|
معالم في طريق الحوار الطويل (1) بقلم بارود صندل رجب -المحامي
|
الحوار جزء أصيل من حياة الإنسان ، فالإنسان كائن مفاوض فهو في حالة حوار دائم ، سواء كانت علي أمور صغيرة أو علي قضايا كبيرة ففي البيت يتحاور مع أولاده وزوجته ، وعندما يضع الإنسان قدمه خارج البيت يجد نفسه في مواجهة أنواع شتي من الحوارات،حوار مع بائع لخفض سعر سلعة ، أو لإقناع رجل الشرطة بأن الإشارة لم تكن حمراء حين عبر بسيارته ،أما في محيط العمل فأن أنواع الحوارات التي يواجها الإنسان لا حصر لها. والحوار علم يرمي إلي وضع حد لسوء التفاهم وتجنيب الإنسان ويلات التصادم والصراع مع أخيه الإنسان اعتماداً علي ما يمكن أن يكون بينهما من أرضية مشتركة . وعطفاً علي هذا لا يختلف اثنان علي أن الحوار هو الطريق السليم للوصول إلي حلحلة قضايا هذه البلاد التي بعضها أخذ برقاب بعض بالدرجة التي تهدد بانهيار وحدة هذه البلاد بعد أن ذهبت ثلثها !! وللدخول في هذا الحوار مع المؤتمر الوطني الحزب الحاكم بل المهيمن علي مفاصل البلاد لأبد من الوقوف علي الحوارات السابقة ومآلاتها ليس علي سبيل اليأس من الحوار ولكن لنأخذ منها العظة والعبرة والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين كذلك لنتبين جدية النظام في الحوار وإيمانه به ، فنظام الإنقاذ جنح للحوار مع القوي السياسية منذ وقت مبكر ، الحوار مع التجمع الوطني المعارض, وأبرز هذه الحوارات حوار الأمام الصادق المهدي مع النظام والذي بدأ في جيبوتي يومها صرح الأمام أنه أتي إلي الحوار ليصطاد أرنبا فأصطاد فيلا وأكتشف الأمام لاحقاً أنه ربما أصطاد فيلا فطيسا وقبض الريح كان ذلك في عام 2001م ومنذ ذلك الوقت تواصل الحوار بين الأمام والنظام يعلو أحيانا وبخفض أحياناً أخري إلي يومنا (يا لطول بال الأمام ) هذا ولم يحقق هذا الحوار شئ يذكر للبلاد والعباد مع أن الأمام قد حقق بعد المصالح الخاصة , توظيف أبنائه ! أما الحوار الثاني كان بين الحركة الشعبية والنظام برعاية دولية وإقليمية انتهي بتوقيع اتفاقية نيفاشا هذه الاتفاقية تميزت بالشمول وتناولت تفاصيل التفاصيل وفي رأيي لو أن هذه الاتفاقية نفذت نصا وروحاً بنسبة 50% فقط لتجاوزت البلاد كثير من مشكلاتها ومعضلاتها وتجنبت الانفصال ولكن الذي نفذ كان يسيراً بالدرجة التي لم يحدث أي تغيير ملموس في البلاد لا في وحدتها ولا في اقتصادها ولا في حرياتها ولا في التحول الديمقراطي ظل النظام يتمترس بنهجه وسلوكه ولم يتزحزح قيد أنملة فاضطرت الحركة الشعبية وهي في أوج قوتها وعنفوانها يدعمها المجتمع الدولي والإقليمي إلاّ أن تنكفئ علي نفسها مدبرة عن الوحدة مقبلة نحو الانفصال فكان لها ما أرادت!! وبتواصل الحوار مع النظام فيدخل التجميع الديمقراطي في حوار فضي إلي مشاركنه في الحكومة ولكن ذلك لم يغير شئ بل ازدادت الأمور سوءاً ولا أعرف علي وجه الدقة أن كان قد أخرج منها قسراً ام انه فرّ بجلده يندب حظه العاثر الذي أوقعه في أحضان النظام!! ويمضي الحوار مع حاملي السلاح من أبناء دارفور وبعد جولات مكوكية في اقاصي العالم تم التوقيع علي اتفاق أبوجا بين النظام وحركة تحرير السودان جناح مني في عام(2006) واستبشر أهل السودان خيراً وأهل دارفور خاصة بأن عهد السلام والتنمية والاستقرار قد القي بعصا الترحال ولكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن فهذه الاتفاقية لم تحقق شيئأ لأهل دارفور أصحاب المصلحة الحقيقية ، بل لم تحقق لموقعيها من قيادات حركة التحرير شئ وبعد ضرب أخماس في أسداس وتحسس المواقع أضطرت القيادات الي النجاة بأنفسهم فراراً وهرباً من النظام بعد أربع سنوات عجاف لسني يوسف عليه السلام فأسدل الستار علي مسرحية اتفاقية أبوجا ، لم يتوقف قطار الحوار رغم كل هذه الانتكاسات ، بل أنتقل شرقاً إلي الدوحة وبعد عامين من الحوار تم التوقيع علي اتفاقية الدوحة مع بعض الفصائل المقاتلة في دارفور فعاد المحاربون وتجدد معهم الأمل في توطين السلام والاستقرار وبعد سنتين من عودتهم وانخراطهم في النظام لم يحصد أهل دارفور إلاّ السراب والاتفاقية تترنح تحت ضربات تجاهل إنفاذ بنودها، وحتى المجتمع الدولي الداعم للاتفاقية بدأ بنفض يده من الاتفاقية ويتواصل مسلسل الحوارات مع النظام فيدخل علي الخط مولانا محمد عثمان الميرغني زعيم حزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وانتهي الحوار إلي مشاركة حزبه في الحكومة وظن الناس أن هذه المشاركة سوف تحدث تغييراً نحو الأفضل علي الأقل نحو التحول الديمقراطي ولكن ان بعض الظن أثم لم يحصد الناس من مشاركة هذا الحزب الكبير إلاّ مزيداً من اليأس والتأزم ، ضاع الحزب نفسه في دهاليز المؤتمر الوطني هذا بعض نماذج من حوارات النظام ، فالأحزاب التي دخلت في الحوار فقدت الكثير وعلي سبيل المثال فأن حزب الأمة القومي حين بدأ الحوار كان حزباً واحداً قوياً وأثناء الحوار انقسم الحزب إلي خمسة أحزاب أربع منها دخلت الحكومة !! وكذلك الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي كان حزباً واحداً في المعارضة تحول إلي أربع احزاب او خمسة في رواية أخري ثلاثة منها علي الاقل دخلت الحكومة وذابت فيها كفص الملح في الماء ، وكما ذكرنا آنفا فأن ما أوردناه ليس علي سبيل اليأس من الحوار بأعتباره بضاعة المؤتمر الوطني المزجاة , ولكن علينا أن نستصحب هذا الماضي القريب والتجارب البائسة أذ نقدم علي التحاور مع النظام... هل تغير النظام أي عقليته ونهجه أم تغيرت الأحزاب ! يجب أن يكون التغيير متبادلاً , علي النظام أن يبرز أفعالاً يستشف منها انه جاد هذه المرة ومؤمن بالحوار الحقيقي المفضي إلي كفكفة مشاكل هذه البلاد وليس مجرد تكتيك و شراء للزمن للخروج من عنق الزجاجة التي وضع نفسه فيه وعلي أحزاب المعارضة الداخلة في الحوار أن تضع جانباً مصالحها الخاصة وان تجمد برنامجها الداعي إلي إسقاط النظام وخلعه من جذوره وان تبتعد عن التهريج السياسي بوضع الشروط المسبقة التي تعيق انطلاق الحوار بهذا نستطيع ان نجري حواراً حقيقياً يفضي بطبيعة الحال إلي إنقاذ البلاد. في المقال القادم نحاول أن نتلمس جدية الحكومة بارود صندل رجب -المحامي
|
|
|
|
|
|