|
مصر السيسي و الطريق الثالث زين العابدين صالح عبد الرحمن
|
طرحت جريدة الشرق الأوسط السعودية التي تصدر في لندن سؤالا علي عدد من الشخصيات السياسية المصرية " يقول السؤال ( هل تتوقع أن تعتمد مصر السيسي مواقف حاسمة و واضحة إزاء المشاريع الإقليمية غير العربية المتنافسة في المنطقة؟) و الجريدة عندما تطرح مثل هذا السؤال، تعتبر هي القضية التي تتصدر سلم الأولويات للمملكة العربية السعودية، و حلفائها في المنطقة، و هذا ما أكده ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز أثناء حضوره حفل تنصيب الرئيس المصري، حيث قال (إنهم يتطلعون لمصر أن تعود للساحة العربية و الدولية و تأخذ مكانتها و تلعب دورها الفاعل) و قال الدكتور جمال زهران لجريدة الشرق الأوسط ( أتوقع أن تكون السياسية المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي،حاسمة، و واضحة إزاء المشاريع الإقليمية، و قال سوف يطرح السيسي مشروعا مغايرا إزاء المشاريع المطروحة في الساحة " تركيا - قطر" " إيران – الولايات المتحدة" و هناك للمشير فرصة للدخول في محور جديد، من الممكن أن يتكون من مصر – ليبيا و سوريا أو السودان إذا تراجع السودان و أصبح أكثر انحيازا لمصر. و لابد لمصر السيسي من دور في أفريقيا لمواجهة مشكلة سد الألفية) و في اتجاه مخالف في قضية التحالفات، ذهبت أمينة النقاش عن حزب التجمع، حيث ذكرت في تصريحها ( يجب تشكيل تحالف عربي يعتمد علي القوة المصرية، و القوة الاقتصادية العربية، و خاصة في دول الخليج، لضمان أمن المنطقة و مواجهة المخاطر التي تحيق بها، إن إدارة السيسي سوف تلتزم بالخط العام الذي اتخذته ثورة 23 يوليو، و الذي يعيد استقلال الإرادة الوطنية) و السيدة أمينة النقاش تعرف إن خط ثورة 23 يوليو لا يتلاءم مع خط دول الخليج، فكيف يتم التوفيق بين الخطين, و قد اتفق المتحدثون جميعهم علي قضيتين جوهريتين هما " الأولي التحالف مع دول الخليج و التي سمتها أمينة النقاش القوة الاقتصادية، و الثانية مواجهة قضية سد الألفية" و لكن الدكتور زهران يري أهمية التقارب المصري السوداني لمواجهة أهم مشكلة تواجه مصر هي مشكلة المياه. و من خلال قراءة التحليلات السياسية في الصحف العربية، و الغربية و الأمريكية و الإسرائيلية، تجد هناك اختلافات جوهرية حول التحديات التي تواجه السلطة الجديدة في مصر، إن كانت هذه التحديات داخلية أو خارجية، و الأولوية للتحديات الداخلية لأنها القضية التي سوف تؤثر في سياسة مصر الخارجية، و لا تستطيع مصر أن تلعب دورا في السياسية الإقليمية و العالمية، إذا لم تستطيع أن تحل مشاكلها الداخلية، و يتم الاستقرار الاجتماعي، و حل لمشاكل الاقتصاد و البطالة التي بلغت فوق معدل 40%، رغم إن بعض دول الخليج وعدت بأنها سوف توفر الدعم المالي، و لكن لا اعتقد أنها تستطيع توفير 150 مليار دولار هو ما تحتاجه مصر لإنعاش اقتصادها، و دلالة علي ذلك مقترح العاهل السعودي الملك عبد الله دعوة أصدقاء مصر لدعمها. و لنترك التحديات الداخلية التي سوف تواجهها السلطة الجديدة، و موقف الشعب المصري منها، باعتبارها من الشؤون الداخلية، يجب أن لا نتدخل فيها، و نركز علي قضية التحديات الخارجية، و هي حزمة من التحديات في الشرق الأوسط، و في البيت العربي، إلي جانب الساحة الأفريقية، و هي مشاكل تؤرق كل دول المنطقة، لأنها متعلقة بمصالح شعوبها، وهي قضايا تتشعب و تتشابك مع بعضها البعض وفقا للمصالح. أولا – موقف مصر من التحالف العربي العربي، و هو انقسام في الساحة العربية، و هذا الانقسام هو الذي يسمح بدخول أصابع أخري، في القضايا الخلافية المطروحة، و هي القضية السورية، البحرينية، العراق, لبنان، اليمن، السودان، و في كل هذه القضايا تمد إيران أنفها بما تسميه بامتدادات جيواستراتيجية في المنطقة. ثم القضية الفلسطينية التي تراجعت في سلم الأولويات العربية و هي مواجهة مع إسرائيل. و أخذت القضايا مع إيران، الطابع المذهبي في البعض و السياسي في البعض الأخر، كما إن التحالفات نفسها قد تشعبت و تداخلت، و لكن ستظل إيران تشكل محور مهما، و لن تسمح إيران بسقوط النظام السوري، الذي يشكل أهم ركيزة أساسية في امتداداتها "الجوسياسية" و التي تعتقد بعض الدول سوف تهدد مصالحها، و خاصة المملكة العربية السعودية، التي شعرت إن انسحاب أمريكا من المنطقة بهدوء، سوف يهدد مصالحها في المستقبل، لذلك كان سعيها من أجل إعادة بناء تحالف مع مصر باعتبارها أكبر قوة في المنطقة، و لكن السؤال، هل مصر سوف تتبني ذات المواقف السعودية في المنطقة، أم إنها سوف تبحث عن مصالحها؟ يقول عماد ابشيناس رئيس تحرير صحيفة " إيران برس" لجريدة القدس العربي التي تصدر في لندن ( لإيران امتدادات جيوستراتيجية في المنطقة، يجب علي دول المنطقة أن تتعايش مع النفوذ الإيراني و تتعاون، أو أنها لا يمكن أن تعيش في سلام) إيران سوف لن تقبل بتقليص نفوذها في المنطقة، و هي قادرة علي إثارة القلاقل في عدد من المناطق، التي تحيط بالمملكة العربية السعودية، و لكن في نفس الوقت سوف تدعم الحلف الأخر التركي القطري، الذي يدعم الأخوان المسلمين، حتى تخفف الضغط علي بعض الجبهات الأخرى علي حلفائها، و تصريح ابشيناس يؤكد إن إيران ساعية في تحقيق إستراتيجيها و مد نفوذها في كل المنطقة العربية، و هذه الإستراتيجية إذا تعتقد دول المنطقة سوف تواجهها، بالتحالف مع مصر إذن المملكة تكون قد تنازلت طوعا عن موقف القيادة الذي ناضلت من أجله منذ ولاية الملك فيصل، و هذه الإشارة هي وحدها تبين القلق السعودي من التطلعات الإيرانية، و بالتالي سوف تلعب مصر ذات الدور الذي لعبه الرئيس العراقي صدام حسين أبان الحرب العراقية الإيرانية، رغم تغير خارطة التحالفات السياسية في المنطقة الآن و تمددت إيران في مساحات كبيرة وصلت الحدود السعودية من الجهات الأربعة. ثانيا – إن هناك خلاف معلن بين مصر السيسي، و قطر و تركيا، جاء نتيجة إقالة الرئيس المصري السابق محمد مرسي و الأخوان من السلطة، هذا الحلف لن يرضي بالأمر الواقع، و لا اعتقد إن مصلحة مصر في الوقت الحاضر، أن تفتح جبهات خارجية متعددة، قبل أن ترمم بيتها من الداخل، و هذا الحلف له امتدادات في تونس و السودان، و الزيارة التي قام بها وفد من الحزب الحاكم في السودان مؤخرا لتركيا، للتأكيد أنهم يسيرون في خط واحد، ثم زيارة سفن حربية تركيا إلي ميناء السودان، تؤكد إن الحلف بدأ يتمدد، و يؤكد وجوده في منطقة البحر الأحمر، إضافة إلي المعلومات التي نشرتها جريدة " اليوم السابع" المصرية إن عبد الحكيم بلحاج الذي يقود الجماعات الإسلامية في ليبيا قد طار إلي السودان، و استلم صفقة سلاح مقدمة من قطر عن طريق السودان، و لكن ربما يكون الخبر نفسه صادر من مركز مخابرات، الهدف منه هو تمهيد لتدخل مصري في ليبيا، و لكن المؤكد دعوة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، و الذي يشن حربا علي الجماعات الإسلامية، و التي يسميها إرهابية، قد أعلن في مقابلة صحفية دعوة الجيش المصري لاحتلال ليبيا، لآن الجيش الليبي غير قادر علي حماية الحدود الليبية المصرية من حركة الإرهابيين، هذه الدعوة مع الخبر الذي نشرته اليوم السابع، يؤكد إن مصر ربما تفتح معركة مع الإسلاميين في ليبيا، و إذا فتحت هذه المعركة سوف تشغلها عن بناء تحالفاتها الأخرى، و التصدي للنفوذ الإيراني التركي في المنطقة، و من مصلحة إيران أن يدخل الجيش المصري في ليبيا، و يتم استنزافه هناك، من خلال إرسال مجموعات كبيرة من المقاتلين الإسلاميين لإضعافه. ثالثا – هناك خلاف بين مصر و الولايات المتحدة الأمريكية، حول قضية الحرية و الديمقراطية، و الغريب في الأمر إن أغلبية النخب المصرية في المؤسسات البحثية قد درست في الولايات المتحدة بما فيهم المشير السيسي نفسه، و يعرفون إن الإدارة الأمريكية لا تستطيع أن تتخذ قرارا بمعزل عن العديد من المؤسسات التي تؤثر في صناعة القرار، و لكنهم يصرون علي التعامل مع الآخرين بثقافتهم في الشرق الأوسط ، والتي لا تعطي أهمية للرأي العام أو دور المؤسسات، و بالتالي يتأزم الحوار بين الجانبين، فمثلا كتب إريك بيورلند الباحث في معهد واشنطن عن الانتخابات المصرية يقول فيها ( علي الرغم أن الدستور المصري يحمي حرية التعبير و غيرها من الحريات، إلا أن قمع الحكومة للمعارضة و الاعتقالات الواسعة النطاق التي قامت بها، و أقرارها قانون تظاهر جديد، جعلت من الصعب إجراء انتخابات ديمقراطية هادفة) و كتب أيضا ميشيل دن من ذات المعهد يقول ( إن الجيش المصري يعتبر نفسه وسط نزاع وجودي، لا تستطيع الولايات المتحدة كبح الانزلاق نحو الاستبداد، بيد ليس من المناسب لواشنطن أن تبقي علي نفس النوع من حزمة المساعدات التي قدمتها لمصر في الماضي، لذلك سوف تعترف الحكومة الأمريكية بالرئيس الجديد، و سوف تعمل مع القاهرة بشأن احتياجاتها الأمنية المشروعة، لكن العلاقة بين البلدين فقدت توازنها فيما يتعلق بما تحتاجه مصر فعليا، فقد تطورت علي مر السنين بالتركيز علي الناحية الأمنية، بينما سوف تضعف من الناحية الاقتصادية و الشعبية) و يكمل أريك تاجر الباحث في ذات المعهد " معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" يقول في ذات الموضوع ( إن واشنطن لا تستطيع الحصول علي مصر الديمقراطية التي تريدها، و يجب عليها بدلا من ذلك أن تسعي للحصول علي مصر التي تحتاجها، و هي دولة تتوافق مع الولايات المتحدة من الناحية الإستراتيجية، و فيما يخشي الكثيرون في واشنطن من أن يعتقد المواطنون المصريون إن الدعم العسكري للحكومة المصرية بمثابة دعم للاستبداد) إذن الكتاب يعتقدون بدلا من الوقوف بعيدا من القاهرة بسبب ضياع الديمقراطية التي لا يحصلون عليها، التعامل معها من خلال الاحتياجات الإستراتيجية للولايات المتحدة، و هي مصالح تهم الإدارة الأمريكية و ليس مصلحة مصر. و يلتقي الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة في ذات المنهج، و هذا الموقف سوف يفشل دعوة العاهل السعودي الملك عبد الله "دعوة أصدقاء مصر لدعمها اقتصاديا" أنما الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي سوف يؤجلون اتخاذ أي قرار بشأن السلطة الجديدة في مصر، لكي يراقبوا مسارها في قضية الحريات و حقوق الإنسان، باعتبار إن إدارات حكومات تلك الدول لا تستطيع اتخاذ أية قرار بعيدا عن رأي العام الداخلي، و لكن إسرائيل سوف تؤيد النظام القائم ليس لأنها ضد سلطة الأخوان المسلمين، و هي تعرف تماما إن الأخوان ليس لديهم علاقة بقضية الديمقراطية، أنما إسرائيل تريد أن تكون الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة لكي تسيطر الرأي العام الأمريكي و الأوروبي، بأنها تمثل الثقافة الغربية و هي وسط بحر من الدول التي ليس لها أية علاقة بقضية الديمقراطية، كما إن إسرائيل تعتقد إن النظام ذو المرجعية العسكرية، هو وحده الذي سوف يحترم اتفاقية "كامب ديفيد". رابعا – الدور المصري في أفريقيا، و يجيء هذا الدور استجابة لقضية الصراع حول المياه و الخلاف مع أثيوبيا حول سد الألفية، الذي أيده السودان علي لسان رئيسه المشير عمر البشير، كما إن دول الحوض أكدوا أنهم لا يعترفون باتفاقية المياه الموقعة بين السودان و مصر في عام 1959، و قد وقعت ثمانية دول من العشرة علي اتفاقية عنتيبي لتقاسم مياه حوض النيل بين شعوبها، كل ذلك تعتقد مصر سوف يؤثر علي حصتها في مياه النيل. خامسا – إن السودان الذي كان يشكل عمقا إستراتيجيا لمصر، أصبحت علاقاته بها يصيبها الفتور من جوانب كثيرة، الأولي اتهام السلطة المصرية أن السودان يدعم و يقف إلي جانب الأخوان المسلمين في مصر، ثانيا الخلاف في الساحة الليبية، و هي قضية إستراتيجية للسلطة في السودان، حتى لا يتم عليها حصار من جميع الجوانب، ثالثا و المهم الخلاف في مناطق "حلايب و شلاتين و فرس" المتنازع عليها بين البلدين، ثم أخيرا سد الألفية التي تقيمه أثيوبيا علي النيل الأزرق، و النظام السوداني الذي يعاني من تحديات كثيرة اقتصادية و نزاعات و حروب داخلية و عقوبات اقتصادية و حصار سياسي، في ظل الضغط الشديد لا يتردد في عقد حلف دفاعي مع إيران، و فتح منطقة البحر الأحمر لتواجد إيراني دائم، و لكل المطاردين من دولهم، و هذه سوف تشكل قلقا لدول المنطقة. كل تلك القضايا تشكل تحديات للسلطة الجديدة في مصر، و رغم أنها تعتبر من القضايا الإستراتيجية في المنطقة، و لكنها لا تعتبر في مقدمة سلم الأولويات، باعتبار إن التحولات الاجتماعية في مصر التي جرت بسبب ثورة 25 يناير 2011 ، سوف تظل متقدة في الشارع المصري، و إن المصرين ليس أولئك الذي يترددون في الخروج من أجل الدفاع عن حرياتهم، و لا اعتقد هناك الآن من يردد أنه يسير في " ضل الحيطة" أنما الثورة قد بينت المقدرات العظيمة التي يمتلكها هذا الشعب، فالتحدي الاقتصادي و محاربة البطالة و تحسين مستوي المعيشة و الخدمات و الحرية في مصر تشكل أولوية للشعب المصري، ثم تأتي بعد ذلك قضية التحالفات و الصراع في المنطقة، و مصر لا يمكن أن تعيد دورها في المنطقة إذا لم تحل مشاكلها الداخلية، و لا اعتقد إن الدول المتطلعة لدور أكبر و تمديد نفوذها في المنطقة، سوف تقف مكتوفة الأيدي، بل سوف تفجر لمصر عشرات المشاكل لكي تعزلها عن لعب أية دور في الوقت الحاضر. إن التوازن بين التحديات الداخلية و الخارجية، ربما يملي علي مصر أن تسلك طريقا ثالثا يحقق مصالح شعبها، كما تريد الدول الأخرى أن تحقق مصالح شعوبها، و هي عرضة للتوازنات في المنطقة، و مصر الحالية ليست مصر التي كانت مدللة من الغرب و الولايات المتحدة في عهد مبارك، أنما مصر جديدة و قيادة جديدة جاءت في ظروف استثنائية، الكل يريد قبل اتخاذ موقف أن يعرف توجهاتها، و هو الذي يجعل مصر تقف مع ذاتها لكي تقرر الدخول في قلب المشاكل و الأزمات، أم أنها سوف تسك طريقا ثالثا أكثر حكمة لخروج المنطقة كلها من أزمتها، هذا سوف تحدده الأيام القادمة، و علي الله التوفيق.
|
|
|
|
|
|