من عيونها وهي تروي هذه المأساة وعدم تمكنها من تجديد (الاقامة)لأن الكفيل طلب الكثير من الاموال وقد رأيت في احدى المحلات التجارية التي تعرض بعض المنتوجات السودانية امرأة سافر بها قطار العمر لمحطات بعيدة تروي للعامل السوداني في هذا المحل ما احاق بها من كدر وعوز شديدين بعد ان غيب الموت زوجها وفي كنفها (اربعة)من الاطفال فقدوا فرص التعليم بسبب تعثر تجديد الاقامة ..وهم بالطبع في اعمار غضة لا تسمح لهم بالعمل في اي مكان ..وهناك اسرة يمكن وصف حالتها بالصعبة جدا او بالمصاب الجلل حيث تضم في ثناياها (اربع)من البنات العانسات يذرفن الدموع منذ رحيل والدهن بعد ان ترك والدتهن تجابه مرارة الحياة حتى اصابها مرض الشلل النصفي بينما الاخت الكبيرة تزرع البيوت للعمل فيها منذالصباح الباكر وتعود ليلا وهي في حالة من الرهق الشديد لتأوي الى فراشها ثم تعاود الكرة في اليوم التالي من جديد وهناك ايضا اسرة سودانية اغتربت قبل اكثر من (50)عاما وتضم (3)من البنين و(5)من البنات اصغرهن تطرق ابواب سن اليأس بعنف ..والابن الاكبر ترك الديار وهرب ..والاوسط التحق بأحدى الجماعات الدينية وتوارى عن الانظار ..والصغير يلازم البيت ولا يخرج منه الا لماماً خشية الا يقع في ايدي الشرطة لانه مثله ومثل بقية افراد الاسرة لا يملك اوراق ثبوتية ..ولأن هذه الاسرة طيلة اغترابها لم تخطو ارض السودان فأن البنات وصلن الى هذه السنوات المتقدمة من العمر دون ان يظفرن بأزواج خصوصاً وان عاداتهن وتقاليدهن السعودية تقف عائقاً امام المغتربين الشباب من السودانيين في الاقتران بهن بينما السعوديين من الشباب لا يمكن ان يتقدموا لهن بسبب معضلة عدم حصولهن على الجنسية السعودية تلك حالات من ضمن الآف الحالات لأسر سودانية ارهقها الزمن في ديار الغربة ولا تريد العودة الى ديار الاهل والعشيرة خوفاً من مجابهة الحياة القاسية هناك كما هو المفهوم السائد لدى كل المغتربين ..ولأنني لا املك اي نوع من انواع المعالجات او الحلول لمثل هذه المآسي .. فأنني تركت لقلمي العنان للتحليق في هذا الفضاء ..ريثما يكون هناك حلول من الاخرين .. خصوصاً من الاختصاصين في مجال علم الاجتماع .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة