دول أولادنا" كانت العبارة التي فتحت الطريق أمام حكام الإنقاذ قبل سبعة وعشرين عاماً..صاحب العبارة لم يكن سوى السفير الشربيني ممثل مصر المقيم بالخرطوم في ذاك التاريخ..دبلوماسية مصر ومخابراتها تتولى تسويق الإنقاذ إلى العالم الخارجي.. ترحب أمريكا بحذر بالتغيير وتصمت لندن لبعض الوقت ..قبل ذلك كانت القاهرة تسحب البساط الأحمر من تحت أقدام جعفر نميري في يوم الانتفاضة ..مصر اعتقلت المشير جعفر نميري حينما أيقنت أن نجمه قد أفل تماماً..قبل ذلك كانت مصر من وراء انقلاب مايو عبر إلهام العسكر بفكر الضباط الأحرار إلى تسويق الاتحاد الاشتراكي لحكام الخرطوم . لاحظت منذ فترة أن هنالك تغييباً للدور المصري في الشأن السوداني ..الدبلوماسية السودانية تتجوّل شرقاً وغرباً دون أن تتوقف طويلاً في قاهرة المعز..بعض الأقلام المقربة لقلب الحكومة السودانية تلهب مصر بسياط النقد وتروّج نهاراً للخرافات السياسية ..سمعت مسؤولاً رفيعاً وعلى الهواء يسخر من الغضب المصري حينما استضافت الخرطوم مفكرين مصريين يشتبه في انتمائهم لتنظيم الإخوان المسلمين وذلك في منتدى كوالالمبور الذي عقد في الخرطوم ..منطق ذاك المسؤول أن مصر تستضيف أيضاً قيادات سودانية معارضة. من المؤكد أن مصر ومنذ ثورة يناير ٢٠١١ قد انشغلت بشؤونها الداخلية..ومن المؤكد جداً أن علاقة مصر مع الخليج العربي ليست في تمام العافية منذ أن تحفظّت مصر من الالتحاق بالحلف العسكري في حرب اليمن الجديدة ..كما أن المتاعب الاقتصادية التي أنهكت الاقتصاد المصري جعلت مصر منكفئة على نفسها ..كل ذلك مع برود في العلاقة مع الغرب الذي كان ينظر إلى المشير السيسي باعتباره انقلابياً وصل إلى الحكم تحت جنح الليل. في الاتجاه الآخر كانت حكومة المشير البشير تكسب عدداً من الجولات الدبلوماسية والسياسية..الحركات المسلحة فقدت الراعي الرسمي بغياب العقيد القذافي ..سلسلة جولات الحوار الوطني ولّدت أملاً في تسوية شاملة ..قفز السودان من المحور الإيراني ووصول الملك سلمان إلى العرش وفرا رياحاً مواتية لحكومة السودان..بين غمضة عين وانتباهتها بات السودان في موقع الصديق الأمين لدول الخليج خاصة بعد انحسار الدور المصري.، بشكل مفاجئ تمكنت الحكومة السودانية من الإفلات من العقوبات الأمريكية ولو إلى حين. في تقديري أن الخرطوم ترتكب خطأ إستراتيجياً إن أهملت الدور المصري في المعادلة السودانية ..مصر الآن تتحرك بهدوء داخل الصندوق القتالي للسودان ..زيارات متبادلة لمسؤولين مصريين لجوبا وكمبالا وأسمرا ..مصر لم تُبْد حماساً لرفع العقوبات الأمريكية عن كاهل السودان.. حتى الاتصال البروتكولي المعتاد بعد خروج الرئيس البشير من المشفى لم يحدث.. كل هذه إشارات تدعو للقلق..ومبعث القلق الأكبر أن الرئيس الأمريكي الجديد اتصل هاتفياً بالرئيس السيسي في الأسبوع الأول من رئاسته.. طمأن ترامب مصر بمواصلة المساعدات العسكرية ..ومن المتوقع أن يحل السيسي ضيفاً على البيت الأبيض في فبراير القادم. بصراحة.. استسهال الدور المصري في المعادلة السودانية ينم عن قصر نظر سياسي.. من المهم أن تطمئن مصر إلى أن دورها محفوظ في السودان وأنها ستظل أخت بلادي مهما كانت الظروف..حكومة مصر لها ثقل دولي وبطاقات ضغط يمكن استخدامها عند اللزوم. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة