|
مشروع جامعة الخرطوم على خطى حوار مستشارية الامن الوطني
|
وانا اطالع اعلان جامعة الخرطوم قبل اسبوعين في الصحف عن مشروعها للحوار الوطني لانقاذ البلاد من وهدتها وتخبطها الحالي تملكتني حالة من الفخر والاعتزاز والامل.الفخر والاعتزاز بصفتي احد طلاب هذه الجامعة العريقة قبل اكثر من اربعين عاما. عاصرت وشاهدت مواقفها ومواقف طلابها يتصدون للانظمة الحاكمة عندما تتعدى على الوطن. اما الامل وان كان ضعيفا في ان تستجيب السلطات الحاكمة لنداء ام الجامعات السودانية حتى يتمكن السودانيون مجتمعين من العبور ببلادهم نفق التفكك والانهيار الذي حشرتهم الانقاذ فيه. خاطبت الجامعة الشعب السوداني" واياك اعني واسمعي ياجرة" في رسالة صريحة ومباشرة اطلقت عليها "ورقة مفهومية واجرائية" اكدت فيها ان الحوار الوطني المتكافئ الذي يتساوى فيه الجميع ولا يستثني احدا هو الخيار الوحيد ولا خيار غيره لتجنيب البلاد مخاطر انهيار وتفكك الدولة السودانية. الانهيار الذي بدت مظاهره كما جاء في مقدمة الورقة في انفراط عقد الامن والاستقرار وتآكل سلطة وسيادة الدولة وانقسام وتفكك مكونات المجتمع وظهور التخثر القيمي والاخلاقي وتفشي الوهن القيادي وعدم فاعلية جهاز الدولة. ومن بديه القول ان هذا المأزق الوجودي الذي نعيشه والتدحرج المستمر نحو الهاوية لن يوقفه سوى اشتراك جميع السودانيين في حوار وطني شامل يتوافقون فيه على مشروع وطني يوفر للبلاد مستقبلا من السلام والاستقرار والتنمية. قدمت جامعة الخرطوم في ورقتها نماذج لموضوعات الحوار ومستوياته والجهات التي تشارك فيه بالاضافة لجداول وانشطة هذا الحوار وشكلت لجنة اتصال اوكلت رئاستها للعالم الجليل البروف يوسف فضل حسن لتتصل بقيادات الاحزاب وتنظيمات المجتمع المدني والحصول على موافقتها وعلى قبول توليها تسهيل وانجاح هذا الحوار ورفده بالاوراق العلمية والدراسات والوثائق. كنت اعتقد ان رئاسة الجمهورية ثم المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) سيكونا اول المبادرين لالتقاط طوق النجاة بعد ان باءت كل محاولاتهما لجلب معارضي النظام وممثلي المجتمع المدني الى طاولة الحوار. فما زالت شقة عدم الثقة في الحزب الحاكم تتسع رغم ما جاء في خطاب الوثبة(17 يناير) واللقاءات والقرارات التي تلته. ويبدو ان قناعة تشكلت ليس لدى المعارضة فقط بل في الشارع العام بان المؤتمر الوطني لم يعد من واقع التجربة مؤهلا ولا هو مؤتمن على ادارة حوار مثمر يقود البلاد الى بر الامان. وفي الذاكرة تجربة مستشارية الامن الوطني عندما اعدت للحوار الوطني قبل اكثر من عامين العدة فرفضها المؤتمر الوطني واعتبرها عملا غير صالح يهدد وجوده في السلطة. وكان محقا في الاخيرة. ادركت المستشارية (مطلع عام 2011) بعد ادعاءات واتهامات مساعد رئيس الجمهورية في ذلك الوقت الدكتور نافع على نافع في برنامج "مؤتمر حوار اذاعي". وما تبعها من حملة صحفية ممنهجة ضد قيادتها وامينها العام ان ايامها اصبحت معدودات فرشحت جامعة الخرطوم كجهة مستقلة، موثوقة ومؤتمنة لتتولى منها مهام مواصلة الحوار الوطني الذي ابتدرته وهيأت له الجو العام. لكن الجامعة وقد جرت بين ردهاتها مياه كثيرة تقاعست من تسلم الراية وعذرها معها حيث ساد الخوف والتوجس ولم تشأ وسائل الاعلام ولا قادة الرأي بان "يجيبوا سيرة المستشارية" في صحفهم او على السنتهم. فمشروع الحوار الذي تدعوا له جامعة الخرطوم اليوم وقد اصبح الكلام مباحا لا يختلف عن مشروع الحوار الوطني الذي كانت تديره المستشارية عام 2011 وكم هو مؤسف ان لا ترجع الجامعة هذا الفضل للمشتشارية فقد كانت قريبة منه ومشاركة فيه. في مقال بعنوان "مستشارية الامن القومي.. مبادرة جديدة وفهم مختلف" كتبت بتاريخ 7يونيو2011 ص7 في صحيفة السوداني واسعة الانتشار "ان تحليل الوضع الراهن (الذي اجرته المستشارية) وتمت الإستعانة في جمع وتصنيف وتحليل معلوماته وبياناته بخبراء أكاديميين ومسئولين (سابقين وعلى رأس العمل) وسياسيين من مختلف ألوان الطيف السياسي اوضح أن الوضع الراهن وما يحيط به شيء مخيف. ولا بد أن يعرفه السودانيون في مؤسساتهم السياسية والتعليمية والبحثية وتنيظماتهم الإجتماعية والفئوية حتى يستشعروا الخطر المحدق ببلادهم فيجمعوا كلمتهم ويوحدوا مواقفهم ليقودوا السفينة إلى بر الامان..انطلاقاً من هذا الفهم الواسع جاء الحوار الوطني الإستراتيجي الذي استطاعت المستشارية ولأول مرة في تاريخ السودان أن تجمع حوله القوى السياسة حاكمة ومعارضة ومعها الجامعات السودانية ومراكز البحوث ومنظمات المجتمع المدني وأهل الخبرة للتشاور في ما بينهم من أجل صياغة مشروع وطني يتوافقون فيه على إجابات واضحة لجميع التحديات وفي مقدمتها كيف يُحكم السودان. إضافة إلى حسم القضايا العالقة في الساحة السياسية. وفك الاشتباك بين المعارضة والحزب الحاكم." اقبلت الأحزاب على ذلك الحوار بعد اقتناعها بأن ما تقوم به المستشارية عمل قومي من أجل الدولة السودانية. فشكلت في ما بينها أمانة عامة، إنبثقت عنها لجنة تنفيذية برئاسة الأستاذ تاج السر محمد صالح القيادي في حزب الإتحادي الديمقراطي الأصل لتدير الحوار. وتولت المستشارية التنسيق وتوفير المعينات وتهيئة مكان الإجتماعات. وتم تكليف جهات أكاديمية معتبرة وموثوقة هي الجامعات ومراكز الدراسات لاعداد أوراق العمل. كما طُلب إلى الأحزاب أن تعد أوراقها فتُطرح مع غيرها لنقاش يشارك فيه حسب البرنامج أكثر من ألف شخص يمثلون مختلف ألوان الطيف السوداني. ويقام في العاصمة والولايات حتى يشارك فيه ويشهده أكبر عدد من السودانيين. كل ذلك انتهى بضربة لاذب واودعت مخرجاته اضابير النسيان لان طريق المستشارية ما كان سيلتقي مع طريق المؤتمر الوطني. واخشى ان ينتهي ما اشتملت علية ورقة جامعة الخرطوم الى نفس المصير.
( صحيفة التغييير 8مايو ص8)
|
|
|
|
|
|