|
مشاكل الوطن و الشذوذ الاداري ومتفرقات عن الكارير والكرور و الكنكشة بقلم / ماهر إبراهيم جعوان
|
يمكن تعريف الشذوذ الادارى بأنه الرغبة في الانفراد بالعمل والحرص التام على عدم تفويض أي جزء من المهام، أو الصلاحيات للغير، بالرغم من توافر العديد من الكفاءات المساعدة وهو يعني الاستبداد , و الشذوذ الاداري ايضا هو عدم القدرة على وضع القرار المناسب فى الوقت المناسب فى المقام المناسب او عدم القدرة على تمييز الحل المناسب من عدمه عند اتخاذ قرار محدد , الشذوذ الادارى صفة تلازم الشخص الذى لايلتزم بالقوانين واللوائح المختلفة الموضوعة لتنظيم العمل وانسيابه بالطرق السليمة , حيث يظن كثير من الناس انه باستلامه لاعباء جهة عامة معينة كأنه صار يمتلك تلك الجهة لذلك تجده يتعامل وكانه فى العصر الاقطاعى القديم وان هذه المؤسسة او الادارة المعينة قد صارت مزرعته الخاصة لذلك عمت الفوضى فى كثير من المصالح والمرافق والشركات الحكومية واصبح الشخص المسئول يامر وينهى ولا يرجع للقوانين واللوائح الموضوعة مما ادى الى اختلال دولاب العمل العام مما نتج عنه تدهور فى كافة جوانب الخدمة . لقد انتشر الشذوذ الادارى الذى انتشر فى دواوين الدولة من اعلاها الى ادناها . و كان نتاج هذا الشذوذ الاداري هو المشاكل التي انتشرت فى الغرب والشمال والجنوب والشرق.
هل كان سيحدث هذا التدهور اذا التزم كل شخص بتطبيق اللوائح والقوانين الموضوعة سواء كانت ادارية او مالية ؟ للاسف الشديد انتشر امثال هؤلاء " الشاذون ادارياً " فى جميع المرافق والشركات والوكالات والهيئات والسفارات وحتى المؤسسات غير الحكومية والاحزاب والهيئات الاجتماعية والرياضية لم تسلم منهم واصبح الوطن ضيعة فى ايادى اولئك واصبح المواطن والوطن رهين لسياساتهم التى لاتلتزم باللوائح و القوانين .
لقد مس الشذوذ الاداري جميع النظم فى الدولة سواء كانت سياسية او اقتصادية او امنية وللاسف الشديد بدأ اخيرا يضع يده على النظام الاجتماعى والذى بتدهوره تتغير ملامح شخصيتنا و يصعب معرفة انتماءنا للشرق ام الغرب , للعرب ام للافارقة , للمسلمين ام لغيرهم .
لقد ارتبط تقدم الدول ورقيها بانظمتها المختلفة سواء كانت انظمة الحكم او انظمة الادارة او انظمة التعليم او النظام الاجتماعى فكلما كانت هذه الانظمة مستقيمة ورشيدة وقويمة ويشرف عليها اشخاص يطبقون اللوائح والقوانين كلما تقدمت الدولة ونهضت والعكس كلما كان على رأسها اشخاص يديرونها بأهواءهم ولا يرجعون للوائح والقوانين كلما تخلفت الدولة وانهدم بنيانها وتراجعت الى الوراء الى ان تمحى من الوجود .
اذا اردنا ان نحصر عدد المؤتمرات والندوات والاجتماعات واللجان والورش التى اقمناها والدساتير والقوانين واللوائح والاستراتيجيات التى وضعناها , بغرض الاصلاح الاقتصادى والسياسى والامنى والاجتماعى , فلن نستطيع ذلك لكثرتها , لكن اذا اردنا معرفة التوصيات التى طبقناها من التى لم نطبقها فان الاجابة سهلة وتتكون من كلمتين : لا يوجد !! .
ان السبب الاساسى فى كل ماحدث ويحدث هو عدم التزامنا بتطبيق النظم واللوائح والقوانين التى وضعناها .. ولم يتبقي لنا سوي ان ندعو الى وضع دستور خاص يلزم الناس بتطبيق بنود الدساتير التى وضعناها وتكوين لجنة خاصة لتخرج بتوصيات تلزم الناس بتطبيق توصيات اللجان المختلفة التى كوناها واقامة مؤتمر خاص يلزم الناس بتنفيذ توصيات المؤتمرات المختلفة التى اقمناها , فاقامة المؤتمرات والندوات والسمنارات و تكوين اللجان هو الشئ الوحيد الذى نجحنا فيه حتى ان شخصاً من دولة اخرى حكى لى ان مجموعة من السودانيين كانوا يجلسون فى ظل شجرة فراوا اسداً قادماً نحوهم فقال احدهم يجب علينا تكوين لجنة لهذا الاسد وقال آخر لا بل يجب تكوين لجنتان و انبري ثالث و قال في تقديري يجب تكوين ثلاثة لجان الاولى لمعرفة من اين اتى هذا الاسد لحل المشكلة من جذورها , واللجنة الثانية لمعرفة كيف اتى هذا الاسد ؟ و اما اللجنة الثالثة لمعرفة كيفية القضاء على هذا الاسد , ومازالوا يتناقشون فى امر اللجان حتى وصل الاسد وقضى عليهم جميعا.
فى نقاش مع احد خبراء الادارة والاستاذ باحدي الجامعات حول مشاكل بلادنا ذكرت عبارة "شذوذ" الا انه ابدي تحفظه علي العبارة و اقترح بان نخوض بالبحث بدلا عن ذلك في عبارة " الكنكشة " والتي اعتبرها احدي المشاكل الادارية التي اودت بحياة دولاب العمل العام في البلاد . الا انني اجد ان عبارة "شذوذ " ربما تكون انسب وربما يكون السبب غرابتها وانها تلفت الانتباه للموضوع اكثر من غيرها , فاذا اعتبرنا الشذوذ الاداري مرضا فعلينا ان نبحث في اعراضه ثم مسبباته والتى من بينها في تقديري تسليم زمام الامور والمسؤلية لمن لا يستحقها او لمن لايقدر علي تحملها فيضيعها وهنا ياتي اهمال المتخصصين و اصحاب الخبرات من "الكارير " CAREER و استبدالهم باخرين ربما ليس لهم علاقة بالامر او تنقصهم الدراية والخبرة المطلوبة و قد اصطلح في عرف الادارة المتداول في لغة العوام بتسمية هؤلاء "بالكرور" .
الكارير في الاصل كلمة انجليزية CAREER معناها حسب ماجاء في قاموس المعاني احْتِراف او أَشْغال او حِرْفَة اما "الكرور" فهي كلمة دارجة سودانية ربما لا يكون اجد لها اصلا في اللغة العربية الفصحي غير اني بحثت في قاموس اللهجة العامية فى السودان للبروفسور عون الشريف قاسم فوجدت المعني المطابق لكلمة "كرور" هو : " الحثالة او النفاية التي تجر " و بهذا يمكنني التعريف وفق التداول العامي انها الاشياء التي لا يستفاد منها و ليست ذات قيمة او اهمية .
اذا تحدثنا عن المهن و حسب تعريف كلمة "كارير" المذكور اعلاه فانها تعني حملة المهن من المنخصصين والخبراء الاصليين فمثلا اذا بحثنا اصل تسمية "الكوارير" وهي اسرة شهيرة في شمال السودان في منطقة نوري و هي اسرة او "خشم بيت" كما يقال فى السودان مشهور بالتخصص في القران الكريم و علومه والخلاوي اي انهم حملة القران لذلك ربما يكون جاء اسم الكوارير من QURANIC CAREER اي حملة القران الكريم و ربما انحرف الاسم بعد ذلك الي الكوارير شان الكثير من الانحرافات التي تحدث في المسميات في السودان مثل مايقال عن كردم و كردفان , و قد قمت باستقصاء الامر عن بعض الذين ينتمون الي هذه الاسرة مستفسرا عن اصل كلمة كوارير حسب معرفتهم فذكروا انها نسبة الي جدهم الكاروري و الله اعلم .
قامت ولاية الخرطوم و حسب رؤية القائمين علي امرها لتنظيم وسط الخرطوم بنقل المواقف الموجودة في السوق العربي الي منطقة السكة حديد فقام المواطنون بلصق عبارة "كرور" كاسم علي هذه المواقف و حسب معني كلمة "كرور" المقصود فان الولاية كانت غير موفقة في هذا الاجراء فقد انتشرت جراء هذا النقل الاسواق العشوائية و الباعة المتجولون و الشحاذون و العطالة و اختلط الحابل بالنابل في كافة الشوارع ما بين السوق العربي الي شارع القصر الي مستشفي الخرطوم الي السكة حديد الي ساحة مسجد شروني الي شارع الحرية الي استاد الخرطوم فبدلا من انحصار هذه العشوائية و الضوضاء و الاوساخ و القمامة والتجمعات في بؤرة صغيرة حول المسجد الكبير و السوق العربي انتشر هذا السرطان ليعم كافة ارجاء وسط الخرطوم .
نعود الي عبارة "كنكشة" والتي اقترحها لي بروفسور الادارة بدلا عن عبارة "شذوذ" , "فالكنكشة" احدي مشاكل العمل الاداري , لذلك استحسن الكثير من الناس ما قام به المؤتمر الوطني من ازاحة المسئولين القدامي الذين "كنكشوا " لفترات طويلة سواء كان في الوزارات او في قيادة الحزب , و من المستحسنين الشيخ كمال رزق خطيب مسجد الخرطوم العتيق ففي خطبة له في تلك الايام نادي الشيخ بضرورة ذهاب القدامي واستبدالهم بدماء جديدة , واذكر هنا ان احد الاخوة همس في اذني قائلا : هل سيطبق ما يقوله هذا الشيخ علي نفسه و يفسح الطريق امام علماء شباب ليعتلوا هذه المنابر ام ان المشايخ لا تنطبق عليهم عمليات التغيير و يظلون "يكنكشون" علي هذه المنابر حتي الموت ؟!! .
علي اثر الحديث عن "الكنكشة" قد يطالب بعض الناس بضرورة ضخ دماء جديدة في دولاب العمل العام الا ان الامر سيمس "الكارير" و ربما يمهد الطريق امام "الكرور" اذا لم توضع خطة او رؤية واضحة لكيفية الاحلال والابدال و الضخ , فقد ذكر لي احد الاخوة الدبلوماسيين ان من مشاكل "الكرور" اي الاشخاص الذين ذج بهم ككوادر وسيطة انهم شوهوا العمل الدبلوماسي والنظام الاداري و طرق التعامل والاحترام و الهيبة للتسلسل و النظام الموجود و حكي لي طرفة ان احد الشباب من "الكرور" تم نقله للعمل مع احد السفراء القدامي " الكارير" فكان يتعامل مع هذا السفير بطريقة البساط الاحمدي و يناديه "يامحمد يا محمد" في كل المواضيع سواء كان في العمل او في الانس خارج العمل فكان السيد السفير يمتعص عن هذا التعامل و يغضب الا انه لا يظهر ذلك لانه يخشي من هذا الصبي الذي ربما يضره خاصة وانه يظن انه "واصل" , ففي احدي المرات ناداه : "يا ابني تعال وادن مني لاحدثك فالعمل الدبلوماسي دة يحتاج الي نوع خاص من التعامل و التخاطب يعني بدل ما تناديني امام الناس بي اسمي "يا محمد يا محمد " ,, " قولي لي يا سعادة السفير" ,, او "يا سيادتو" او حتي "يا سيد محمد " فهي كلمات خفييييييفة "بجر الياء خمس حركات" علي لسانك و بتريحني شديييد ,,
في شان الاستوزار " تعيين الوزراء " فقد قام المؤتمر الوطني في الفترة الاخيرة بتغيير قدامي الوزراء باخرين شباب في تجربة جديدة لضخ دماء شباب في العمل التنفيذي والسياسي الامر الذي ربما يفتح الباب للنقاش فاذا اعتبرنا الوزراء الجدد ليسوا من الكارير CAREER فهناك اشياء فى فقه الكرور ربما لا تعتبر شذوذا اداريا , فقد جاء فى الخبر ان الوزير السميح قد قام باعفاء العضو المنتدب لشركة كنانة فهل يعتبر هذا الاجراء من ضمن صلاحيات الوزير ام انه تدخل في عمل مجلس ادارة الشركة و بذلك هل نعتبر هذا السلوك شذوذا اداريا بالرغم من ان العضو المندب يعتبر من قدامي المكنكشين ؟!!!
نواصل ان شاء الله .
صلاح حمزة - باحث
|
|
|
|
|
|