|
مسكوناً بالأخلاق والشرف عاش ريفياً ثورياً وشهيداً خليل إبراهيم ثلاث أعوام على رحيله بقلم منعم عطرون
|
مسكوناً بالأخلاق والشرف عاش ريفياً؛ ثورياً؛ وشهيداً. خليل إبراهيم؛ ثلاث أعوام على رحيله
الفضائل القروية التي كان يراها ويسمعها في تلقينات الأجداد والأباء في الدرع ؛ في مؤلالات الحبوبات وأغاني البنات؛ في مواعظ الفكي في المسيك وأحاديث الفخرة الجوالة؛ في مساعدة القرويون للمساكين والضعفاء؛ في إرشادات شيخ الحلة وفي حكمته؛ في صبر الرعاة وفي شهامتهم؛ في التوزي أيام الرشاش والدرت؛ كل تلك تلقنها وهو طفلا صبيا؛ يافعا وشابا في دارفور بداية من قريته (كيرة) الواقعة بين بلدتي الطينة وكلبوس بأقصى غرب السودان؛ وشكلت تلك دليله في الحياة؛ وبوصلته الأخلاقية التي عاش بها؛ مدنيا؛ وثوريا؛ وقاد معاركه السياسية والعسكرية ضد خصمه. وبالشرف والأخلاق رحل وهو بين جنده في الميدان. الدكتور خليل ابراهيم محمد فضل حفيد السلطان عبد الرحمن فرتي؛ كان خصماً عنيداً لعدوه؛ وقلبا شجاعاً في قول ما يؤمن به؛ كان الريفي الذي نحس جميعا أنه يعبر عن ما بدواخلنا من مشاعر حين ينتفض معتزا بكرامته؛ ولكرامة شعبه في وجه الطغيان والإستبداد؛ أي يكن حجم الطغيان. في يوم 23. ديسمبر 2011ف أي قبل ثلاث أعوام أغتيل الدكتور خليل ابراهيم بينما كان على رأس قواته حركة العدل والمساواة في الطريق لتحرير الخرطوم. أغتيل بطريقة جبانة. لم تتكشف لشعبه الأيدي التي إغتالته؛ ولكن الخرطوم التي كانت المستفيدة من إغتياله هي المتهمة الأولى حتى تثبت البراهين عكس ذلك. وكانت الأيدي المجرمة عرفت أين تضع الخنجر في ذاتنا الثورية المسلحة يوم أن إغتالته. إلا أنها لم تستطيع أن تقضي على الثورة. ولن تستطيع. يمثل الدكتور خليل إبراهيم نموذج لنخبة سودانية نادرة من الأقاليم ضحية التمييز العنصري لدولة أبرتهايد الجلابي؛ لم يتهرب من مسؤليته الريادية الأخلاقية تجاه مجتمعه؛ خاصة بعد أن وعى المشكل في نظام الدولة والنظام الحاكم. لم يكن أبلماً غبياً. لم يكن ضعيفاً أو جباناً. لم تصيبه الأنانية والإنتهازية وحب الذات وجمع الثروات والنساء . لم يكن لا مبالياً ميت الضمير لمأساة شعبه. فيما إتصف مئات اللآلاف من نخب غرب السودان وأقاليم أخرى خلال العقود الخمس التالية لخروج المستعمر الأجنبي؛ وشكلوا من أنفسهم وخيانتهم لأدوارهم سببا مباشرا في تراكم أسباب الثورة. كان الدكتور خليل إبراهيم مختلفاً؛ وكان مثله إخوته مؤسسي الحركات التحريرية في السودان. كان خليل إبراهيم من صنف النخب السودانية التاريخية: الدكتور جون قرنق دي مابيور في جنوب السودان؛ ويوسف كوة مكي في جبال النوبة؛ و داود يحي بولاد في دارفور؛ كان كل منهم قوياً شجاعاً؛ و شريفاً ذو ضمير؛ وكان حراً وذو عقل؛ ذلك حين أعلن كل منهم رفضه لصغية الدولة العنصرية وتمرد عليها؛ وأعلن خليل وبولاد عنصرية ونفاق الحزب الحاكم وأعلنا إستعدادهما لمواجهته وقتاله. وعاش كل منهم ملتزماً بما فكر به وقاله؛ وإلتزم كل منهم طوال حياته الثورية بقضية التغيير لصالح شعوب السودان ضحية دولة الإستعمارية؛ وهذا سبب وقوف العشرات معهم من جنوب السودان؛ من جبال النوبة؛ من دارفور؛ كل صدقه قومه؛ وآمنوا بالأفكار والرؤى التي أطلقها كل منهما. وهكذا وسيظل حياً في ذاكرتهم. ينضم بلا شك إلى هذه النخبة السودانية بوعيها وبُعد رؤها الدكتور عثمان بليه؛ مؤسس مؤتمر البجا في سنة 1958ف والذي قال أن نموذج الدولة السودانية ما بعد خروج المستعمر الأجنبي لا يمثل البجا ولا يعبر عنهم وعن مصالحهم. غير أن الدكتور بليه مات باكراً ولم يعيش لينتخب وسيلته في مواجهة الدولة العنصرية. للدكتور خليل إبراهيم بلا شك نواقصه؛ وأخطاءه ؛ وله سوالبه كأحد النخب من غرب السودان؛ وكسياسي سوداني؛ وكزعيم حركة مسلحة؛ وصاحب مشروع ثوري إسهام في عملية التغيير في بلاده. غير أنه حين إنتخب وسيلته المناسبة للتغيير الذي آمن به؛ قدم خليل شروطا صعبة للقيادة في نموذجه؛ لأي حزب أو حركة سياسية يتطلع لمواجهة نظام الأبرتهايد الجلابي في الخرطوم. وصار نموذجاً يستحق الإحترام والتوقف عنده. رغم قلة من يضارعه اليوم من قادة الثورة المسلحة إلا أنه بلا شك يوجد هناك المئات مثله من بيئته؛ من بطن المشكل التي أخرجته؛ من إقليمه والأقاليم الأخرى؛ بتصميمه وبعزيمته وبإصراره وسيكون مثال أخر جيدا في قيادة عملية التغيير بالبلاد. يظل الدكتور خليل إبراهيم بوعيه وتكوينه وطرحه أحد أهم النماذج والتجارب السياسية مثار أعجاب في السودان؛ كما هو مدرسة بالنسبة لهذا الجيل والأجيال السودانية القادمة.
منعم سليمان عطرون
|
|
|
|
|
|